وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    شمعة مضيئة في تاريخ التعليم السعودي    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضواء على الانتخابات الأميركية ومعانيها الداخلية والخارجية . الصراع العربي - الاسرائيلي وسائر قضايا الشرق الأوسط بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي
نشر في الحياة يوم 16 - 10 - 2000

لا خلاف مبدئياً بين آل غور نائب الرئيس الأميركي والمرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية وبين جورج بوش حاكم ولاية تكساس وخصم آل غور الجمهوري في موضوع الشرق الأوسط. هذا ما يبينه البرنامج الانتخابي لكل من الحزبين، وهذا ما يتضح من مراجعة الخطاب السياسي للمرشحين، وهذا ما أعلن غور وبوش عنه صراحة في المناظرة التلفزيونية بينهما. غير انه يمكن استشفاف بعض الفوارق الفرعية بين المرشحين والتي تدفع المعنيين بقضايا الشرق الأوسط الى تفضيل أحدهما على الآخر.
ففي حين ان الاعتبارات الموضوعية العامة مثل السعي الى توطيد دائرة النفوذ والتأثير في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، كما الخاصة، ولا سيما منها صون خطوط امداد النفط، تشكل في نهاية المطاف سقفاً لا يسع أي حكومة أميركية تجاوزه أو تجاهله في صوغ سياستها وتطبيقها ازاء الشرق الأوسط، فإن الاعتبار المعنوي الطاغي على السياسة الأميركية في هذه المنطقة هو من دون شك العلاقة الخاصة والمميزة بين الولايات المتحدة واسرائيل.
وعلى رغم ان الجهات الناشطة المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، اليهودية منها وغير اليهودية، تبذل قصارى جهدها لتغليب هذا الاعتبار المعنوي على أي اعتبار موضوعي اذا تعارضا، ولإبراز توافقهما حين يلتقيان، كما تعمد بأساليب غالباً ما تتجاوز الإنصاف الى محاولة اسكات الصوت المعارض أو التشكيك بصدقيته، فإن استقرار العلاقة المميزة بين اسرائيل والولايات المتحدة في صلب أولويات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بل وفي عموم السياسة الخارجية الأميركية، ليس نتيجة مناورة اعلامية ناجحة أو نتيجة تضليل للجمهور أو مؤامرة قائمة على السيطرة على وسائل الاعلام وغيرها، كما قد يتوهم البعض. بل ان بروز هذه العلاقة واستقرارها هما نتيجة عوامل تاريخية وثقافية ودينية واجتماعية متداخلة، البعض منها جوهري، والآخر عرضي، من النجاح النسبي الذي حققته الثقافة الأمركية في تجاوز الموروث الغربي المسيحي الذي صنف اليهود، بالصيغة الأحادية الجماعية، في خانة الآخر القريب، وعرّض أفرادهم وجماعاتهم للتفرقة والاضطهاد، الى اللقاء على مركزية معنوية لنص العهد القديم من الكتاب المقدس بين الثقافة الأميركية التي استوعبت العودة البروتستانتية الى هذا النص، والحركة الصهيونية التي ترجمته الى تاريخانية مسيسة وجعلته أساساً لمشروع استعماري، مروراً باندماج الجالية اليهودية الوافدة من أوروبا الشرقية بالمجتمع الأميركي، وإن اعترض هذا الاندماج ما منعه من ان يكتمل.
وفي موضوع الشرق الأوسط تحديداً، ضاعف من الاحتضان الثقافي الأميركي لإسرائيل في مواجهة "جيرانها" وهي التسمية التي غالباً ما تطلق على الدول العربية التي تحرم في الاعلام الأميركي كما في الثقافة الأميركية، من أسمائها وهويتها، وتحصر في خانة علاقتها باسرائيل، أن الثقافة الأميركية، لغياب الدافع المباشر، لم تتجه الى تشذيب الموروث الغربي المسيحي في ارتيابه من "المسلم"، الآخر البعيد، بل احتفظت ضمناً بالعداء الذي يكنه له هذا الموروث. وقد ترسخ هذا العداء الضمني نتيجة مقارنات ومعارضات سطحية بين الثقافتين الأميركية والاسلامية، بالصيغة التبسيطية المجحفة. فالمسلم أو العربي، ولا فرق بين الاثنين بالنسبة الى معظم الأميركيين، فالمصري القبطي مسلم والإيراني الفارسي عربي يكاد ان يغيب كلياً عن التصور الأميركي للثقافة العالمية المعاصرة، ولكنه حين يظهر، غالباً ما يقرن بتعدد الزوجات واضطهاد النساء والاستهتار بالأطفال، وبالتعصب والإكراه الديني والإرهاب، والحسد من ازدهار الغرب، لا سيما وانه قد سعى الى تقويضه في السبعينات عبر التسبب بأزمة النفط. وإذا كان لا بد من تلخيص الصورة النمطية الضمنية للعربي في الثقافة الأميركية فهي انه أهوائي لا عقلاني يميل الى الاثارة والعنف.
فهذه الصور الصامتة، ولكن الراسخة، في الثقافة الأميركية، غالباً ما تشكل ستاراً يحجب الواقع العربي عن المواطن الأميركي. فالفلسطيني مثلاً، والذي يجهر بالإصرار على استعادة حقه المسلوب، أو الذي يمسك بالحجارة في مواجهة عتاد عسكري متطور، أو حتى الذي يموت تحت وابل الرصاص الاسرائيلي، يظهر للعين الأميركية وكأنه متطرف موتور طائش يدفعه حقده الديني الأعمى الى الاعتداء العشوائي على الأبرياء الاسرائيليين من الجنود والمدنيين. وليس هذا عائداً الى تشويه الاعلام لموقفه على رغم استفحال التشويه والقضم والبتر، بل الى اختلاف عميق في المنطلقات وفي الأساليب والتوقعات، بين الثقافتين العربية والأميركية. فالحق يقال ان قلة قليلة، وحسب من الشخصيات العربية والفلسطينية تحديداً قد نجحت في اختراق هذا الستار وفي مخاطبة الجمهور الأميركي بأسلوب ومضمون يفهمهما. بل تكاد السيدة حنان العشراوي، أن تكون الوحيدة التي تنجح مراراً إنما ليس في شكل دائم في الاستجابة لتوقعات المشاهد أو المستمع الأميركي. وليت السلطة الفلسطينية تستفيد من هذا المدخل الى أذن الجمهور الأميركي وقلبه، فتتمنى على السيدة عشراوي ان تأخذ موقع التعبير الرسمي لديه عن الحال الفلسطينية. ويذكر هنا على الهامش ان ثمة اختلافاً كذلك بين الثقافتين الاسرائيلية والأميركية في هذا المضمار، فالاسرائيلي غير المنسجم مع الثقافة الأميركية يمتنع كذلك في خطابه ومعانيه عن معظم الأميركيين، ولكن اسرائيل أمست موطناً لحشود من اليهود الأميركيين مولداً أو نشأة، وهؤلاء هم غالباً الواجهة الاسرائيلية التي يراها أو يسمعها الجمهور الأميركي، فيجد فيهم تشديداً على القربى بين الدولتين، في مقابل أجنبية ما يعتبره ضوضاء خطابية فلسطينية.
إذاً فإن ما يصر عليه كل من بوش وغور من الصداقة بين الولايات المتحدة واسرائيل والاصرار على العناية بالمصالح الاسرائيلية ليس مجرد مناورة سياسية هادفة الى استقطاب التبرعات المالية الأميركية اليهودية، أو الى تجنب استعداء المنظمات الموالية لإسرائيل، بل هو انعكاس لموقف شعبي واسع النطاق. وكذلك، حين تتبارى هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس بيل كلينتون والمرشحة الديموقراطية لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك وهي التي في زمن ولى كانت قد أظهرت بعض التقدير للحق الفلسطيني، ومنافسها الجمهوري، في إدانة الرئيس ياسر عرفات وحصر المسؤولية حول تدهور الأوضاع على الساحة الفلسطينية فيه، فإنهما بطبيعة الحال يستجديان الأصوات اليهودية الفاصلة عددياً في هذه الولاية، ولكنهما كذلك لا يخرجان عن نطاق الإجماع شبه الكامل على مختلف الصعد السياسية في الولايات المتحدة. إذ لم يجد الفلسطينيون أية شخصية سياسية بارزة، لا رالف نادر اللبناني الأصل والمرشح الرئاسي عن أحزاب الخضر، والذي يلتزم صمتاً صارخاً إزاء القضايا الخارجية ينطمس من خلاله أصله اللبناني ولا باتريك بوكانان المرشح الرئاسي المحافظ عن حزب الاصلاح، والذي أبدى يوماً تفهماً للظلم الذي يرزح تحت وطأته أهل فلسطين ولا غيرهما، ليرفع عنهم كامل المسؤولية. فسطوة المنظمات الموالية لإسرائيل مشهودة، ولكنها ليست من دون حدود. فالدافع لهذا الحذر لدى السياسيين هو استقرار الموقف الشعبي. وأي تبديل للطروحات الرسمية، يتطلب جهوداً طويلة المدى تعالج الخلل الثقافي الأميركي إزاء العرب والمسلمين. والحق أن الجمعيات العربية والاسلامية في الولايات المتحدة تسير قدماً في هذا الاتجاه على رغم الامكانات المحدودة لديها. وقد تجسد هذا التقدم أخيراً في تعيين آل غور لجايمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي، وأحد أبرز الناشطين في الجالية، كمستشار لشؤون الأقليات القومية في حملته، وذلك على رغم الاعتراضات المدوية لبعض المنظمات الموالية لاسرائيل. يذكر هنا أن زغبي الذي ينشط لتجسيل الناخبين العرب الأميركيين على لوائح الشطب، كان قد منع قبيل الانتخابات الرئاسية الماضية من المشاركة في مؤتمر الحزب الديموقراطي، الى ان تدخل جوزف ليبرمان مطالباً بعدم التفرقة بحقه.
وبانتظار تصحيح الخلل الثقافي هذا، فإنه يمكن تقويم المواقف المرتقبة لكل من المرشحين الديموقراطيين والجموريين إزاء موضوع الشرق الأوسط عبر استعراض سجل مواقفه ومواقف نائبه العتيد.
فآل غور، منذ سعيه لكسب ترشيح الحزب الديموقراطي لرئاسة الجمهورية للمرة الأولى عام 1988، قد التزم مواقف خطابية صارمة في تأييد اسرائيل، وتربط بعض التقارير بين مواقفه هذه ومستشاره للشؤون الخارجية ليون فورث، المقرب من المنظمات الموالية لإسرائيل في العاصمة الأميركية واشنطن. وفي حين تميز عهد الرئيس كلينتون بانفتاح مشهود باتجاه الأميركيين المسلمين والعرب، بما في ذلك الاحتفال بمناسباتهم الدينية في البيت الأبيض ودعوتهم الى المشاركة بعملية التسوية في الشرق الأوسط، فإن البعض قد اتهم غور بالفتور إزاء هذا الانفتاح. ولكن مبادرات غور، من الاشراف على هيئة مشتركة من الأميركيين اليهود والعرب للاستثمار في الأراضي الفلسطينية وصولاً الى تعيين جايمس زغبي مستشاراً له، تشير الى أن هذه التهمة قد لا تكون في محلها.
ونائب غور العتيد، جوزف ليبرمان، اضافة الى انتمائه الديني الى اليهودية الناموسية، فإنه يجاهر بالتأييد الثابت لاسرائيل، مما أثار مخاوف كثيرة في الشرق الأوسط ولدى بعض الأميركيين العرب. ولكن استعراض سجل ليبرمان يكشف بوضوح انه وعلى رغم العاطفة الصريحة التي يكنها لاسرائيل، ليس في وارد التفريط بالمصلحة الوطنية الأميركية، فهو قد وقع على عريضة تطالب بعدم الافراج عن الجاسوس الأميركي اليهودي جوناثان بولارد الذي سرّب المعلومات الى اسرائيل، كما اعترض لدى الحكومة الاسرائيلية على عزمها تصدير الأنظمة العسكرية الى الصين. ثم ان لليبرمان علاقات صداقة كثيرة في أوساط العرب الأميركيين وفي العالم العربي.
وفي المقابل، فإن جورج بوش لم يضلع بأي منصب على المستوى الوطني يكشف عن سلوكه إزاء قضية الشرق الأوسط. غير انه استعاض عن السلوك بالمزايدة في المواقف، فتعهد المباشرة بنقل السفارة الأميركية الى القدس فور فوزه بالرئاسة. يذكر هنا ان كلاً من غور وليبرمان يحبذ هذا النقل، في الوقت "المناسب". أما بوش، فقد ألزم نفسه جدولاً زمنياً لتحقيق هذه الخطوة والتي من شأنها الإضرار بالعلاقات الأميركية - العربية. وحماسة بوش في تأييد اسرائيل تعود، جزئياً على الأقل، الى الزيارات التي قام بها لاسرائيل، بدعوات من الجهات الرسمية فيها لتعزيز العلاقات التجارية بينها وبين ولاية تكساس، حيث يتولى بوش منصب الحاكم.
وليس واضحاً كيف سيتمكن بوش من التوفيق بين وعده بنقل السفارة الى القدس، وبتأييد اسرائيل أولاً وآخراً من جهة، وبين دعوته الى تعزيز العلاقات مع الدول العربية "المعتدلة"، ولا سيما منها دول الخليج التي يوليها الأهمية بما يتناسب مع مخزونها النفطي، من جهة أخرى. والواقع ان الفقرات المعنية بالشرق الأوسط في برنامج بوش الانتخابي، وهي تزيد مساحة عن مثيلاتها في البرنامج الديموقراطي تلتقي بالمواضيع في شكل كامل مع طروحات غور والحزب الديموقراطي، الا انها تزيد عنها كماً. فبوش، كما غور، يريد احتواء صدام حسين وايران، الا انه يريد المزيد من التشدد في هذا الاحتواء، ويسعى كما غور الى تعزيز العلاقات التجارية بين اسرائيل وجيرانها ومكافأة من يصالحها، غير انه يشير الى أوجه لمضاعفة المكافأة. أما عند سؤاله عن التفاصيل، فلا يجد بوش سبيلاً الى شرح كيفية تطبيق مزايداته خارج الشعارات والعموميات. ثم ان بوش، كما غور، على ما تشير اليه بعض التقارير، قد أحاط نفسه بالمستشارين المقربين من المنظمات الموالية لإسرائيل، ولا سيما منهم ريتشارد بيرل وبول ولفوويتز.
وحده ريتشارد أو ديك تشايني، المرشح لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري، قد اتخذ مواقف علنية معارضة لإسرائيل، ولا سيما عام 1982 إثر اجتياحها لبنان. ولتشايني، الذي تولى منصب وزير الدفاع خلال حرب الخليج في عهد الرئيس السابق جورج بوش والد المرشح الحالي، علاقات كثيرة مع اطراف عدة في الشرق الأوسط، لا تقتصر على اسرائيل.
وبما ان الأوساط المؤيدة لاسرائيل في واشنطن تفاخر بأن طاقم كلينتون - غور قد أظهر صداقة إزاء اسرائيل لم يسبق لها مثيل، فإن بعض الأميركيين العرب يخشون أن يكون طاقم غور - ليبرمان، أكثر انحيازاً لإسرائيل حتى من سابقه، ويأملون بالتالي أن يفوز بوش وتشايني.
غير ان هناك تحليلاً معاكساً ينطلق من واقع أن معظم الرؤساء الأميركيين يبتدئون عهدهم بتأييد مطلق لإسرائيل ينبع من التزامهم الاعتبار المعنوي في السياسة الأميركية، وهو الاعتبار الذي يجعل من اسرائيل أولوية "اخلاقية" للولايات المتحدة. ولكن، ومع مرور الأعوام ونضوج الممارسة الرئاسية واتضاح المصالح الأميركية، يغلب على الرئيس إيلاء الاعتبارات الموضوعية حقها. بل يشير البعض الى ان التفاعل مع القيادات العربية يكشف تدريجياً الحق في الموقف الفلسطيني للرئيس الأميركي، فيعمد هذا الأخير الى تليين مواقفه باتجاه تلبيته. فيرى هذا التحليل أن فوز بوش، وهو الذي يفتقد الخبرة والتجربة، سوف يؤخر متابعة عملية التسوية مع حد أدنى من التفهم للحق الفلسطيني الى ان يكتسب الرئيس الجديد ما ينقصه من اطلاع، في حين أن غور لتوّه قادر على المتابعة. أما تولي ليبرمان منصب نائب الرئيس، وفق هذا التحليل، فهو عامل ايجابي، لما يتسم به من الصدقية والإنصاف، ومن القدرة على التأثير في الاسرائيليين.
وعلى رغم هذا التحليل والتحليل المعاكس، فإنه على الأرجح، في القضية المركزية للعالم العربي، أي القضية الفلسطينية، كما في قضية النتائج السلبية للحصار المفروض على العراق، لن تأتي الانتخابات الأميركية بالجديد، سواء كان الفائز آل غور أو جورج بوش. وفي حين أن قدرة التأثير الاقتصادية والسياسية العربية في السياسة الأميركية محدودة لاعتبارات مرحلية، فإن غياب الحضور العربي الايجابي في الثقافة السياسية والاجتماعية الأميركية يتعدى المرحلية. وهذا عامل لا بد من التطرق اليه لتحقيق توازن دائم في السياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط.
في الشرق الأوسط، يتطلب تحقيق المصالح الوطنية للولايات المتحدة التزام أولويات واضحة وثابتة، كما يتطلب التعاون الوثيق مع أصدقاء أميركا وحلفائها. لدينا أربع أولويات بالنسبة الى الشرق الأوسط. أولاً، نسعى الى تحقيق السلام والمحافظة عليه في المنطقة بأسرها. ثانياً، علينا ان نضمن بقاء اسرائيل سليمة وآمنة. ثالثاً، علينا أن نحمي مصالحنا الاقتصادية وأن نضمن التدفق الثابت للنفط من الخليج الفارسي. رابعاً، علينا ان نحد من خطر أسلحة التدمير الشامل في المنطقة. وبما أن أميركا ليست قادرة على تحقيق هذه الأهداف بمفردها، فإنه لا بد للسياسة الأميركية من أن تقوم على قيادة قادرة على اقامة التحالفات القوية مع الدول التي تتفق معها في التوجه، وعلى المحافظة عليها لتحقيق الأهداف المشتركة.
ومع تراجع النفوذ الأميركي في ظل الادارة الحالية، عمدت منظمة الدول المصدرة للنفط، كمجموعة احتكارية، الى رفع اسعار النفط، وتضاعف الشعور المعادي للولايات المتحدة لدى الجمهور العربي، وواصلت ايران دعمها الإرهاب الدولي ومعارضتها عملية السلام العربية -الاسرائيلية، كما استمرت في سعيها الى تحقيق قدرات عسكرية نووية وجرثومية وكيماوية وصاروخية، بمساعدة خارجية كثيفة. واتجهت الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الى توسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع ايران. فسوف يعمل الرئيس الجمهوري على تصحيح هذه التوجهات المضرة.
وانه من الأهمية أن تدعم الولايات المتحدة اسرائيل وأن تحترمها، فهي الديموقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط. وسوف نضمن ان تحتفظ اسرائيل بتفوق نوعي في التقنيات الدفاعية ازاء أي خصم محتمل. ولن نؤيد طرفاً دون آخر في الانتخابات الاسرائيلية. وعلى الولايات المتحدة واجب أخلاقي وقانوني، هو ان تحتفظ بسفارتها وسفيرها في القدس. لذلك، وفور توليه سدة الرئاسة، سوف يباشر الرئيس الجمهوري المقبل عملية نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب الى العاصمة الاسرائيلية، القدس. تسعى الولايات المتحدة الى سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط. وبوسعها استعمال تأثيرها لتشجيع المناقشات والمفاوضات. ولكن التفاوض على السلام يجب ان يجري بين الأطراف المعنية. فلن نفرض وجهة نظرنا ولا جدولاً زمنياً اعتباطياً. وجوهر عملية السلام هو الالتزام بحل جميع المسائل عبر التفاوض. فإعلان الفلسطينيين الاستقلال من طرف واحد هو انتهاك لهذا الالتزام. وسوف تعارض الادارة الجمهورية الجديدة أي اعلان من هذا النوع. كما سوف تبذل الجهود كافة لتشجيع التوصل الى سلام حقيقي في الشرق الأوسط. وعلى رغم اننا نعقد الآمال في شأن عملية السلام، فإن التزامنا المحافظة على أمن اسرائيل هو الاعتبار الأخلاقي والاستراتيجي الأول.
وربما لم يجر التفريط بانجازات العهد الجمهوري السابق بكقدتو ما حصل في موضوع العراق. فقد تلاشى التحالف المعادي للعراق الذي قام لمواجهة صدام حسين. وقد زعمت الادارة الحالية أنها تحبذ اطاحة صدام حسين، ولكنها لم تحرك ساكناً حين سحقت قواته المعارضة الديموقراطية في الشمال العراقي في آب اغسطس 1996. كما أن الادارة الحالية قد تخلت عن المبادرة الديبلوماسية لمصلحة العراق وأصدقاء العراق، وخذلت المفتشين الدوليين الذين تولوا مهمة إزالة البرامج العراقية للتسلح النووي والجرثومي والكيماوي والصاروخي. وحين قررت الادارة الحالية، في أواخر 1998، ان تقدم على عمل عسكري، اقتصرت على القليل، وبعد فوات الأوان. فنتيجة لفشل الادارة الحالية، لا تحالف ولا نظام رقابة فاعلاً لمنع صدام من تطوير أسلحة الدمار الشامل.
فسوف تعمل الادارة الجمهورية المقبلة بدأب على اعادة تشكيل التحالف الدولي الفاعل لمواجهة صدام حسين. وسوف نصر على تنفيذ العراق كامل التزاماته لنزع السلاح. وسوف نواصل تطبيق العقوبات على النظام العراقي مع البحث عن السبل لتخفيف معاناة الشعب العراقي البريء. وسوف نرد بحزم ومن دون تردد على أية دلائل حول اعادة تشكيل العراق لقدراته في انتاج أسلحة الدمار الشامل. وقد أقر الكونغرس عام 1998 قانون "تحرير العراق" الهادف الى مساعدة المعارضة المعادية لصدام حسين، وقد وقع الرئيس على هذا القانون. ولكن الادارة الحالية لجأت الى أساليب المماطلة والممانعة لاعتراض أي دعم فعلي للمؤتمر الوطني العراقي، المنظمة الجامعة لمختلف العراقيين الذين يرغبون بتحرير بلادهم من آفة نظام صدام حسين. فنحن نؤيد التطبيق الكامل لقانون "تحرير العراق"، باعتباره نقطة الانطلاق لخطة شاملة لإطاحة صدام حسين والعودة الى نظام الرقابة الدولية بالتعاون مع من يخلفه. والجمهوريون يدركون ان السلام والاستقرار في منطقة الخليج الفارسي مستحيلان ما دام صدام حسين حاكماً للعراق.
يأمل جميع الأميركيين ان يصل جيل جديد من القادة الايرانيين الى السلطة وأن يسعوا الى علاقات صداقة أفضل مع الولايات المتحدة وأن يتخذوا مواقف أقل تهديداً في المنطقة. ولكن سجل ايران في دعم الارهاب ومعارضة عملية السلام في الشرق الأوسط، وتطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ البعيدة المدى، وانكارها حقوق الانسان والذي تجلى أخيراً في محاكمة يهود ايرانيين واصدار الأحكام بحقهم بعد اتهامهم بالتجسس اتهاماً باطلاً، يظهر ان طهران ما زالت تشكل تهديداً خطراً للولايات المتحدة ولمصالحنا في المنطقة. وسياسة الادارة الجمهورية المقبلة إزاء ايران سوف تقوم على اساس الأفعال الايرانية لا الأقوال، وسوف تتوقف عن اتخاذ الخطوات الايجابية من جانب واحد نحو الحكومة الايرانية، فهذه الخطوات لم تحقق حتى اليوم اي تبديل في السلوك الإيراني. وسوف نعمل لإقناع أصدقائنا وحلفائنا، ولا سيما في أوروبا، كي ينضموا الينا في التزام توجه حازم مشترك إزاء ايران.
يؤيد الجمهوريون استمرار تقديم الدعم والمساعدة للدول التي عقدت اتفاق سلام مع اسرائيل، وعلى رأسها مصر والأردن. ونحن نقدر المساهمات القيمة للأردن في صراعنا المشترك لمواجهة الإرهاب، وسوف نتخذ الخطوات لتعزيز العلاقات مع عمان، بما في ذلك التفاوض على اتفاقية تجارة حرة بين الولايات المتحدة والأردن.
تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها على النفط من الشرق الأوسط. ويفضل الجمهوريون أن تعتمد اميركا في شكل أقل على النفط الخام الأجنبي. ولن يكون الرئيس الجمهوري المقبل متسامحاً في حال تواطأت "منظمة الدول المصدرة للنفط" لرفع أسعار النفط العالمية، كما فعلت هذا العام. ولكن النفوذ قد يكون مصدره الصداقة أيضاً. فعلى الولايات المتحدة أن تعزز علاقتها الطيبة أساساً والقائمة على التعاون مع الدول المصدرة للنفط، ولا سيما المملكة العربية السعودية، وغيرها من الحكومات العربية المعتدلة.
تعريب فقرات البرنامج الديموقراطي
حول موضوع الشرق الأوسط:
آل غور والحزب الديموقراطي ملتزمان التزاماً مبدئياً المحافظة على أمن حليفتنا اسرائيل، وتحقيق سلام شامل وعادل ودائم بين اسرائيل وجيرانها. لقد ساهمنا في صوغ اتفاقية السلام بين اسرائيل والأردن، واتفاقات واي ريفر، ومذكرة شرم الشيخ، وسوف نستمر في العمل مع جميع الأطراف لتحقيق التقدم نحو السلام. وتقوم علاقتنا الخاصة باسرائيل على أساس وطيد من القيم المشتركة والتزام متبادل بالديموقراطية. ونحن سوف نضمن، مهما كانت الظروف، ان تحتفظ اسرائيل بالتفوق العسكري النوعي من اجل المحافظة على أمنها. والقدس هي عاصمة اسرائيل، ويجب ان تبقى مدينة غير مقسومة، بل مفتوحة أمام الجميع من مختلف الأديان. وبعد الخطوة الشجاعة التي أقدمت عليها الحكومة الاسرائيلية بالانسحاب من لبنان، نجد أنه ترتبت على سورية مسؤولية خاصة للمساهمة باتجاه السلام. ومؤتمر كامب ديفيد الذي انعقد أخيراً، على رغم انه فشل في ردم جميع الهوات بين اسرائيل والفلسطينيين، قد برهن عن عزم الرئيس كلينتون أن تبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها للوصول بهذا الصراع الى نهايته. وسوف يبرهن آل غور كرئيس عن عزم مماثل. ونحن ندعو كلاً من الطرفين الى الامتناع عن الخطوات من جانب واحد، مثل اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، لما تشكله من تقرير مسبق لنتائج المفاوضات، ونحث الطرفين على الوفاء بتعهدهما المتبادل حل الخلافات حصراً عبر التفاوض مع صفاء النيات.
يدرك آل غور والحزب الديموقراطي إمكان التغيير في ايران، ولكننا نبقى معنيين بالوقائع. إذ على رغم ان بعض العناصر في ايران يدعو للاصلاح، فإن هذه الدولة ما زالت تدعم الارهاب الدولي وتجهد للحصول على أسلحة الدمار الشامل، وتقمع مواطنيها، كما يتبين من خلال المحاكمة غير الأخلاقية لثلاثة عشر يهودياً في شيراز. ففي نهاية المطاف، لا بد من الحكم على ايران بناء على أفعالها. وسوف يبذل آل غور مطلق الطاقات لاعتراض اكتساب ايران أسلحة الدمار الشامل وأنظمة ايصالها الى أهدافها.
وفي موضوع العراق، نحن ملتزمون العمل مع شركائنا الدوليين لاحتواء صدام وسوف نعمل للتوصل الى اطاحته. لقد وقف بيل كلينتون وآل غور في وجه صدام حسين مراراً وتكراراً. ولن يتردد آل غور، كرئيس للولايات المتحدة، في استعمال القوة العسكرية ضد العراق متى وحيثما تطلب الأمر.
وبما ان على القوات المسلحة الأميركية وحلفائنا مواجهة الصواريخ البالستية التكتيكية المدى والمعادية، فنحن نعمل بسرعة لتطوير أنظمة مضادة لهذه الصواريخ. ونحن نعمل بنجاح مع اسرائيل لتطوير النظام المضاد للصواريخ البالستية التكتيكية المدىArrow، والنظام التكتيكي باللايزر العالي الطاقة، ولنشرهما.
وليس بالإمكان تحقيق السلام والازدهار في آسيا والشرق الأوسط وافريقيا من دون التوصل الى دمج هذه المناطق بالاقتصاد العالمي. ففي آسيا، نعمل على تشجيع التجارة المتوازنة مع اليابان والصين، وفي الشرق الأوسط، نعمل على تشجيع التجارة على مستوى المنطقة، وخصوصاً بين اسرائيل والأردن ومصر. ويجب علينا ان نستمر في سعينا الى لقاء الدول العربية المعتدلة، وفي تكثيف جهودنا لتطوير علاقات أفضل مع العالم الإسلامي.
* كاتب لبناني مقيم في الولايات المتحدة الأميركية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.