كان باراك أوباما في الانتخابات النصفية سنة 2006 وفي انتخابات 2008 أفضل من يجذب الناخبين الى الحزب الديموقراطي ومرشحيه، وهو اليوم يعد بتجنب الظهور الى جانب مرشحي حزبه في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) بعد تراجع شعبيته بين الناخبين الذين يحمّلونه المسؤولية عن نتائج «عمايل» جورج بوش من أزمة اقتصادية خانقة الى حروب خارجية خاسرة. بعد 17 شهراً في البيت الأبيض يظهر سجل أوباما وإنجازاته واضحة، فهو أقر حوافز لتنشيط الاقتصاد بلغت 862 بليون دولار (الأميركيون قرروا الخروج من الأزمة بالإنفاق عليها والأوروبيون بالتقشف وخفض الإنفاق)، وانتزع قانون إصلاح الضمانات الصحية رغم تخفيف نصه الأصلي في الكونغرس، وأصدر قانون الإصلاح المالي لضبط عمل المصارف الكبرى، وعقد اتفاقاً مع روسيا لخفض الأسلحة النووية يَنتظِر إبرامه في الكونغرس بعد إجازة الصيف. في المقابل هناك من يسجل ضده ضعف مواجهة التلوث في خليج المكسيك، مع أنه قطعاً تصرف بشكل أفضل كثيراً مما فعل جورج بوش إزاء الإعصار كاترينا الذي ضرب نيو أورلينز، وأنه لم يغلق معتقل غوانتانامو كما وعد، وقد أزيد القضية الفلسطينية، إلا أنني شخصياً لم أتوقع أبداً أن يحلها في 17 شهراً أو سبعمئة شهر، مع وجود كونغرس إسرائيلي أكثر تطرفاً من الكنيست. مقارنة الإنجازات الأكيدة والفشل المزعوم أو المتوهّم يجعلان الكفة تميل حتماً الى جانب الرئيس، مع ذلك أظهر استطلاع الشهر الماضي وللمرة الأولى أن 44 في المئة فقط من الأميركيين يؤيدون سياسته، مقابل غالبية معارضة، وأن الديموقراطيين متخلفون عن الجمهوريين في حملة الانتخابات بست نقاط، وأن غالبية واضحة من الناخبين ضد الحرب في أفغانستان. وثمة نقطة عزاء واحدة للرئيس في أرقام الاستطلاعات فشعبية السيدة الأولى ميشيل أوباما عالية وفي حدود 66 في المئة. الاقتصاد هو السبب الأول في تدني شعبية الرئيس أوباما، مع أن المسؤول عن الأزمة المالية هو جورج بوش الذي استدان من الصين ليحارب في أفغانستان والعراق، وضد الإرهاب حول العالم كله، ولم يفعل سوى أن يخسر الحروب والمعركة الاقتصادية. ثم هناك الحرب في أفغانستان فهي غير شعبية كما أظهر كل استطلاع للرأي العام الأميركي هذه السنة، وقد نُشِرت أخيراً عشرات ألوف الوثائق السرية عن هذه الحرب، وشملت السنوات 2004 - 2009 أي ولاية بوش، وكانت إدانة كاملة للرئيس السابق بما كشفت من سوء إدارة وفساد وفشل وقتل مدنيين ثم طمس أخبارهم، فلا تصل الى وسائل الإعلام. هذه الحرب كلفت حتى الآن 350 بليون دولار، وعندما أقر مجلس النواب الأميركي نفقات طوارئ للحربين في أفغانستان والعراق بمبلغ 59 بليون دولار، أظهر التصويت معارضة قوية من الديموقراطيين وتأييداً مرتفعاً من الجمهوريين، أي أن الجمهوريين هم الذين بدأوا الحرب ولا يزالون يؤيدونها، ثم يدفع أوباما ثمنها بين الناخبين. هو الآن وعد ببدء انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في أواسط 2011، وأظهر استطلاع أن غالبية تؤيد خطة الانسحاب، إلا أن هذا لم ينعكس بعد على شعبية أوباما الشخصية. ما أخشى شخصياً هو «الحلول الأخرى» إذا استمرت الحرب ولم تستطع الإدارة الفوز بها أو سحب القوات الأميركية. عندما خسر الأميركيون الحرب في العراق تحت ضربات المقاومة المشروعة والإرهاب المجرم طلع علينا جو بايدن، وهو نائب الرئيس الآن، بفكرة تقسيم العراق بين السنّة والشيعة والأكراد. اليوم أقرأ اقتراحاً من روبرت بلاكويل، وهو كان مسؤولاً كبيراً في الأمن القومي في إدارتي بوش الأب والابن، بتقسيم أفغانستان بين جنوب وغالبية من البشتون وشمال متعدد الاثنيات، ثم أقرأ أن ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وهو معتدل وغير متهم عندي، يقترح اللامركزية في أفغانستان حلاً، مع أنني أرى في ذلك تقسيم البلاد الى مناطق نفوذ يحكمها لوردات الحرب، وهو وضع أطلق في الأصل طالبان، وكل المصائب التالية. أخشى أن يأتي يوم تترك فيه الإدارة الأميركية أفغانستان تواجه مصيرها وحدها تحت ضغط الرأي العام والواقع الاقتصادي، ما يعني أن يعود نظام طالبان الى الحكم بكل ما يمثل من تخلف إنساني وجهل بالدين، وما يشجع القوى الظلامية في بلدان أخرى. وفي النهاية، أفغانستان من دون نفط . [email protected]