فتحت أزمة الغاز التي اتخذت أبعاداً خطرة مع أوكرانيا الباب على عنصر مهم من العناصر الجيوسياسية التي تحكم علاقات روسيا بجيرانها من الجمهوريات السوفياتية السابقة. وغدت مسألة امدادات الغاز واحدة من المفاتيح المفصلية في العلاقات الروسية مع دول الجوار. فأهم مستهلكي الغاز الروسي في هذا السوق الفضاء السوفياتي السابق هي أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا. وهي الدول الثلاث التي تدخل في إطار ما يعرف باسم"رابطة الخيار الديموقراطي"التي تطمح لتكون بديلاً غربياً عن رابطة الدول المستقلة، أنشئت بغية إحكام الطوق على روسيا. وإلى نهاية العام الماضي، حرصت روسيا على تمييز تعاملها مع جيرانها في مسألة أسعار الغاز الطبيعي. وكان من الواضح ان الغاز الذي كان يباع لأوكرانيا وجورجيا ومولدافيا يعادل أقل من ربع السعر العالمي. وسعت هذه السياسة الى ابقاء هذه الدول داخل منطقة النفوذ والتأثير الروسيين. ولكن، في المقابل، على ماذا حصلت روسيا؟ يكفي ان نتذكر مناورات ادوارد شيفاردنادزه الرئيس الجورجي السابق الذي يصعب تسميته صديقاً لروسيا. وسار نظيره الأوكراني السابق ليونيد كوتشما على الطريق نفسه. فهو من أدخل في العقيدة العسكرية لبلاده بنداً ينص على انضمام أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي. وأما القيادة الشيوعية التي وصلت الى الحكم في مولدافيا، فأظهرت ميلاً لتحسين العلاقات مع موسكو، ولكنها لم تلبث ان اتخذت منحى غربياً في سياسة حل مشكلاتها الداخلية. واتخذت روسيا خيارها كذلك. وهو الدفاع عن مصالحها، العودة عن دعم أنظمة لا تخفي سعيها للتحالف مع الغرب. ولعل هذا هو السبب الحقيقي وراء تشدد الموقف الروسي في التعامل مع ملف الغاز. ومن الطبيعي ان يكون رفع اسعار الغاز الطبيعي من 50 دولاراً للألف متر مكعب الى 230 دولاراً، مفاجأة كبرى، لأن الفرق بين السعرين عظيم. ولكن تطورات أزمة الغاز أظهرت ان موسكو سعت الى حل مسألتين معاً. الأولى هي الابتعاد عن"السياسة الخيرية"مسألة بيع الغاز الى الدول الجارة بأسعار تشجيعية، وزيادة موارد شركة"غاز بروم"التي تعد واحداً من المصادر الأساسية للدخل الوطني الروسي"والثانية هي فرض سيطرة كاملة على خطوط امداد الغاز عبر هذه الدول، وعدم السماح ببقاء روسيا رهينة تقلبات مزاج النخب الحاكمة فيها. عن اليكسي ماكاركين نائب رئيس مركز التكنولوجيات السياسية، "نوفوستي" الروسية، 6/1/2006