توجه الناخبون المصريون اليوم للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد. وإذ تبدو نتيجة الانتخابات محسومة لمصلحة الرئيس حسني مبارك الذي ظل في سدة الحكم 24 عاماً، يرى كثيرون أن التجربة فتحت الباب أمام حراك سياسي، غاب عن حياة المصريين لعقود، على رغم القيود الصارمة التي وضعها التعديل الدستوري على الترشح للانتخابات الرئاسية. وتقدم لخوض الانتخابات الرئاسية عشرات المستقلين الذين لم تسمح لهم الشروط بخوض التجربة، إضافة إلى 30 حزبياً، قبلت اللجنة أوراق عشرة منهم. بيد أن مراقبين يعتقدون بأن السباق ينحصر بين ثلاثة مرشحين هم الرئيس حسني مبارك، ورئيس حزب الغد الدكتور أيمن نور، ورئيس حزب الوفد الدكتور نعمان جمعة. ومنذ انطلاق الحملة الانتخابية، جال المرشحون على محافظات مصر لاستقطاب الناخبين."الحياة"تلقي الضوء على المرشحين العشرة وبرامج أبرزهم. حازت القضايا الداخلية، خصوصاً الاقتصادية منها، اهتمام مرشحي الرئاسة المصرية. وبدت ملفات البطالة وزيادة الأجور ومحاربة الفساد قاسماً مشتركاً بين المرشحين كافة. وجاء الإصلاح السياسي وتغيير القوانين المقيِّدة للحريات في مرتبة تالية، بينما غابت قضايا السياسة الخارجية عن برامج بعض المرشحين وجاءت في ذيل قائمة اهتمامات بعضهم الآخر. وتصدرت القضايا المعيشية أجندة المرشحين، فوعد مرشح"الحزب الوطني الديموقراطي"الحاكم الرئيس مبارك بتوفير 4.5 مليون فرصة عمل وزيادة الأجور والحفاظ على دعم السلع الاستهلاكية خلال ولايته المقبلة. وأشار مرشح حزب"الغد"الدكتور أيمن نور إلى أنه سيصرف إعانة بطالة للعاطلين من العمل نحو 150 جنيهاً 25 دولاراً وتوفير 400 ألف فرصة عمل. وأكد حزب الوفد اعتماد السياسة نفسها من دون أن يحدد قيمة الإعانة، أو عدد الوظائف التي سيوفرها، لكنه طرح فكرة إنشاء مراكز تدريب مهني للقضاء على البطالة. وبرر مرشح الحزب الدكتور نعمان جمعة غياب الأرقام من البرنامج الاقتصادي في ختام مؤتمراته الانتخابية باستئثار الحزب الحاكم بالبيانات المهمة، ما يصعّب مهمة المعارضة. ولفت إلى أن حزبه يعتزم إلغاء الدعم على السلع وتحويله إلى دعم نقدي يصرف شهرياً مع المرتبات. لكن خبراء اقتصاديين شككوا في قدرة المرشحين كافة على توفير الدعم المالي اللازم للوفاء بوعودهم. وأفرزت المشكلة حلولاً طريفة، مثل اقتراح مرشح حزب مصر 2000 الدكتور فوزي غزال الذي قال إنه سيعتمد على الثروة السمكية في حل مشكلات مصر كلها، ومنها البطالة، عبر فتح مدارس لتعليم الصيد. وحدد مرشح حزب التكافل أسامة شلتوت عاماً واحداً مهلة زمنية للقضاء على البطالة. ويعد مرشح حزب الوفاق القومي الدكتور رفعت العجرودي بالقضاء على البطالة والفقر خلال 6 سنوات، من خلال توفير 4.5 مليون فرصة عمل. وفي ما يتعلق بقضايا الإصلاح السياسي، توافق المرشحون جميعاً على إلغاء قانون الطوارئ المعمول به في البلاد منذ اغتيال الرئيس أنور السادات في العام 1981 وإلغاء نظام المدعي الاشتراكي. وقال مبارك إنه سيستبدل الطوارئ بقانون لمكافحة الإرهاب خلال ولايته الخامسة، كما سيسعى إلى تقليص صلاحيات الرئيس والعمل على ضمان الفصل بين السلطات المختلفة ومراجعة قوانين الحبس الاحتياطي. وتعهد جمعة إقامة جمهورية برلمانية يكون منصب الرئيس فيها شرفياً وإلغاء القيود على تأسيس الأحزاب وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس الشورى، بينما وعد نور بإلغاء القوانين السيئة السمعة وتحديد مدة تولي الرئيس بفترتين رئاسيتين فقط. وشدد على أنه في حال نجاحه سيتولى رئاسة البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان، يدعو بعدها لعقد انتخابات جديدة يختار فيها الشعب مَنْ يشاء. أما الموقف من الدستور، فكان أكثر القضايا الخلافية بين المرشحين. إذ لا يرى مبارك حاجة إلى صوغ دستور جديد للبلاد، لكنه يعتقد بأن بعض مواده في حاجة إلى تعديل، فيما دعا الوفد إلى"انتخاب جمعية تأسيسية تتولى عملية صوغ دستور جديد يلائم التطورات في حياة المصريين"، وكذلك كان موقف نور. وارتفعت حدة السجال بين المرشحين في شأن نسبة النصف المخصصة للعمال والفلاحين من مقاعد مجلس الشعب. وقال مبارك إنه يتصدى لمساعٍ كثيرة لإلغاء هذه النسبة"لكن هذا لن يحدث ما دمت على قيد الحياة". أما جمعة فدعا لإلغائها، لكنه قال إنه لا يمانع في تمثيل العمال والفلاحين في المجلس بنسبة تتجاوز 80 في المئة"شرط أن يكون تمثيلهم حقيقياً". واستحدث عدد من المرشحين وزارات جديدة في برنامجهم، بينما ألغى بعضهم الآخر وزارات قائمة. وقال نور إنه سيلغي ثلاث وزارات هي: العدل والأوقاف والإعلام، بينما قال مرشح حزب مصر العربي الاشتراكي وحيد الأقصري إنه سيستحدث وزارة للوحدة العربية. ووعد رئيس حزب الأمة بوزارة لمحو الأمية. وفي حين تصدرت القضايا الداخلية برامج المرشحين، تراجعت قضايا السياسة الخارجية إلى ذيل أجندة بعضهم، وغابت عن أطروحات البعض الآخر، وإن أشار جميعهم إلى القضية الفلسطينية وضرورة دعمها. وشدد مبارك على أنه سيعمل من أجل علاقات خارجية تحافظ على استقلال مصر ومكاسبها. ولفت الوفد إلى ضرورة التركيز على العمق الأفريقي لمصر، إلى جانب علاقاتها العربية. ونادى مرشح الحزب الاتحادي ابراهيم ترك بعدم الاعتداد بقرار إنهاء الوحدة بين مصر والسودان، والعمل على إعادة وحدة وادي النيل. طرح المرشحون أفكاراً كثيرة في برامجهم، بيد أن البرامج لن تكون هي العامل الحاسم في الانتخابات الرئاسية المصرية. فربما لم يقرأها سوى بضعة مئات من المصريين الذين لا يلقون بالاً للسياسة من الأساس.