كان صالون الطيران الروسي"ماكس"، الذي اقفل ابوابه اخيراً في ضواحي موسكو، شبيهاً بنظيره الفرنسي الشهير"لوبورجيه"، من حيث كثرة الزوار والعارضين، وحتى على مستوى النوعية، باستثناء عدد الصفقات المعقودة لبيع الطائرات وشرائها. لكن المعرض كان مناسبة شكلت المفاجأة، وهي مشاركة مجموعات اجنبية في الصناعة الجوية المحلية. والمعروف ان صناعة الطيران الروسية موزعة على نحو عشر شركات، اهمها سوخوي وإيركوت، تعمل الدولة حالياً على وقف شرذمتها وجمعها في شركة واحدة، تسهل لاحقاً التعامل مع الشركات الأجنبية المساهمة في هذه الصناعة. وفي هذا المجال وقعت آلينيا، وهي شركة من ضمن فنميكانيكا، المجموعة الإيطالية المتخصصة في الدفاع والطيران، اتفاقاً مع سوخوي المملوكة للقطاع العام للمشاركة في مشروع الطائرة الإقليمية"راشيان ريجيونال جت"، وتملك 25 في المئة على الأقل من شركة سوخوي للطيران المدني. وكانت"أي ايه دي اس"الفرنسية-الألمانية، المصنعة لطائرات ايرباص، اعلنت قبل ذلك بقليل شراء 10 في المئة من الشركة الخاصة ايركوت. وتشارك هذه المؤسسة، التي تصنع طائرات سوخوي 30، لاحقاً في مشروع تطوير الطائرة الطويلة المدى A350من ايرباص. والتعاون بين العملاقين ليس جديداً. فقد قامت الشركة الروسية بتأمين قطع ضرورية لصناعة ايرباص A320 . كما ان ل"أي آي دي اس"في روسيا مركز هندسة يعمل فيه 120 مهندساً روسياً، ويوقع عقوداً مع شركات محلية بحدود 80 مليون دولار سنوياً. ولمنافسها الأميركي بوينغ ايضاً وجود قوي هناك، حيث يدير مركزاً يعمل فيه اكثر من 1000 مهندس. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تراجعت صناعة الطائرات المدنية بشكل كبير، وتضاعف الطلب، فاضطر الروس الى الاستعانة بالصناعة الأجنبية، خصوصاً ان آخر طرازات الطيران المدني التي ما زالت في الخدمة ، قل عددها واصبحت دون المستوى المطلوب، خصوصاً عند مقارنتها بايرباص وبوينغ. والمعروف ان الشركات الروسية تجد صعوبة في الحصول على طائرات جديدة. ذلك ان القانون يفرض 40 في المئة ضريبة على شراء الطائرات من الخارج بحجة حماية الصناعة الوطنية. يعتقد الخبراء ان حاجة شركات الطيران الروسية ستكون اكثر من 600 طائرة في السنوات العشرين المقبلة، وضعف هذا العدد اذا اضيفت بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق. من هنا كان اعتماد سوخوي، مصنع الطائرات الحربية، الذي يفكر برفع نسبة انتاجه من الطائرات المدنية من 5 الى 35 في المئة، على مشروع الطائرة الإقليمية"آر آر جي"، الذي يعتبر اليوم في روسيا الأمل الوحيد لإبقاء هذه الصناعة على قيد الحياة. من هنا كانت ضرورة الإستعانة بالصناعيين الأجانب، لأنه، وعلى رغم وجود الخبرات التقنية، فهناك نقص فاضح في التقنيات الجديدة، التي يؤمنها الأميركي بوينغ بالنسبة للطائرة الجديدة، مع الفرنسي سنيكما والروسي"ان بي او ساتورن"لصناعة المحركات، وتاليس الفرنسي ايضاً في ما يتعلق بالتجهيزات الإلكترونية. في موازاة الاستعانة بالخبرات الأجنبية، بدأت الصناعة الروسية عملية اعادة تنظيم في المجالات المختلفة، وخصوصاً في مجالي الطيران الحربي والمدني، عصب الصناعات الروسية الثقيلة، الذي باعتراف المسؤولين فيها، لن يمكنها الاستغناء عنها مهما كبرت الصعوبات، وحتى لو اضطرت الى الاستعانة بالغرب، وهو امر كان مجرد التفكير به سابقاً في مستوى الخيانة.