أولاً - خلفية عامة ولد مشروع الشراكة الأوربية المتوسطية EMPS مع إعلان برشلونة في 28 تشرين الثاني نوفمبر 1995، وتتلخص أهدافه بما يلي: - إقامة منطقة سلام واستقرار أورومتوسطية على أسس مبدئية تتضمن احترام الديموقراطية وحقوق الإنسان. - تعميم الازدهار عبر البناء التدريجي لمنطقة التجارة الحرة الأوروبية المتوسطية، والتي ستترافق مع مساعدات مالية سخية يقدمها الاتحاد لدعم التحول الاقتصادي لدى الشركاء ولمواجهة العواقب الاقتصادية والاجتماعية الناتجة من عملية الإصلاح. - تطوير الموارد البشرية وتعزيز التفاهم بين الثقافات والتقارب بين الشعوب في منطقة أوروبا والمتوسط، إضافة إلى تطوير المجتمعات المدنية. ولمشروع الشراكة مساران متكاملان: الأول إقليمي والثاني ثنائي. يتألف المسار الإقليمي من برامج وشبكات ونشاطات في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، بينما يغطي الأخير المجالات السابقة كلها مع التركيز على الجانب الاقتصادي. فهو يشمل التفاهم السياسي والاجتماعي ولكنه يهدف بشكل أساسي إلى بناء مناطق تجارة حرة ثنائية بين الاتحاد الأوروبي من جهة وكل من الدول المتوسطية الشريكة من جهة أخرى. تغطى مناطق التجارة الحرة مع البضائع المصنعة بشكل أساسي وتتضمن تقديم تنازلات متبادلة في مجال البضائع الزراعية. كما ستشمل هذه المناطق التزاماً من جانب الشركاء المتوسطيين بخلق مناخ مؤات للاستثمار، والتزاماً من جانب الاتحاد الأوروبي بزيادة المساعدة المالية والفنية لهؤلاء الشركاء. وفي المقابل سيأخذ المسار الثنائي شكل اتفاقية شراكة تحل محل اتفاقيات التعاون الثنائي التي وقعتها البلدان المتوسطية مع الاتحاد في منتصف السبعينات. ويأمل الاتحاد الأوروبي، مع انطلاق جميع مناطق التجارة الحرة الثنائية، أن يعمل مع الشركاء المتوسطيين لتحرير التبادل التجاري في ما بينهم وإقامة منطقة تجارة حرة أوروبية - متوسطية واحدة كبيرة بحلول العام 2020. وقعت سبع دول عربية متوسطية، دعيت للمشاركة في مشروع EMPS، اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي خلال الفترة 1997-2002. ووقعت تركيا معه اتفاقية الاتحاد الجمركي، وقامت إسرائيل بتجديد اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد والتي تم توقيعها عام 1975. وقد وبدأت سورية والاتحاد الاوروبي التفاوض بخصوص الشراكة في العام 1998 وتم توقيع مسودة الاتفاقية بالأحرف الأولى في 19 تشرين الأول أكتوبر 2004 بعد اثنتي عشر جولة من المفاوضات. وحين يتم توقيع اتفاق الشراكة بشكل نهائي، تكون سورية البلد المتوسطي الأخير الذي يوقع اتفاقية شراكة بين جميع الدول التي دعيت للانضمام إلى مسار الشراكة. ومن المتوقع أن يكون للاتفاقية شكل ومبادئ اتفاقيات الشراكة الأخرى إلا أنه سيكون لها، كحال الاتفاقيات الأخرى، خصوصية تتعلق بسورية. لقد وسع الاتحاد الأوربي في أيار مايو 2004 نطاق عضويته ليضم عشرة أعضاء جدد، ثمانية من دول وسط وغرب أوروبا، ودولتان متوسطيتان هما قبرص ومالطا. وستقبل الدول الأعضاء الجدد بكل اتفاقيات الشراكة، القديمة منها والجديدة. ثانياً - إطار مسودة الاتفاقية يتألف نص الاتفاقية من تسعة فصول تغطي الجوانب السياسية والاجتماعية من جهة، والجوانب الاقتصادية من جهة أخرى. 1 الجوانب السياسية والاجتماعية تقدم الاتفاقية على هذا الصعيد إطاراً يسمح بإجراء حوار ومشاورات سياسية منتظمة حول القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التفاهم المتبادل وتشجيع عملية تبادل وجهات النظر. وتتضمن الاتفاقية على نحو خاص أحكاماً تتعلق بما يلي: أ - احترام المبادئ المحلية لحقوق الإنسان الأساسية القائمة على أساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ب - التعاون لمواجهة تكاثر وانتشار أسلحة الدمار الشامل. 1 تبادل المعلومات والجهود المشتركة في مجال التصدي للإرهاب ومحاربته. وعلى الصعيد الاجتماعي تنص الاتفاقية على التعاون في عدد كبير من الحقول بدءاً من التعليم والثقافة، مروراً بمكافحة الجريمة وغسل الأموال، والمخدرات والإرهاب، وصولاً إلى تعزيز حكم القانون. 2- الجوانب الاقتصادية تتضمن الأحكام الاقتصادية التي حددتها اتفاقية الشراكة التزام سورية بإزالة كل العقبات أمام المستوردات الصناعية والزراعية من الاتحاد الأوروبي خلال 12 عاماً. وبالمقابل، يبقي الاتحاد على دخول الصادرات السورية المصنعة إلى أسواقه معفية من الرسوم الجمركية وكوتا الكميات كما هو الحال منذ عام 1978. كما سيسمح على الفور بدخول بعض السلع الزراعية السورية معفية من الرسوم الجمركية والكوتا، ويحدد كوتا سنوية معفاة من الرسوم الجمركية لبعض السلع الزراعية الأخرى. وسيعتمد التحرير التدريجي للتجارة من جانب سورية على سلم التعرفة الحالي، الذي تم بموجبه تقسيم المنتجات المصنعة إلى ستة مجموعات، والمنتجات الزراعية إلى خمس مجموعات وذلك تبعاً لمقدار الرسم الجمركي الحالي. وسيتم تطبيق تخفيضات مختلفة على مستويات التعرفة المتنوعة ووفق برامج زمنية معينة خلال الإثني عشرة سنة المقبلة. وتغطي الأحكام الاقتصادية أيضاً القضايا المتعلقة بتحرير حركة رأس المال، وتجارة الخدمات، وتنسيق المعايير والمواصفات، ومساعدات الاتحاد الأوروبي لسورية. 3- المحطات الرئيسية يتوقع أن يجري توقيع الاتفاقية خلال العام 2004. وبعد التوقيع ستتم المصادقة عليها من جانب البرلمان السوري وبرلمانات أعضاء الاتحاد، الأمر الذي قد يستغرق ثلاث سنوات. وعلى فرض تم التوقيع عام 2004 واستغرق التصديق ثلاث سنوات، فإن دخول الاتفاقية حيز الفعل سيتم عام 2007 لتشمل حينها: - إلغاء جميع القيود على المستوردات من الاتحاد الأوروبي. - تفكيك التعرفة على السلع الوسيطة والآلات المستوردة من الاتحاد. - تخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات المصنعة المستوردة من الاتحاد بمقدار 50 في المئة باستثناء سيارات نقل الركاب. - ستتمتع سلع زراعية أوروبية محددة بإعفاء من التعرفة والكوتا. - البدء بتخفيض الرسوم الجمركية الأخرى على المنتجات المصنعة والزراعية بناء على جداول يتم الاتفاق عليها. - سيتم تطبيق الكوتا على بعض الفواكه والخضار الآتية من الاتحاد الأوروبي، وكذلك تطبيق رسوم جمركية تفضيلية على بعض المنتجات الزراعية المصنعة. وعلى رغم ما سبق، اتفق الطرفان على دخول الفصل المتعلق بالتبادل التجاري حيز التنفيذ في تاريخ أبكر، وذلك عبر توقيع اتفاقية انتقالية بهذا الخصوص. ثالثاً - أثر الاتفاقية سيكون للاتفاقية أثر سلبي في المدى القريب والمتوسط وأثر إيجابي في المدى البعيد. ويؤمل أن يوازن الأخير الأثر السلبي في المديين القريب والمتوسط. إضافة إلى ذلك، يتطلب تحقيق الأثر الإيجابي على المدى البعيد سياسات وشروطاً محددة كما هو مبين أدناه. 1. تأثير الاتفاقية على المدى القصير والمتوسط. في المدى القريب، سيستفيد المستهلكون من انخفاض أسعار السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي بينما يستفيد المنتجون من الحصول على مستلزمات الإنتاج والآلات المستوردة من الاتحاد الأوروبي بأسعار أخفض. ولكن سيكون هناك ثلاث آثار سلبية تحد من هذه المكتسبات: الأثر المالي والأثر التجاري والتأثير في الصناعة التحويلية. أما أثر الاتفاقية على الزراعة فلم يجر تقويمه لأنه غير وارد في الإطار المرجعي لهذه الدراسة، على اعتبار أنه من غير المتوقع قياساً على اتفاقيات الشراكة الأخرى أن تلتزم سورية في هذه المرحلة برفع القيود عن المستوردات الزراعية من الاتحاد الأوروبي. أ- الأثر المالي يتمثل الأثر المالي في تخفيض العائدات المالية الناتجة أساساً عن الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية والزراعية المستوردة من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن الانخفاض في العائدات المالية سيكون معتدلاً نسبياً في حالة سورية مقارنة ببقية دول الشراكة، بسبب هيمنة القيود الكمية بدلاً من التعرفة الجمركية في نظام التجارة السوري ووجود الإعفاءات الجمركية المتنوعة. ومن ناحية الإنفاق، فإن الأعباء ستتزايد على أموال الحكومة كنتيجة لإنفاق الحكومة على إعادة تأهيل الصناعات وتدريب القوى العاملة وأيضاً بسبب تعويض الصناعات العامة والخاصة التي ستتضرر من عملية الاندماج. ب - الأثر التجاري يتوقع أن تفضي اتفاقية الشراكة المقترحة إلى زيادة مهمة في المستوردات السورية من الاتحاد الأوروبي، مقابل زيادة معتدلة في الصادرات. وستكون زيادة المستوردات جزئياً على حساب المستوردات من بلدان أخرى وجزئياً كنتيجة لإزالة القيود الكمية والتعرفة العالية المفروضة حالياً على السلع الاستهلاكية. ومن المرجح ألا ترتفع الصادرات السورية إلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ. وتضمن الاتفاقية استمرار تدفق المنتجات المصنعة السورية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي كما هو الحال منذ عام 1978، وكذلك دخولاً جديداً إلى أسواق الدول العشر المنضمة حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي. لكن هذه الصادرات ستواجه معوقات العرض والطلب. فمن ناحية الطلب، يبدو أن مستقبل أسواق الاتحاد الأوروبي راهناً وفي حال توسعها سيكون أكثر تنافسية، نظراً لتخفيض الدول الأكثر رعاية للرسوم الجمركية في الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقيات جولة الأوروغواي وتفكيك اتفاقية الخيوط المتعددة MFA المتوقع اكتماله في عام 2005. كما ستواجه الصادرات السورية إلى دول الاتحاد الأوروبي ال15 الحالية منافسة متزايدة من الأعضاء الجدد. إضافة إلى أن المنتجات الزراعية السورية لن تمنح دخولاً مجانياً إلى أسواق الاتحاد في ظل اتفاقية الشراكة. أما من ناحية العرض، فستستمر الصادرات السورية في مواجهة العقبات لسنوات عدة بسبب غياب استراتيجية تصدير حكومية شاملة، وضعف المستوى التكنولوجي للصادرات وتدني مواصفاتها، وضعف معرفة المصدرين السوريين بالأسواق العالمية وبقوانين التجارة الدولية وقواعدها. ج- الأثر على الصناعة التحويلية من غير المتوقع أن يستفيد القطاع الصناعي في سورية كثيراً في المدى القريب من زيادة فرص الدخول إلى أسواق الاتحاد، بل سيواجه منافسة متصاعدة من منتجات دول الاتحاد الحالي والموسع. وسيساعد تخفيض التعرفة الجمركية على المدخلات الوسيطة في البداية، لكن المنافسة المتزايدة ستؤثر في كامل الصناعة السورية، التي كانت محمية بشدة لسنوات ولم تخضع لأية عملية إعادة هيكلة رئيسة. وستخرج بعض الصناعات نهائياً من الساحة في حين أن بعضها الآخر سيخضع لتعديلات بنيوية جذرية. وفي كلتا الحالتين، هناك عمل ورأسمال سيدفعان تكاليف هذه التعديلات حيث على العمل والرأسمال أن يعيدا توزعهما، وسيتعرضان لتخفيض الحماية وتزايد البطالة. إن الصناعات التي ستتأثر أكثر من غيرها هي الصناعات الأكثر حماية الثياب، المفروشات، السيراميك والصناعات الغذائية، والصناعات الأقل تصديراً وصناعات القطاع العام عموماً. وفي الوقت ذاته، ستنفتح فرص عمل جديدة نتيجة الاتفاقية، مما يعدل جزءاً من الأثر السلبي على الشركات القائمة. من جهة أخرى ستساهم المساعدة الأوروبية في تخفيف الأثر المذكور. 2- التأثير على المدى الطويل على خلاف الخسائر المتوقعة على المديين القصير والمتوسط، سيكون هناك فوائد على المدى الطويل، وهي لا تتعلق بتخفيض التعرفة إزالة القيود التعرفية واللا تعرفية على التجارة بل بزيادة تدفق الاستثمار والأرباح الدينامية التي تأخذ شكل تعزيز الإصلاحات، وتنسيق المواصفات والمقاييس وغيرها، والتحسن على صعيد فعالية الصناعة وزيادة المساعدات الأوروبية لسورية. أ- زيادة تدفق الاستثمار تتمثل الفائدة الاقتصادية الرئيسة المتوقعة من اتفاقية الشراكة في زيادة تدفق الاستثمارات الخارجية وانتقال التكنولوجيا المرافق لها، ولا سيما توافر فرص التشارك الإنتاجي مع الخارج التصنيع لمصلحة الغير ويمكن لترتيبات التشارك الإنتاجي أن تقوم في المنتجات المصنعة نسيج، جلديات، أثاث وكذلك في الخدمات الخدمات المساندة مثل الحسابات، التدقيق، تطوير البرمجيات. وتسمح مثل هذه الترتيبات الخارجية بالاستفادة من أفضل التجارب في الاقتصاد العالمي، إضافةً إلى تعزيز المعرفة والمهارات لدى الشركات والعمال، وربط سورية بسلاسل العرض العالمية International Supply Chain لكن التدفق الرأسمالي الخارجي إلى سورية ما زال يواجه عوائق مثل: أ قصور المناخ الاستثماري ب عدم الاستقرار السياسي المحيط بسورية ت التحيز الموجود في البنية الثنائية لاتفاقيات الشراكة، والذي يقود إلى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى دول الاتحاد الأوروبي أكثر من الدول المنفردة في جنوب وشرق المتوسط. ب المكاسب الديناميكية تتمثل المكاسب الديناميكية في: - تعزيز Locking-in الإصلاحات: يمكن للاتفاق أن يشكل أداة لاستمرارية الإصلاحات، ويحقق التوقعات ويعزز مصداقية الإصلاح. ويمكنه تغيير انطباعات المستثمرين عن المناخ الاستثماري السوري. - تحقيق التناسق في معايير ومواصفات جودة المنتج التي تعطي المنتجات مزيداً من الإمكانات التسويقية في دول الاتحاد الأوروبي. وهذا يؤدي إلى تكلفة أقل وعائدات أعلى للمصدرين. - تحقيق التناسق مع الأنظمة التشريعية والمتطلبات الإدارية الموجودة في الاتحاد الأوروبي إجراءات الاختبار والتصديق، التوثيق المطلوب من قبل السلطات الجمركية .. إلخ. - تحسين الاتصالات والنقل، مما يزيد من كفاءة التجارة. - تطبيق حقوق الملكية الفكرية والتجارية. يمكن ترجمة ما تقدم إلى مكاسب في مجال القدرة التنافسية، وزيادة الصادرات وتدفق الاستثمارات الخارجية. ومع ذلك، لا بد من التأكيد على أن تحقيق هذه المكاسب الدينامية يحتاج إلى الوقت لإرساء عواملها وإظهار نتائجها. ج زيادة فعالية الصناعة على رغم الخسارة المتوقعة على المدى القصير فإن القطاع الصناعي يمكن أن يشهد نشوء صناعات، وقيام اتفاقات إنتاج مشترك، وزيادة ملحوظة في الفعالية على المدى البعيد نتيجة الانفتاح التجاري ونقل التكنولوجيا. د زيادة المساعدات إلى سورية تنص الاتفاقية على التزام الاتحاد الأوروبي بمساعدة سورية في جهودها الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وسيركز التعاون بين الطرفين على القطاعات التي تتأثر سلباً بالتحرير، وعلى تشجيع الإصلاح في الميادين كافة. كما سيشمل التعليم المهني، والتعاون العلمي والتكنولوجي في الصناعة وغيرها من الحقول. رابعاً: تأثير توسيع الاتحاد الأوروبي يفتح توسيع الاتحاد الأوروبي أسواقاً جديدة حرة بالنسبة للمنتجات السورية. لكن منتجات أعضاء الاتحاد الجدد ستدخل أيضاً إلى أسواق سورية معفاة من الرسوم محدثةً بذلك ضغطاً تنافسياً جديداً على الصناعة المحلية. وفي الوقت ذاته، ستتنافس سورية وبقية الشركاء المتوسطيين من جهة والدول"المنضمة"من جهة أخرى على أسواق الاتحاد الأوروبي واستثماراته المباشرة. ومن المحتمل أن يسبب التوسيع انقلاباً في موازين هذه المنافسة لمصلحة أعضاء الاتحاد الجدد، بسبب التزامهم بإصلاحات السوق، وتوفر البنية التحتية القوية، والمستوى المتقدم في التصنيع والتعليم، والعمالة الماهرة والرخيصة. إن تجارة الاتحاد الأوروبي وتدفق استثماراته تشهد، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989 تحولاً متزايداً من دول الشراكة المتوسطية نحو دول شرق ووسط أوروبا. خامساً: التقييم النهائي كما هو الحال في دول الشراكة المتوسطية الأخرى، سيسبب اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي بعض الخسائر المحققة الموقتة للاقتصاد السوري على المدى القصير والمتوسط، وسيحقق فوائد على المدى البعيد. إلا أن الأرباح المحتملة أقل والتكاليف المتوقعة أكبر بالنسبة لسورية وذلك للأسباب الآتية: أولاً: ستنضم سورية إلى مشروع اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية قبل قيامها بإصلاحات هيكلية ومؤسساتية لاقتصادها. بينما بدأت كل دول الشراكة المتوسطية الأخرى بتنفيذ هكذا إصلاحات قبل انضمامها إلى مسار الشراكة. وفي حالة سورية، سيرتبط الاتحاد الأوروبي باقتصاد لم يلتزم بقوانين اقتصاد السوق حتى الآن ويعاني من عوائق جدية تتعلق بالعرض في القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد ومن وقيود مؤسساتية كبيرة. ثانياً: سورية دولة"مواجهة"ولا تزال تعاني من مشكلات أمنية في جوارها. ولا تزال ملزمة بتخصيص جزء مهم من مواردها لأغراض الدفاع في الوقت الذي يتوجب عليها القيام بتعديلات جدية في اقتصادها. كما أن هذا الوضع غير الآمن سيعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية. ثالثاً: وهناك أيضاً مشكلة أخرى هي أن التأثيرات السلبية القصيرة والمتوسطة المدى لاتفاقية الشراكة ستبدأ بالظهور بالتزامن مع بدء مواجهة سورية لمشكلة التراجع الكبير في احتياطياتها النفطية، الأمر الذي سيؤدي إلى تدني إنتاج النفط وبالتالي انخفاض حاد في عائدات التصدير وعائدات الخزينة. سادساًُ: متطلبات تحقيق الفوائد من الاتفاقية لكي تستطيع سورية تقليص الكلف على المدى القصير وزيادة المنافع على المدى الطويل، عليها أن تحقق أربعة عوامل هي: 1- إصلاح عميق للاقتصاد الوطني يحتاج الاقتصاد السوري إلى إصلاح شامل للتغلب على مصاعبه الهيكلية، وانغلاقه، وهشاشته تجاه الصدمات الخارجية، وذلك بغض النظر عن اتفاقية الشراكة. ولكن التحديات والفرص التي تثيرها الاتفاقية المذكورة تزيد من ملحاحية هذه الإصلاحات. وينبغي على سورية أن تتحرك بقوة نحو إجراء إصلاحات هيكلية وتغيير مؤسساتي من شأنه أن يزيد القدرة التنافسية لاقتصادها ويجذب المستثمرين من الخارج. ومن الضروري تبني حزمة واسعة من الإصلاحات التي تؤدي إلى خلق مناخ مؤات يشجع القطاع الخاص ويعزز الكفاءة والمنافسة في مناخ مفتوح، وإيجاد بنية مؤسساتية واضحة وتطوير السمة العامة للصناعة من القاعدة المتدنية التكنولوجيا إلى قاعدة ذات تكنولوجيا متوسطة على الأقل. ولا يمكن تحقيق هذا البحر من التغييرات من خلال منهجية الخطوة خطوة التي جربت في السابق، بل من خلال برنامج إصلاحي عريض يتم وفق برنامج زمني دقيق، من شأنه معالجة نقاط الضعف الحالية في الاقتصاد، ومن بين الإصلاحات المطلوبة، كسر حالة الجمود في إنتاج جميع القطاعات، وتطوير القطاع الخاص، وإصلاح النظامين المالي والتعليمي. يتعين على سورية أن تأخذ زمام المبادرة بيديها وتقرر استراتيجيتها التنموية، واختيار طرق التكيف مع المشاكل الهيكلية والعقبات المؤسساتية، وكذلك التكيف مع التحديات والفرص التي تفترضها اتفاقية الشراكة، وإلا فإنها ستقع في فخ تبني برنامج إصلاحي تنموي ليس من إنتاجها ولا يستجيب لمتطلباتها. 2 التغلب على القيود المؤسساتية تؤدي القيود المؤسساتية، والفساد، وسوء الإدارة، وغياب المحاسبة، وضعف حكم القانون، وعشوائية الضرائب، والأطر التشريعية المعقدة والغامضة، إلى تأثيرات سلبية جداً في أداء الاقتصاد المحلي وعلى تدفق الاستثمارات الخارجية. وهذا ما يؤكد ضرورة الإصلاح المؤسساتي الواسع النطاق لزيادة فعالية الخدمات الحكومية والأهلية وكفاءة النظام القانوني وكذلك فعالية أسواق المواد والمنتجات. ومن الضروري أيضاً تعزيز الشفافية وانسجام الأطر التشريعية، وبناء الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص. إن جميع العناصر هذه تزيد من الإنتاجية وتخفض من تكاليف النشاط التجاري والأوضاع الغامضة. 3- تعزيز التكامل بين دول الجنوب المتوسطي إن التكامل بين دول الجنوب المتوسطي في سياق كل من"مبادرة أغادير"و"منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"، هو عنصر رئيسي في نجاح دول الشراكة المتوسطية في تحقيق كامل الفوائد من اتفاقية الشراكة. كما أن الاندماج بين دول الجنوب المتوسطي حاجة لاحتواء التأثيرات الضارة الناتجة من اتفاقية الشراكة مثل عامل"المركز والأطراف"الذي يعمل لمصلحة توطين الاستثمارات الجديدة في الاتحاد الأوروبي. كذلك فإن سوق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تساعد على حركة الاستثمارات الخاصة ضمن المنطقة من الدول الغنية بالرساميل إلى الدول الفقيرة بها إضافة إلى جذب الرأسمال من خارج المنطقة. إن العالم العربي، ودول الخليج خصوصاً، يشكل المنفذ الأكثر أهمية بالنسبة للصادرات السورية الزراعية والصناعية الذي يمكّن سورية من معادلة الزيادة الحادة المتوقعة في مستورداتها من الاتحاد الأوروبي. والواقع إن حاجة سورية إلى التكامل ضمن"منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"أشد إلحاحاً على سبيل المثال من دول المغرب العربي، التي يوفر لها عامل القرب من الاتحاد الأوروبي القدرة على أن تشكل تجارتها معه أكثر من 60 في المئة من مجمل تجارتها غير النفطية، بينما يتجه القسم الأكبر من صادرات سورية غير النفطية إلى الدول العربية، وليس إلى الاتحاد الأوروبي. وعليه، فإن"منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"مهمة للغاية بالنسبة لسورية. وهي مهمة كذلك لأنها تضم الدول العربية النفطية التي تشكل مصدراً مهماً لرأس المال الخاص الباحث عن الفرص الاستثمارية. وفي نهاية المطاف، يجب على سورية أن تبني موقعها الخاص ضمن إطارها الإقليمي المباشر، وذلك بالاعتماد على إمكاناتها الزراعية وميزة أجورها الرخيصة، وعليها أن تحاول تلبية حصة كبيرة من طلب المنطقة على الأغذية والصناعات الغذائية والنسيجية وأن تسعى لجذب الاستثمار المباشر من المنطقة كما من خارجها. وعلى رغم أن أياً من إطاري التكامل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والشراكة الأورومتوسطية لن يستطيع بمفرده مساعدة سورية على الاندماج في الاقتصاد العالمي، فإن اجتماعهما معاً سيساعد على تحقيق هذا الهدف، عبر إيجاد الأسواق التصديرية، وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية وبناء الروابط مع سلاسل العرض العالمية ومكامن التكنولوجيا في العالم. 4- التزام أعمق من الاتحاد الأوروبي بتعزيز التقارب لا يهدف مشروع الشراكة الأورومتوسطية إلى إرساء التقارب بين الشمال والجنوب، في حين يقود توسيع الاتحاد الأوروبي من 15 إلى 25 دولة في نهاية المطاف إلى تقارب بين الاتحاد الأوروبي الحالي والدول المنضمة إليه. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تهميش دول المتوسط الجنوبي ويجازف بتحول علاقتها مع الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل، لتصبح علاقة تبعية أكثر منها علاقة شراكة. ولتجنب هذه المخاطر، ينبغي على الاتحاد الأوروبي ودول المتوسط الجنوبي العمل معاً لإكمال تأثير قوى السوق عبر التدخل المباشر لتحقيق التقارب. ولكن يجب أن يترافق التزام الاتحاد الأوروبي بالتقارب مع التزام دول جنوب المتوسط بالإصلاح الاقتصادي والهيكلي الشامل. وقد أطلق الاتحاد الأوروبي، بعد إدراكه لهذه المخاوف،"سياسة الجوار"Neighborhood Policy في أوائل عام 2003. وتتطلب هذه السياسة بالنسبة لبلدان الجنوب تعميق العلاقات على المدى المتوسط والطويل مع دول الشمال. وهذا يتطلب تعميق التكامل الاقتصادي، وتكثيف العلاقات الثقافية والسياسية، وتعزيز التعاون عبر الحدود وتقاسم المسؤوليات تجاه درء النزاعات في ما بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه. والمطلوب من البلدان الراغبة في الاستفادة من"سياسة الجوار"أن توقع على"خطة عمل"سيجري تطويرها وتنفيذها على ثلاث مراحل: الأولى، إجراء حوار ضمن الإطار الحالي اتفاقية الشراكة أو اتفاق التعاون بالترافق مع تحليل أداء وعيوب الاتفاقيات القائمة. حيث تقوم المفوضية والدول الأعضاء بإصدار وثيقة للموافقة عليها من قبل كل دولة، تحدد الأهداف المشتركة والأهداف المرتقبة والجدول الزمني اللازم لتحقيقها. وتتم مراجعة التقدم في تنفيذ الخطة سنوياً بصفتها جزءاً متكاملاً مع إطار الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدولة المتوسطية الجنوبية، ومن ثم يحدد التمويل اللاحق والمساعدات الأخرى لبلدان الشركاء على أساس التقدم في تحقيق الأهداف التي اتفق عليها بين الاتحاد والدولة الشريكة. سابعاً: ملاحظة ختامية إن اتفاقية الشراكة تقدم في التحليل الأخير فرصة لسورية كي تسير باتجاه الاندماج في الاقتصاد العالمي. ويمكن للاتفاقية أن تلعب دور الرافعة في تسريع الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية الضرورية في مجال اقتصاد السوق. لكن المهمة ضخمة، والمخاطر السياسية والاجتماعية كبيرة. وسورية هي التي ستحدد وتختار الوتيرة المناسبة ومزيج السياسات الملائم الذي من شأنه تعظيم فوائد اتفاقية الشراكة والإصلاح الذي تقتضيه وتقليل مخاطرها. الملخص التنفيذي لدراسة جرى تمويلها من قبل مركز الأعمال السوري الأوروبيSEBC في دمشق وكلف بإعدادها اقتصادي سوري رئيس الفريق واقتصادي أوروبي.