شهدت الخرطوم يوماً ثانياً من المواجهات، أمس، أوقعت عشرات القتلى والجرحى. وبعد يوم من أعمال الشغب التي قام بها نازحون جنوبيون احتجاجاً على مقتل زعيمهم نائب الرئيس الدكتور جون قرنق في حادث طائرة، قام الشماليون بما يمكن وصفه ب"ردة فعل على ردة فعل"وهاجموا مناطق الجنوبيين في ضواحي العاصمة وأعلن بعض أئمة المساجد"الجهاد"ضد الجنوبيين. وتزامن ذلك مع اختيار"الحركة الشعبية لتحرير السودان"نائب زعيمها الراحل قرنق القائد العسكري سالفا كير ميارديت نائباً أول للرئيس السوداني ورئيساً للحركة، فيما تقرر دفن قرنق في مدينة جوبا، عاصمة الجنوب، بعد الطوفان بالجثمان في عدد من المدن الجنوبية. واجمعت القوى السياسية السودانية على ان قرنق رحل رجلاً قومياً، في وقت طالب معارضون بلجنة تحقيق دولية في ملابسات مقتل الزعيم الجنوبي الذي توفي في طائرة مروحية تابعة للرئاسة الأوغندية كانت تقله من كامبالا الى جنوب السودان مساء السبت - الأحد. واقامت"الحركة الشعبية"، أمس، سرادق للعزاء في زعيمها الراحل في الخرطوم. وتحول العزاء الى مهرجان للتباري في الحديث عن مآثر الراحل. ووصفه الزعيم الاسلامي الدكتور حسن الترابي الذي جاء الى العزاء أول من أمس ب"انه الرجل الذي اجمعت حوله القوى السياسية والسودانيون للمرة الأولى في تاريخ السودان"، معتبراً ان رحيله"سيؤثر كثيراً على القضايا التي طرحها واتفق معه السودانيون حولها". وقال ممثل الحزب الشيوعي السيد سليمان حامد"ان رحيل قرنق خسارة لكل السياسة السودانية". إلا ان القيادي الشيوعي نبه"الحركة الشعبية"الى ضرورة الاسراع في نقل النائب الأول سالفا كير الى الخرطوم للشروع في مهماته وتوكيل لجنة دولية للتحقيق في مقتل قرنق". وشاركت الرأي ذاته ممثلة"مؤتمر البجا"الدكتورة آمنة ضرار التي وصفت قرنق بممثل"المهمشين في كل السودان". وشارك في العزاء قيادات من"المؤتمر الوطني"الحاكم و"جبهة الانقاذ"الجنوبية و"التجمع الوطني"وحزب"الأمة"والحزب"الاتحادي الديموقراطي"و"البعث السوداني"و"قوات التحالف السودانية"و"التحالف الوطني"وممثلون للطرق الصوفية والجماعات الاسلامية والكنائس. ودعا ا ف ب، رويترز الزعيم الجديد ل"الحركة الشعبية"سالفا كير أمس الجنوبيين الى"الحفاظ على الهدوء والسكينة"بعد مقتل قرنق. وقال:"لا يمكن ان يكون هناك تطور من دون سلام". وكان كير يتحدث في نيوسايت حيث يوجد احد المقرات الرئيسي ة للحركة في جنوب السودان خلال أول مقابلة له مع الاعلام العالمي منذ تعيينه رئيساً للحركة مساء الاثنين خلفاً لقرنق. واستقبل كير في نيو سايت وفداً من الحكومة السودانية قدم لتقديم التعازي بقرنق. وقال الوزير السوداني للعلاقات الاتحادية السيد نافع علي نافع بعد اللقاء:"لا شيء أهم من التوصل الى السلام، فهذا هو السبيل الوحيد لتكريم الدكتور قرنق". واضاف نافع الذي يتولى ايضاً منصب الامين العام للمؤتمر الوطني الحاكم:"نحن هنا لنقول اننا مستعدون للعمل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ومع قائدها الجديد". ولدى وصوله صباح أمس الى نيو سايت، قدّم الوفد الحكومي تعازيه الى ريبيكا ارملة قرنق التي قادت عشرات من ذويه المكلومين في انشاد ترانيم والصلاة امام نعش الراحل الذي نُقل الى نيو سايت بعد انتشال جثته من حطام طائرته في منطقة جبلية نائية قرب الحدود الاوغندية. وقال جبرائيل تشول، وهو من اقارب قرنق، ان الزعيم الجنوبي الراحل"هو النور الذي يضيء حياتنا. سأفتقده الى الأبد". وتابع:""كان رجلاً صالحاً. حقق لنا الكرامة ومنح السود الكرامة". وهمهم قس صلوات تجمع بين لغة قرنق الأصلية الدينكا والانكليزية، داعياً ان يضمن سالفا كير تنفيذ اتفاق السلام مع الخرطوم. واستمعت أرملة قرنق الى الصلوات وهي تضع يدها على نعشه الخشبي الموضوع على سرير متواضع في حجرة خاوية، بينما تصاعدت رائحة البخور المعطر لتخفي رائحة الجثمان الذي قال بعض الشهود انه تحول الى اشلاء. وفي صوت رصين وبّخت ريبيكا ذويه الذين انخرطوا في البكاء قائلة:"لقد رحل وينبغي ان تقبلوا ذلك". وتذكرت أيام زواجها الأولى من العقيد المتمرد وسنوات الفراق الطويلة. وقالت وهي تقف بين ثلاثه من ابنائها الستة:"حين بدأت الحركة بكيت لمدة ثلاثة اعوام ثم اعدت التفكير واصبحت رؤيته للمستقبل حياتي". وضمت ريبيكا صوتها الى الاصوات المطالبة بالهدوء وقالت ل"رويترز"في نيو سايت"كان هذا يومه. أقبل بقضاء الله الذي استرده. من مات هو زوجي فقط اما رؤيته فما زالت باقية". وسيوارى قرنق الثرى السبت في مدينة جوبا التي اختارها لتكون عاصمة الجنوب. وسينقل جثمانه الجمعة الى مدن عدة في الجنوب مثل رومبك وبور التي شهدت انطلاق كفاحه المسلح عام 1983 والى يي حيث كان المقر العام ل "الجيش الشعبي لتحرير السودان". وكانت حكومة الخرطوم أعلنت أول من أمس حظر التجول في العاصمة بعد يوم من اعمال الشغب التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى إثر نزول نازحين جنوبيين الى الشوارع واعتدائهم على المواطنين الشماليين، احتجاجاً منهم على مقتل قرنق على رغم التأكيدات ان طائرته تعرضت لحادث ولم يكن عملية اغتيال.