أليس لافتاً ومثيراً للتأمل كيف أن يوماً واحداً في حياة مدينة يحوّله حدث فاجع مفاجئ الى تاريخ/ مَعلَم للتحولات؟ وكيف ينقش الزمن ذلك اليوم، بل يطبعه في الضمير الجمعي والذاكرة الوطنية؟ "ناين ايليفين" يقول الأميركيون وتتداعى في بصائرهم صور الكارثة التي لا يبدو أن الأمة الأميركية استطاعت تجاوزها، أو حتى استيعاب مجمل أبعادها، لئلا نقول انها لم تنهي حدادها بعد على الضحايا. ولعل التعبير الفني على اختلاف تجلياته، خصوصاً الأدبية، آخذ في ترسيم الحدود بين ما قبل وما بعد "9/11" فلا تخلو مسرحية أو شريط سينمائي أو قصة من مؤثرات مباشرة أو غير مباشرة لذلك اليوم الرهيب. ولدى مطالعة "أيام نموذجية" لمايكل كانينغهام الذي حاز جائزة بوليتزر عام 1999 عن "الساعات" يتبدّى للقارئ مدى الاضطراب الذي أصاب الكاتب الذي استطاع في "الساعات" ان يرسم ببراعة قلّ نظيرها عالم الجنون والانتحار انطلاقاً من شخصية فيرجينيا وولف وكانت الممثلة الاسترالية نيكول كيدمن قامت بالدور السينمائي المستوحى من هذه الرواية في براعة اكسبتها الاوسكار. لكن فيما تسود سيطرة الكاتب على اشكالية التخييل والتسجيل في "الساعات" نرى شخصيات الأقسام الثلاثة من "أيام نموذجية" تموج في فضاء خارج الجاذبية، ممسوكة بحلقة واحدة هي استعارات متوالية من "شفرات العشب" لوولت ويتمن. صحيح ان همّ البقاء بعد الموت قاسم مشترك بين ويتمن وكانينغهام، بقدر ما هي مدينة نيويورك فضاؤهما وملعب خيالهما، الاّ ان الحبكة الروائية في "أيام نموذجية" تنوء، سيكولوجياً وأدبياً، تحت ثقل "11/9" فيلجأ كانينغهام في الجزء الثاني من الرواية الى الأسلوب البوليسي المحتشد بتشويق مفتعل، بعدما كان في الجزء الأول يكتب فانتازيا تاريخية من العصر الغوطي. وفي الجزء الثالث تراه يستسلم للضغط الآيل الى الهروب عاجلاً نيويورك سيركاً كبيراً للسيّاح يدفعون فيه لمن يشلّحهم بالقوة! ولا رابط بين الاجزاء الثلاثة سوى اسماء ثلاث من الشخصيات لها حكاياتها وتعيش أقداراً مختلفة. في عمق "أيام نموذجية" حنين كبير الى نيويورك الحاضرة الحاضنة، التفاحة الكبرى، المتلقية بنهم مهاجريها من كل أقطار العالم، تذيبهم في أتونها المستعر وتعيد صهرهم من جديد. نيويورك قبل جسر بروكلين وخلال انشائه وولادة نيويورك الكبرى بضواحيها الخمس، نيويورك جون دوس باسوس المولود عام 1896، أي مع الشهود الأوائل على نشوء وتطور نيويورك الحديثة. طبيعي أن يأتي الحنين الى البدايات في زمن النهايات. وليس مثيراً للدهشة اختيار وولت ويتمن و"شفرات العشب" كنص محرِّك وملقط لخيوط الحبكة، الا ان التراجع الابداعي في "أيام نموذجية" مردّه الى الخضة العنيفة التي خلخلت ثوابت الأميركيين بعد "11/9" حين انسحب بساط الأمان من تحت أقدامهم وادركهم عنف العالم برمته في لحظة واحدة. يردنا نص كانينغهام لجهة الأسلوب الى رواية دوس باسوس النيويوركية بامتياز "مانهاتن ترانسفير" الصادرة عام 1925. ولا بدّ هنا من اشارة الى ان "رواية نيويورك" تختلف في نوعيتها عن أي رواية أخرى تقع أحداثها في المدينة, فحيث تكون المدينة هي البطل، هي "الشخصية" المحورية التي تظلل وتضيء بقية الشخصيات نكون في أحضان رواية نيويورك، وذلك التوصيف ينسحب على عدد من الأعمال الروائية نختار منها أربع روايات أخرى لدوس باسوس، وستيفن ميلهاوسر ودون ديليللو وبول اوستير. مانهاتن ترانفسير "مانهاتن ترانسفير" اسم محطة سكة الحديد على الضفة اليمنى لنهر هدسون، وهي محطة التحويل في خط القطار نحو مانهاتن. اختارها دوس باسوس من باب تسمية الكل باسم الجزء، اذ تعبر في الرواية عبوراً خاطفاً، اما نيويورك دوس باسوس فهي جزيرة ندركها من البحر، وما القطار سوى صوت الهدير الحامل طلائع ايقاعات الجاز ومؤثرات الفنون الأوروبية الوافدة باستمرار. هناك جمهور من الشخصيات في هذه الرواية، بعضها مجرد أخيلة، الا ان الهيكل ينتصب على ثلاث أساسية: بَدْ، في الخامسة والعشرين من عمره، يصل الى نيويورك في ربيع 1904 على متن الباخرة التي تجتاز النهر الكبير، وسرعان ما ندرك انه مجرم فارّ، أتى من كوبرستاون، قرية جيمس فينيمور الذي كتب رومانسيات شهيرة في عصره وكان متأثراً بروسّو والمدرسة الطبيعية. يرتحل بَدْ في قلب نيويورك، تارة عبر المزارع العابقة بالسمّاق وطوراً عبر غابات الحديد والاسمنت التي هبّت على ضفتي النهر هبوب العاصفة. لا ندرك كنهه بمعزل عن محيطه فهو المرتحل، الجوّال، الضائع، كأنه من نسج خيال بودلير، ينقل صورة نيويورك بعينين رحّالتين من زاوية جسر بروكلين الى ان يدركه ذلك الصباح القدري، وفيما يعبر القطار بصنوجه ومطارقه نسمع صوت ارتطام بَدْ بجسد الماء اللامتناهي. بعدئذ تظهر ايلين، الفتاة الصغيرة على ضفة الماء نفسها، تسأل والدها: "أبي، لماذا لسنا أغنياء؟" وتصبح ايلين ممثلة ومنشدة في كورس. تتزوج ثلاث مرّات وتستطيل قصتها، بل تشطح باتجاهات متشعبة الى ان تصبح مشهورة و"حديث المدينة" لكن بقدر ما تجسّد سيرتها صورة المدينة بقدر ما تشعر انها تحوّلت الى دمية آلية تديرها الأيدي المحيطة بها. ترى صورتها في الصحف كل صباح، تشعر انها مركز انتباه الرأي العام، لكن عمقها الشخصي فارغ، بل مجرّد محط أنظار وهمي. الشخصية الثالثة جيمي هرف في الرابعة عشرة من عمره، وافد آخر الى التفاحة الكبرى، مشّاء من الطراز الفضولي، دائم الاندهاش، دقيق الملاحظة، يرى المدينة بعين أوروبية كونه ترعرع على الضفة الأخرى للمحيط، يجول ويكتب ملاحظاته وينتهي به الأمر صحافياً، مقالاته اليومية عن المدينة تظهر كل صباح على الصفحة الأولى وتمرّ عليها ملايين العيون، وفيما يبدو لجيمي ان المدينة تعيش على ايقاع سقوط أكداس الصحف الحاملة توقيعه على أرصفة الفجر تدخل الولاياتالمتحدة عصرها المكارثي، ويبدأ "صيد الحُمر" والاحباط السياسي والفجر الرمادي لحرية التعبير. مرّة أخرى يجد جيمي نفسه على أرصفة الميناء، مرتطم الروح برصيف أوهامه، هاجراً مانهاتن الى تفككها الثقافي المبرمج، يصعد مع أول سائق شاحنة بلا وجهة ولا قرار: "الى أين يا فتى؟". "لست أدري... الى مكان بعيد". بين "أيام نموذجية" و"منهاتن ترانسفير" قرابة قرن، لكنهما روايتان في ثلاثة أقسام، همهما الأعمق الحائط المسدود في نهاية الدرب وهاجس الانتحار، وفي بنيتهما سوسة "التفكك الملتحم" حيث يقوم الأسلوب بدور اللحمة وتلعب المدينة دور البطولة الأولى. "مارتن دريسلر" عام 1996 صدرت "مارتن دريسلر" لستيفن ميلهاوسر وهي رواية استعادية تسترد ورشة البناء الهائلة التي سبقت تشييد نيويورك الحديثة. بطل الرواية، مارتن، يتتبع ذلك النشوء منذ نعومة أظفاره. وهو في العام 1883 بلغ الثانية عشرة من عمره يراقب انتصاب الفنادق الأولى التي شهدت بزوغ الحياة الاجتماعية والسياسية وتحولت الى ملعب لأحلامه. لم يكن مارتن معمارياً أو مقاولاً أو متعهد بناء، لكنه في مخيلته كان كل هؤلاء وأكثر. كان والده تبّاغاً متخصصاً ببيع السيكار. الفندق المقابل لدكان ابيه يعرض عليه عملاً كحمّال، ثم يترقى الى وظيفة مكتبية، ثم يصبح السكرتير الشخصي للمدير، وما زال صعوده مطّرداً. صعوده الوظيفي وتصاعد حرارة أحلامه، اذ يبدأ بتخيّل نفسه بنّاء فنادق واضعاً أدق التفاصيل لها بما فيها الدهاليز السرّية والقاعات الضخمة، ثم يحلم بإقامة الحفلات وما يدري في كواليسها حتى ليختلط، بل يتساوى، الحلم والواقع. واذا كان ماركيز أدخل "الواقعية السحرية" الى الأدب العالمي فان "الواقعية المسحورة" التي جاءت وليدة اللقاح الجرماني ? الأميركي ولدت مع رواية "مارتن دريسلر" وبقيت أبوابها مفتوحة من دون أن تتحوّل الى نوع مؤطر. نصدّق أو لا نصدّق ان مارتن التقى في فندق بيللينغهام أسرة فرمون: الأم المضطربة الدافقة قلقاً، وابنتاها إملين، السمراء الذكية المتوقدة التي تشارك مارتن أحلامه، وكارولين الشقراء الناعسة المصابة بأرق دائم. يحار مارتن بين الشقيقتين المتناقضتين وتذهب به البلبلة العاطفية الى اختيار الشقراء مع ما سيترتب على ذلك من فشل محتم. مرّة أخرى يستحيل الفصل بين المحلوم والمحتوم في الوقائع المروية، الا ان التلاشي البطيء الذي يصيب شخصية مارتن في النهاية يقودنا الى السؤال عن سبب تلك السوداوية المموهة التي تربط معظم روايات نيويورك حيث لا بدّ للراوي أو البطل في النهاية من الخفوت حتى الزوال مبتلعاً من المدينة التي كانت، حتى سطور قليلة، عالمه الصاخب الكبير. "العالم التحتي" في 827 صفحة من النثر الخارق يفكك دون ديليللو بنية نيويورك التحتية، هندسياً وانسانياً وتاريخياً وصولاً الى جعل القمامة بطل الحكاية بامتياز. كلارا ساكس ليست هي البطلة بل واحدة من عشرات الشخصيات في "العالم التحتي" فنانة تشكيلية عناصر ابداعها القمامة، وقمة انجازاتها مدفع ب 52 طويل المدى من خردة الحرب العالمية الأولى مطلي بألوان قزحية ومزروع في باحة معسكر للاختبارات الحربية في نيو مكسيكو. ويمكن القول أيضاً ان الرواية بحد ذاتها صرح لفترة الحرب الباردة، بل موسوعة تبدأ من أولى التجارب النووية السوفياتية وتنتهي مع سقوط الستار الحديد. تبدأ الحكاية انطلاقاً من مباراة بيسبول شهيرة عام 1951 عندما يلتقط فتى من هارلم الكرة الرابحة ويحاول استثمار قيمتها المعنوية مادياً، لكن قيمة الكرة تكمن في غيابها، أي في لحظتها السحرية الفاصلة بين الخسارة والربح، لا في كونها مجرّد كرة. مع ذلك يمضي والد الفتى ردحاً كبيراً من الرواية محاولاً بيع الكرة، الى ان يأخذها منه جامع ذكريات بثلاثة وثلاثين دولاراً ثم يبيعها بخمسة وثلاثين ألفاً. غير ان هذا المبلغ يبقى دون القيمة الحقيقية للكرة، بل ان الكرة المذكورة، كشيء مادي، بلا قيمة من دون الحدث الكامن وراءها، ومن دون اللحظة التي أحدثت رعشة عبر جسد المدينة وأخرجت الناس من بيوتهم ليتبادلوا الأحاديث في الشوارع ومن خلال النوافذ ومداخل البيوت. وكما كانت "شفرات العشب" محوراً مكوكياً لپ"أيام نموذجية" هكذا تحولت كرة البيسبول الى عين المغزل في "العالم التحتي" لديليللو. لكن البيسبول لعبة في مجموعة ألعاب حفلت بها الرواية والهدف منها التركيز على كون الربح هو المنية والمنى في التكوين الخلقي الأميركي، الربح في كل شيء، خصوصاً في الحرب الباردة، ولكن ايضاً في البحث الليلي عن مكان للتخلص من القمامة. من هنا ان "العالم التحتي" اشارة ترمز الى تاريخ أميركا الدفين، يقشره ديليللو قشرة بعد قشرة، كاشفاً كل العورات وكل النواحي الجميلة بأدق تفاصيلها. "حماقات بروكلين" أخيراً لا آخراً، بول أوستير الذي بات اسمه في الحقبتين المنصرمتين صنو نيويورك، خصوصاً بعد نشر ثلاثية تحمل اسم المدينة التي جعلها محور عمله وحياته. ونيويورك بول اوستير لا تمت بصلة الى نيويورك السياح: "أحياناً تكون مركز التاريخ وأحياناً هامشه، لكنها المدينة التي أعيش وأكتب فيها، صورة تحيا في حقيقتي وفي مخيالي"، يقول اوستير. وهو، على غرار مارتن وبَدْ، مشّاء يجتاز المدينة بعينين مفتوحتين. والمشي نسبة الى اوستير فلسفة: "العلاقة بين المشي واللغة أكيدة. هناك ايقاع الكلمات المرتبط بإيقاع الخطوات. ولعلّ الكتابة نوع من النشاطات بحاجة الى ذلك التريّض على الأقدام. والحقيقة اننا حين نمشي في مدينة، نفكر. وليس ذلك بالضرورة تفكيراً أدبياً، بل مجرّد سيرة ذاتية". من هنا ان معظم شخصيات أوستير النيويوركية تمشي، تأخذ الميترو، تجتاز الحدائق والجسور، تلتقي في أمكنة مكشوفة وتتماهى رويداً رويداً في كينونة المدينة الكبرى. وفي روايته الجديدة "حماقات بروكلين" التي ستصدر الخريف المقبل يروي أوستير قصة متقاعد يدعى ناثان، في الستين من عمره، أصيب بمرض السرطان وشفي، ولو موقتاً، وعاد لينهي أيامه في بروكلين حيث نشأ. ملكة بروكلين خلال نزهة، سيراً على الأقدام، يلتقي ابن أخيه طوم البالغ من العمر ثلاثين سنة والذي هجر دراسة الأدب وفقد والدته ولم يعد يعرف أين ذهبت شقيقته. الوقت ربيع العام 2000 وفي المقطع الآتي بعض من وقائع لقاء بينهما: كان يطلق عليها صفة "الأم الشابة الرائعة" مع انه لم يتبادل معها كلمة واحدة ولم يعرف حتى اسمها. كانت تسكن مبنى حجارته بنية في منتصف الطريق بين مسكنه والمكتبة العامة وكان يراها كل صباح وهو في الطريق الى تناول فطوره، جالسة على ناصية منزلها مع ولديها بانتظار الباص الأصفر الذي ينقلهما الى المدرسة. بشعرها الطويل الأسود وعينيها الخضراوين المشعتين، كانت جميلة بصورة لافتة، قال طوم، لكن ما حرّك مشاعره تجاهها، كان طريقة حضنها لطفليها. لم ير مثل ذلك الحب الامومي مرهفاً وبسيطاً، ومكتنزاً لفرح حقيقي. كانت هناك كل صباح تقريباً مع ولديها، تضمهما وتدللهما وتقبلهما كل بدوره، أو ترقصهما على ركبتيها وتنشد لهما وتضحك معهما. "أمرّ من هناك سائراً في أبطأ ما يمكن من خطوات" يكمل طوم "مشهد كهذا ينبغي التمتع به، وكل مرة، تراني اصطنع اسقاط شيء كي انحني وانهض وأؤخر عبوري، أو أشعل سيكارة - أي شيء يطيل متعة تلك الثواني الثمينة. انها جميلة جداً، يا ناثان، ورؤيتها مع طفليها تعيد اليّ، تقريباً، الثقة بالانسانية. اعرف ان ذلك سخيف، مع ذلك عليّ التفكير بها 24 ساعة في اليوم". حافظت على رد فعلي لنفسي، لكنني لم أحب هذا الواقع بالمرّة. طوم بلغ الثلاثين لتوّه، في عز شبابه ورجولته، لكنه، في ما يخص النساء والحب، عملياً مستقيل. فبعد انفصاله عن ليندا، صديقته على مقاعد الدراسة، لم يوفق بعلاقة وانسحب من هذا المجال. منذ يومين أسرّ اليّ انه لم يخرج مع امرأة منذ عام وأكثر، مما يفسّر عشقه الصامت للأم الشابة التي أصبحت هي كل حياته العاطفية. بدا ذلك مثيراً للشفقة نسبة اليّ. على هذا الفتى أن يستعيد ثقته ويعود الى بذل جهده. وفي أقلّ تعديل عليه أن يناوم - وان يتوقف عن الحلم بالأم السعيدة المثالية. صحيح انني لم أكن بعيداً عنه في هذه المرحلة، بالطبع، لكنني بلا شك اعرف اسم المرأة التي احلم بها، وكلما عدت الى المطعم، اجلس الى طاولتي المعتادة وأحادثها بصمتي الطويل. وذلك يكفي خرابة مثلي، فقد أديت رقصتي وأخذت متعتي، وما يحصل لي لم يعد مهماً بالمرّة. واذا قيض لي أن أقنص صيداً اضافياً فلن أرفض النعمة، لكنها ليست مسألة حياة أو موت. أما بالنسبة الى طوم، فمن الضروري ان يلقي بنفسه من جديد في حضن الحياة. فإذا نقصته الشجاعة، سيستمر في التقوقع ضمن جحيمه الشخصي ومع مرور السنين سيصبح مريراً على مهل، ويتحوّل الى شخص لا يجوز ان يكونه. "أحب رؤية هذه المخلوقة بأم العين"، قلت له "انك تتحدث عنها كأنها ظهور من عالم آخر". "متى تشاء، ناثان. تعال اليّ في الصباح ربع ساعة قبل الثامنة ويمكننا المرور معاً امام بيتها. لن تأسف، اضمن لك ذلك". وهكذا، في اليوم التالي، التقينا باكراً ومشينا معاً في الشارع المفضل لطوم في بروكلين. ظننته يبالغ حين تحدث عن "القدرة المغناطيسية" لتلك المرأة لكنني كنت على خطأ، اذ كانت بالفعل رائعة وذات جمال ملائكي، وكان منظرها جالسة مع أطفالها على ناصية البيت سبباً في ارعاش قلبي العجوز.