الحدث الثقافي الابرز في بيروت خلال هذا الأسبوع كان ذاك الذي انتهى مساء امس وكاد يمر مرور الكرام وسط صخب الأحداث السياسية، وعلى إيقاع الاغتيالات والتبدلات المتسارعة في لبنان. الحدث سينمائي وفني، لكنه بالتأكيد ذو علاقة مباشرة بما نتحدث عنه، ويتحدث عنه الجميع، من تبدلات وإصلاحات في المنطقة العربية ككل. ذلك ان المهم في هذا الحدث موضوعه: المرأة وقضية الحجاب وهو موضوع كرّس له المهرجان الذي بات راسخاً في بيروت منذ ست سنوات ثلاثة ايام، ويقام بالمشاركة بين معهد الدراسات النسائية في العالم العربي، والجامعة الاميركية في بيروت بالتشاور مع جمعية"بيروت دي سي"السينمائية. المثير في الامر أن لا المهرجان، ولا أفلامه، دنت من الموضوع بعدوانية، بل بنوع من التحليل والتساؤل عن واقع جديد يزداد حضوراً في العالمين العربي والإسلامي: واقع الحجاب الذي بات يمثل أكثر من مجرد قطعة قماش تغطي الرأس أو الجسد، ليصبح نوعاً من"الانحجاب"عن العصر والعالم في رأي بعضهم، أو نوعاً من الالتزام الديني وحماية الخصوصية في زمن مليء بالشر في رأي بعضهم الآخر. ولهذين الرأيين مكانهما في الأفلام العديدة التي عرضت آتية من أكثر من منطقة في العالم. فمن إيران جاء فيلم مرزية مشكين زوجة السينمائي المعروف محسن ماخمالباف"اليوم الذي أصبحت فيه امرأة"، وهو يتألف من ثلاثة فصول يتحدث كل منها عن حال أنثى هي أولاً طفلة بات عليها أن تتحجب، وفي الثاني امرأة تخوض سباق دراجات... وفي الثالث عجوز مقعدة تنفق ميراثها على كل ما حرمت منه شابة. الفيلم التالي رائعة يسري نصرالله التسجيلية"صبيان وبنات"1995 الذي قام بجولة في عوالم مصرية تتألف من آراء شتى من حول قضية الحجاب. الفيلم الثالث إنتاج مشترك بين الولاياتالمتحدةوإيرانوباكستان، وعنوانه"نساء مسلمات: الحجاب والإنغلاق"وهو يصور رحلة مخرجته فرهين عمر، عبر بضعة بلدان مسلمة وغير مسلمة، حيث تلتقي بالعديد من النساء المسلمات وتحاورهن حول أوضاعهن، لا سيما حول الحجاب. بعد ذلك نصل الى أميركا، مع المخرجين جانيت ماكنتاير وأيمي ويندل، حيث نلتقي بفتيات محجبات من نيويورك، لنكتشف بعد صدمة أولى، قدرتهن على ممارسة حياتهن وشتى الفنون والرياضات من دون أن يحول الحجاب بينهن وبين هذه الممارسة، ولنكتشف أيضاً كم أنهن ممزقات اليوم بين الحلم الأميركي والتعصب الديني، ولا سيما بعد 11 أيلول سبتمبر. ومن أفغانستان يعطينا محسن ماخمالباف، الإيراني الذي اصبح مع قسم من أسرته السينمائية، شبه متخصص في أحوال أفغانستان، فيلماً هو عبارة عن يوميات مصورة فحواها حوارات مع طالبات أفغانيات يعشن قرب الحدود مع إيران. بعد فيلم ماخمالباف تتتابع الشرائط، طويلة وقصيرة، حاملة تواقيع صبيحة سومر باكستان وقصي حمزة وكاتيا جرجورة وجورج حمصي لبنان والياس سالم فيلم من إنتاج فرنسي مغربي وكاملة أبو ذكرى مصر، بانوراما سينمائية نادرة المتعددة التوجهات والبلدان... كانت تستحق أن تعرض في أوقات أفضل وأمام جمهور أوسع.