بزغ هذا العام فجر جديد أمام السينما الايرانية. وخاصة بعد أن أنهى زعيم البلاد محمد خاتمي، سنوات طويلة عاشتها ايران في عزلة سياسية عن العالم، وذلك عبر تجواله الأوروبي في اول زيارة رسمية يقوم بها قائد ايراني منذ الثورة الاسلامية في العام 1979. وشهد هذا العام كذلك. تصويتا واسع النطاق يتعلق بإجراء اصلاحات في طول البلاد وعرضها، في الوقت الذي راح فيه خصوم الرئيس خاتمي المحافظون يهزمون في الانتخابات المحلية. وفي شهر آذار مارس المنصرم، اصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً اعتبرت فيه ان سجل حقوق الانسان في ايران قد تحسن وان بشكل بطيء، تحت حكم خاتمي. ويبدو اليوم انه على رغم الاصطدامات التي حدثت هذا العام بين الطلبة المتظاهرين والحكومة، ثمة ظهور لليبرالية متصاعدة بالتدريج تفرض حضورها في طول ايران وعرضها. والحال ان هذا التحسن الثقافي والسياسي التدريجي قد سمح لمخرجي الأفلام الكبار في هذا البلد بالازدهار من جديد. حول هذا الأمر يقول دايفيدسن، المدير الفني لمركز "آي. سي. إي" الثقافي اللندني، الذي قدم أخيرا مهرجاناً للسينما الايرانية: "ان ما يحدث الآن هو انبعاث عام لصناعة السينما في ايران، لا يزال مستمراً منذ بعض الوقت. لقد بدأ هذا الانبعاث في اواخر الثمانينات، ووصل الى ذروته هذا العام مع تسمية فيلم "أطفال الجنة" لمجيد مجيدي، للفوز بجائزة احسن فيلم أجنبي في مسابقات الأوسكار "الاميركية" ولقد أسفر هذا الأمر الأخير عن شراء شركة "ميراماكس" لحقوق توزيع الفيلم في العالم، ما يعني، حسب سن انه "اذا ما حظي هذا الفيلم بتوزيع عريض، فإنه سيدفع بالأفلام الإيرانية الى مكان الواجهة في صناعة السينما في العالم". والمخرجان اللذان استفادا أكثر من غيرهما من مناخ الحرية هذا الذي تعيشه السينما في ايران، هما المخرجان الكبيران محسن ماخمالباف وعباس كياروستامي. ومن المعروف ان هذين المخرجين أصبحا معروفين في الغرب على نطاق واسع. وفي حالة ماخمالباف تبدو السينما وكأنها قد اضحت قضية عائلية، بعد ان بدأت سميرة، ابنة محسن ذات السبعة عشر ربيعاً، عملها السينمائي كمخرجة محققة وضعاً نقدياً بفيلمها "التفاحة"… ان بعض المراقبين يشعرون ان موضوع "التفاحة" مشابهة للمواضيع التي تغوص أفلام والد سميرة فيها. ولكن حتى لو كان هذا صحيحا، فان اسلوب الفيلم يبدو واضحاً انه أسلوب سميرة الشخصي. ولا بد ان نذكر هنا ان ماخمالباف الأب قد شجع سميرة بشكل ايجابي، في تحقيق طموحها الاخراجي، والشيء نفسه يقال ايضاً بصدد الابنة الصغرى، التي بدأت تحقق افلاماً بواسطة الفيديو مع انها لم تتجاوز العاشرة من عمرها بعد. ومن سخرية القدر انه على الرغم من ضروب الظلم التي احاقت بالمرأة الايرانية بعيد اندلاع الثورة، لا يقتصر الأمر الآن على وجود نساء كثيرات يحاولن الحصول على حرياتهن، بل ان ثمة نساء مخرجات كثيرات ذوات موهبة، يبرزن اليوم في السينما الايرانية. ومن أشهرهن في الوقت الحاضر راكشان بني اعتماد، مخرجة الفيلم الاستثنائي "نرجس". مهما يكن في الأمر، فلا بد ان نذكر هنا بأن ايران بلد تقاليد سينمائية صلبة. وخلال سنوات ما قبل الثورة، كانت هناك في هذا البلد، الوف دور العرض، تقدم الأفلام في شتى أنحاء ايران. ومعظم هذه الدور عاد وأغلق مع حلول النظام الجديد، ليفتح العديد منه بعد ذلك خلال السنوات الأخيرة. وفي الوقت الحاضر يمكن لجمهور هذا البلد ان يشاهد شبكة عريضة من الأفلام تبدأ بانتاجات هونغ كونغ الضخمة، لتصل الى عدد من الأفلام الصغيرة المستوردة. أما في ما يتعلق بنمو السينما المحلية، نلاحظ انه فيما اتخذت خطوات عملاقة للسماح للمواهب المحلية بعرض أفلامها داخل ايران، هناك ضغوط وتعليمات مشددة تلقي بظلها الجلي على المخرجين. وليس من قبيل الصدفة، بالتأكيد، ان يكون موضوع الجزء الأكبر من الأفلام المحققة، موضوع الصراع بين الغرب المتدهور وايران الاسلامية. ومن البديهي ان تبدو حدود هذه السياسات أكثر وضوحاً في مثل هذا الحيز. حيث انه ليس ثمة أي شكل حول المواضيع التي تسمح للمخرجين بالتعامل معها، وتلك الأخرى التي تبقى في حيز المحظورات. ويقيناً ان مثل هذه القواعد الصارمة تصيب المخرجين الفنانين أكثر مما تصيب غيرهم من المخرجين. حيث أن أي خرق للقواعد يؤدي على الأقل، إلى منع أفلامهم من العرض في السوق المحلية. ومع هذا فإن دايفيدسن يبدو متفائلاً بصورة عامة، حول مستقبل صناعة السينما في ايران ويقول: "انني اعتقد ان الضغوط الاقتصادية هي التي سترغم الحكومة الايرانية على تخفيف قبضتها عن عنق السينما المحلية. ثم انه بمقدار ما تكتسب الأفلام الايرانية مكانة أساسية في الساحة السينمائية العالمية، سيكون من الصعب منع هذه الأفلام من ان تعرض محلياً. وكل هذا سوف يرغم الحكومة على ادراك مدى الربح الذي يمكنها ان تحققه من ذلك كله".