قبل عامين حين عرض السينمائي الإيراني محسن ماخمالباف فيلمه "قندهار" الذي تحدث عن وضع ما للمرأة الأفغانية من خلال حكاية نفس، الصحافية المهاجرة في كندا والتي تصل خفية الى مدينة قندهار، في محاولة منها لإنقاذ اختها التي تهدد بالانتحار هرباً من وضعها كامرأة في ظل نظام طالبان، لفت الفيلم الأنظار وكثر الحديث عنه بأسف على المصير المخبأ للمرأة هناك. لكن احداً لم يكن، حينها، ليتصور ان وضع المرأة سيبدأ بالتغير خلال المرحلة التالية، وأن "أحداث" هذا الفيلم ستصبح شيئاً من التاريخ. بل لم يكن احد ليتصور ان الوضع الأفغاني الذي احتاج لمخرجين من الخارج للتعبير عنه، طالما ان نظام طالبان كان يمنع السينما بين ألوف الممنوعات الأخرى، سيجد بسرعة تعبيراً عنه في عمل يحققه افغاني، وداخل افغانستان. ذلك ان احداث 11 ايلول سبتمبر وما تلاها من دخول القوات الأميركية وغيرها الى افغانستان لتخليصها من نظام طالبان، كان هذا كله قد مرّ من هنا. وصار في إمكان الأفغان التقاط انفاسهم. وبدا هذا خصوصاً من خلال فيلم "اسامة" للمخرج الأفغاني صديق بارماك 40 سنة والذي كان درس السينما في موسكو، لكن الفرص لم تسنح له قبل الآن للبرهان على امكانياته السينمائية. "أسامة" إذاً، هو الفيلم الأول لصديق بارماك، لكنه كذلك الفيلم الأفغاني الأول الذي يحقق حديثاً في هذا البلد، وإن كان قد نافسه في ذلك فيلم سميرة ماخمالباف الذي سرق منه الأضواء "الخامسة عصراً". والفيلمان يشتركان معاً، على اية حال، في كونهما يتناولان قضية المرأة الإيرانية. ماخمالباف، بمساعدة حاسمة من والدها محسن الذي كان فيلم عن مهاجر افغاني يعيش في ايران لاجئاً، وهو "سائق الدراجة" واحداً من اول وأجمل افلامه قبل عقد ونصف العقد من السنين، تحدثت في فيلمها عن طالبة وجدت في نفسها ما ان سقط نظام طالبان، الجرأة على ان تحلم بأن تصبح رئيسة للبلاد، في الوقت الذي ظل فيه والدها قادراً على قمعها على رغم سقوط نظام المتعصبين المتطرفين. اما بارماك، فإنه قدم زمناً يسبق زمن فيلم "الخامسة عصراً" إذ عاد الى الشهور الأولى لاستتباب الحكم لطالبان حين كانت المرأة اولى ضحايا ذلك الحكم، فلم تمنع فقط من مزاولة اي عمل، بل منعت ايضاً من الدراسة وارتياد صفوف المدارس. وهكذا، في فيلم "اسامة" تطالعنا فتاة تلبسها امها ثياب شاب، مخفية حقيقتها الأنثوية، لكي تتمكن الفتاة من العثور على عمل يقيها وأمها الجوع. تتنكر الفتاة اذاً وتحاول الالتحاق بعمل، لكن الذي يحدث هو انها تلحق بالقوة بمدرسة قرآنية... وبسرعة تنكشف هويتها الحقيقية. وبارماك، على خلفية هذه الحكاية التي تحيل الى فيلم "ينتقل" الذي حققته بربارا سترايسند قبل عقدين في اقتباس عن رواية لاسحق باشفتش سنغر عن فتاة يهودية ترغب ف دراسةالتلمود المحظورة دراسته على النساء فتتنكر في ثياب شاب وتلتحق بالمدرسة حتى تنكشف هويتها، على خلفية هذه الحكاية يقدم بارماك في هذا الفيلم، الهادئ والقاسي في الوقت نفسه، والذي فضله كثر على فيلم سميرة ماخمالباف - مع ان الفيلمين يشتركان في اتسامهما بوثائقية مزعجة تقف خلف الحبكة الروائية - صورة للقمع الذي طاول المجتمع الأفغاني كله ايام طالبان ونفوذ جماعة "القاعدة" عليها ومن هنا عنوان الفيلم "اسامة" إحالة الى بن لادن وطاول بخاصة المرأة. واللافت في هذا الفيلم ان الفتاة التي، اذ تكشف هويتها الأنثوية الحقيقية، تحكم بأن تضرب بالحجارة حتى تموت "تنقذ" في نهاية الأمر من هذا المصير، لمجرد ان واحداً من الملالي قرر ان يتزوجها جاعلاً منها امرأته الرابعة. في هذا الإطار، قد يبدو فيلم "اسامة" حظياً بعض الشيء. بل إنه، على ضوء ما حدث لاحقاً في افغانستان قد يبدو قديم الموضوع، لكن هذا لم يمنعه في الوقت نفسه من ان يشكل ناقوس خطر حقيقي يقول وضعية ما للمرأة ويدعو الى البحث عن حلول، إذ ان الفيلم يوحي لنا من ناحية خفية بأن وضعية المرأة اذا كانت تدهورت في عهد طالبان، فإن المجتمع الأفغاني نفسه يمكن اعتباره، بطالبان او من دونها مسؤولاً عما حدث للمرأة. فإذا تغيرت طالبان، من يضمن تغيير عقلية المجتمع. ولعلنا لا نبتعد عن الحقيقة. إذ نقول ان فيلم "اسامة" يستقي بعض راهنيته من هذا السؤال تحديداً.