جورج حاوي الذي اغتيل أمس شخصية يسارية ديموقراطية عريقة، انتمى منذ وقت مبكر وهو في الخامسة عشرة الى الحزب الشيوعي اللبناني، ولم يلبث ان اصبح في سنوات قليلة واحداً من كبار شخصيات الحزب، وكنت واياه منذ ذلك التاريخ نتقدم سوياً في مواقعنا في الحزب وفي افكارنا التي كانت ترمي الى احداث تغيير في فهمنا للاشتراكية فكراً وممارسة ومشروعاً للتغيير في بلادنا وفي العالم. كنا معاً ومعنا مجموعة من الجيل الجديد في قيادة الحزب الشيوعي في الحركة التجديدية التي قمنا بها بين 1966 و1968 ونقلنا فيها الحزب من واقع الى آخر ومن موقع الى آخر اكثر تقدماً وأكثر ارتباطاً بقضايا شعبنا اللبناني وبقضايا الشعوب العربية، وأكثر تحرراً مما كان سائداً افكار باسم الماركسية اعتبرناها تعود الى الماضي وغير ذات صلة بالمستقبل. وقد استمر جورج حاوي في موقعه في الامانة العامة للحزب تم عندما تخلى عن هذا الموقع بصفاته وسماته، بشجاعته في الارتباط بالأفكار الجديدة والدفاع عنها وبانتمائه الى ما سميناه معاً ومع آخرين مشروعاً ديموقراطياً لتغيير بلداننا وللنهضة بها مما هي عليه الىمستقبل اكثر حرية وأكثر تقدماً وعدالة. وقد تميز جورج حاوي في الفترة الاخيرة بكونه واحداً من كبار رموز انتفاضة الاستقلال ومن الذين عملوا بكل الوسائل وبالدعوات في وسائل الاعلام للاستمرار في هذه الانتفاضة الى نهايتها. وكان واثقاً ومن دون اوهام ان معركتنا هذه ليست سهلة بل هي مليئة بالصعوبات والعوائق، لا سيما ما اصطلحنا على تسميته بالنظام الامني منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اغتيال الكاتب سمير قصير واليوم اغتياله هو بالذات، استمر هذا النظام يحاول منع انتقال لبنان من ضفة الاستبداد والتسلط والفساد الى الضفة الاخرى ضفة الحرية والديموقراطية والتقدم. اغتياله اليوم بعد هذه النتائج الكبيرة للانتخابات يشكل رسالة الى ابطال انتفاضة الاستقلال ورموزها من كل القامات. واغتياله اليوم هو رسالة مفادها انكم يا اهل انتفاضة الاستقلال لن تستطيعوا العبور من الماضي الى المستقبل بهذه البساطة. سنمنعكم. جوابنا على استشهاد جورج حاوي والذين سبقوه اننا اخذنا هذا الطريق الى الحرية بوعي وبارادة وبثقة لا تتزعزع بأننا سنصل الى الضفة الاخرى ضفة الحرية. في المقال الذي نشرته"الحياة"لي يوم الاثنين:"من مهدي عمر الى سمير قصير"كنت ادافع عن قرار شعبي وقواه الديموقراطية بالاستمرار في انتفاضة الاستقلال حتى النهاية. وأعتقد ان أي قوة لن تعيقنا عن الوصول الى اهدافنا مها كان الثمن باهظاً. هذا هو خيارنا هذه اللحظات التي نودع فيها رفيقاً وصديقاً عزيزاً، اقول نم قريراً فالثقة التي كنت مؤمناً بها بأننا سنصل الى الحرية هي سلاحنا اليوم في الطريق الى هذه الحرية. آخر حديث بيننا انتهى الساعة الواحدة والنصف بعد 2/1 ليل امس كان حديثاً مليئاً بالافكار حول كيف سنواجه مرحلة ما بعد الانتخابات بأي قوى، بأي شعارات، وبأي وسائل. واتفقنا على ان نتابع هذا الحديث بعد عودته من سفره المفترض اليوم الى مصر. وكان من المنتظر ان يلتقي رفيقه الياس عطاالله النائب الجديد لليسار. كنا نتساءل من القادم؟ قال: جميعنا نحن مستهدفون. وكنا نظن هناك اولويات. تبين ان رموز اليسار هم الاكثر استهدافاً لأنهم الاكثر تمثيلاً للمستقبل. خطابه لم يتغير. كان يحدد الطريق الى المستقبل وللقوى التي تحاول منعنا من الوصول اليه. ولكنه كان يستنفر في كل ما قاله"العقل السياسي"بما في ذلك حديثه انه اذا كان السوريون قد خرجوا بهذه الطريقة التي لم نكن نريدها، فإن المطلوب منهم ان يسهلوا اعادة صوغ العلاقة اللبنانية - السورية على اسس صريحة بعيدة من كل الشوائب السابقة، من أجل مصلحة البلدين.