تتعامل القوى السياسية في الموالاة والمعارضة مع المرحلة الاخيرة من الانتخابات النيابية في الشمال على انها المحطة الاصعب التي تحدد الميزان النيابي في البرلمان الذي سيكون هذه المرة امام خريطة جديدة تتوزع فيها الكتل النيابية على ثلاثة محاور: الاول تحالف"حزب الله"وحركة"أمل"، الثاني ائتلاف المعارضة المتمثلة بالحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل والقوات اللبنانية والحركة الاصلاحية الكتائبية والرموز المتبقية من لقاء قرنة شهوان في حال جاءت النتائج لمصلحتها في الشمال، والثالث هو عبارة عن تجمع القوى المناوئة للمعارضة وعلى رأسها العماد ميشال عون الذي يراهن على حليفه سليمان فرنجية في تسجيل انتصار انتخابي. وتترقب المحاور الثلاثة الموقف النهائي لرئيس الكتلة الشعبية في البقاع الاوسط زحلة النائب ايلي سكاف لمعرفة ما اذا كان سينضم الى الحلف المناهض للمعارضة أم انه سيبقى في منتصف الطريق بين الكتل النيابية التي ستنقل الصراع السياسي من الشارع الى حلبة ساحة النجمة، علماً ان نائب رئيس المجلس النيابي ميشال المر وحزب الطاشناق سيكونان الى جانب التيار الوطني الحر. لذلك فإن المعركة في الشمال تتمتع بنكهة مميزة لتأثيرها المباشر في الاحجام النيابية. فالمعارضة تطمح الى حصد اكبر عدد من المقاعد النيابية في الدائرتين يؤهلها للحصول على غالبية اعضاء عدد المجلس أي نصف العدد زائد واحد 65 نائباً. وفي المقابل تحاول القوى المناوئة المؤلفة من تحالف سليمان فرنجية وعون والحزبين الشيوعي اللبناني والسوري القومي الاجتماعي والمدعومة من الرئيس عمر كرامي ونائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس وشخصيات طرابلسية تسجيل انتصار نيابي يتجاوز خرق عدد من المقاعد الى قطع الطريق على خصومها لمنعهم من السيطرة على اللعبة البرلمانية والتحكم في المقابل بالثلث المعطل 43 نائباً الذي يفقد المعارضة ورقة إزاحة رئيس الجمهورية اميل لحود بتعديل الدستور لتقليص ولايته الممددة. كما ان القوى المناوئة للمعارضة بدأت هجوماً سياسياً واعلامياً عنيفاً يستهدف الثلاثي الماروني: نايلة معوض، بطرس حرب وسمير فرنجية، طامحة الى اسقاطهم محققة بذلك انتصاراً كبيراً لها بصرف النظر عن نتائج المعركة، اضافة الى ان ضمانها للثلث المعطل سيتيح لها تسليف لحود موقفاً ضد المعارضة التي ستكون عاجزة عن الاطاحة به. وعليه تعتقد مصادر مقربة من"تيار المستقبل"ان الحملة التي تستهدف النائب المنتخب سعدالدين الحريري بذريعة تدخله المباشر في انتخابات الشمال لم تكن سوى نسخة عن الحملة التي شنها العماد عون ضد الحريري وجنبلاط في الشارع المسيحي تحت ستار ان قريطم والمختارة يشكلان اللوائح في كسروان ? جبيل والمتن الشمالي. وتضيف ان مضمون المعركة ضد الحريري في الشمال لم يختلف عن سالفتها في جبل لبنان، وان كانت تغيرت الاسماء التي تتزعمها بعدما اخذ كرامي على عاتقه القيام بها مباشرة بدلاً من عون الذي لا يستطيع في الشارع الاسلامي التحريض على تيار المستقبل خوفاً من رد الفعل الذي قد ينعكس سلباً على نتائج الانتخابات. وعليه فإن كرامي ، بحسب المصادر ، قرر ان ينوب عن حليفيه عون وفرنجية في شن حملة ضد الحريري تحت عنوان ان لا مكان للغرباء في طرابلس. ويبدو كرامي، الذي تنقل عنه اوساطه انه استعجل في اتخاذ قراره عدم خوض المعركة في الشمال ترشحاً واقتراعاً، حليفاً غير مباشر لفرنجية وعون ضد"تيار المستقبل"لمنع زعيمه من التمدد الى هذه المنطقة بعد ان ربح مقاعد بيروت والبقاع الغربي. كما ان كرامي ابرم اتفاقاً سياسياً مع عون وفرنجية للتعاون من اجل قيام حلف سياسي ? نيابي ضد قوى المعارضة، وهذا ما يفسر انقلابه على موقفه الداعي الى مقاطعة الانتخابات عندما بادر في اليومين الاخيرين ومن خلال ماكينته الانتخابية الى"الافراج"عن البطاقات الانتخابية الخاصة بمحازبيه وأنصاره، كي يقترعوا لمصلحة حليفيه الجديدين. كما اخذ على عاتقه ايجاد المناخ السياسي المؤاتي لدعم الثنائي فرنجية وعون في الشارع الطرابلسي ضد مرشحي"القوات اللبنانية"على خلفية الحكم على قائدها سمير جعجع بالسجن في جريمة اغتيال شقيقه الرئيس الشهيد رشيد كرامي، سائلاً في الوقت نفسه عن الجدوى من التصويت في الوقت الذي احجم الناخب في المتن الشمالي وكسروان - جبيل عن الاقتراع لمرشحيها في هاتين الدائرتين. واذ يتصرف كرامي على ان نتائج الانتخابات في المتن الشمالي وكسروان - جبيل انعشت حليفيه فرنجية وعون في الشارع المسيحي في الدائرة الثانية وزادت من قوة خصوم لائحة الحريري - القوات في الدائرة الاولى فإنه في المقابل يراهن على استنفار الشارع الاسلامي باعتباره يشكل بيضة القبان في هاتين الدائرتين. اما على صعيد المعارضة، وتحديداً تحالف الحريري والتكتل النيابي الطرابلسي و"القوات"، فانها تقلل من الرهان على الثقل الانتخابي المسيحي في المعركة من دون ان تدير ظهرها لاستطلاعات الرأي التي كانت اشارت الى انتعاش خصومها تحت وطأة تأثير بعض النتائج في الجبل على الشمال. وبادرت المعارضة في اليومين الاخيرين الى تكثيف نشاطها في المناطق المسيحية على قاعدة ان هناك صعوبة في نقل نتائج التجربة الانتخابية في المتن الشمالي وكسروان - وجبيل الى الشمال، بسبب الحضور المميز للقوات في عقر دارها الشمالي بخلاف تواجدها في الجبل، اضافة الى قوة المعارضة في زغرتا والبترون والكورة من خلال الرموز المناهضة لتحالف فرنجية وعون. وتضيف ان ائتلاف كرامي - فرنجية - عون يخوض معركة نفسية ، سياسية في الشارع المسيحي الذي لن ينحاز كلياً ضد المعارضة التي لديها القدرة على التأثير فيه مقارنة مع التيار الوطني الحر الذي احجم عن الدخول كطرف في المعركة السياسية الإعلامية ضد تيار المستقبل نظراً الى افتقاده الى ادوات التعبئة التي كان استخدمها في الجبل الذي يختلف كلياً عن الشمال. وتتهم المعارضة القوى المناوئة لها بالتناغم مع لحود كرأس حربة في المستقبل يقف عائقاً امام اجراء الإصلاحات الاقتصادية والتغييرات في النظام السياسي من خلال حكومة تشكل الاكثرية النيابية الطامحة الى تطويق رئيس الجمهورية ومنعه من ان يكرر في مجلس الوزراء تجربته التي كانت سائدة في تعاطيه مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولا بد من الإشارة الى ان المعارضة والموالاة انجزتا استعداداتهما لخوض المعركة في الشمال لما سيكون لها من تأثير في تقرير المصير السياسي للمرحلة المقبلة في الوقت الذي تؤكد مصادر مقربة من جنبلاط ان الثنائية الشيعية لن تكون منحازة في المطلق الى الفريق السياسي الداعم للحود ولا الى القوى المناوئة للمعارضة خصوصاً بعدما تبين لها ان الخطاب السياسي لعون يؤسس لموقف من سلاح المقاومة سيكون على تناغم مع الولاياتالمتحدة الاميركية وهذا ما عبر عنه في حديثه الاخير لمحطة CNN الاميركية من خلال تأكيده بوضوح أنه مع نزع سلاحها.