تشير التحضيرات الجارية لخوض الانتخابات النيابية في الشمال الى ان الدائرة الثانية تضم اقضية طرابلس وزغرتا والكورة والبترون والمنية ستشهد اقسى المعارك، لتعذر التوافق الطرابلسي ولصعوبة التعاون بين رئىس الحكومة السابق عمر كرامي ووزير الزراعة سليمان فرنجية، اضافة الى خلط الاوراق على نحو يترك الباب مفتوحاً على مفاجآت قد تدفع البعض الى عزوفه عن الترشح. وعلى رغم ان تحالفات كرامي اخذت تقترب من الوضوح، فان مصادره تؤكد انه لم يتخذ قراره النهائي في شأن خوض الانتخابات وانه لا يزال يقوّم الوضع، في محاولة لجلاء الصورة السياسية استعداداً لاعلان قراره الحاسم، وفي نيته عدم الوقوع في الاجواء التي رافقت الانتخابات النيابية الماضية واملت عليه لاحقاً عدم القيام بأي نشاط نيابي، من ساحة النجمة. وفي المقابل فان منافسي كرامي في الشارع الطرابلسي لم يتخذوا حتى الساعة قراراتهم النهائية ولا يزالون موزعين على جبهات عدة، ويصعب عليهم التفاهم في المدى المنظور ما لم تطرأ عوامل تضطرهم الى الانخراط في لائحة واحدة، بينما قرر فرنجية حتى اشعار آخر الابتعاد عن الحساسية الطرابلسية تاركاً الامر لعدد من الحلفاء. وقد يكون لابتعاده هذا اعتبارات، ابرزها انه يتجنب اضفاء طابع من المنافسة الحادة على المعركة الانتخابية في الدائرة الثانية، لقطع الطريق على حصول فرز يتسم بلون مذهبي وطائفي، من خلال تصوير المزاحمة على انها تدور بين زغرتا وطرابلس. وعلمت "الحياة" من مصادر طرابلسية ان فرنجية يغيّب نفسه قسراً عن الاتصالات القائمة في شأن تركيب الشق الطرابلسي من اللائحة، تاركاً الامر لعدد من الاصدقاء الذين اصبحوا في عداد المتعاونين معه. الا ان غيابه لم يمنع السؤال عن وضعية "تيار المستقبل" الذي يرعاه رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ومدى انخراطه في المعركة، بعدما تردد ان ممثله نقيب المحامين السابق سمير الجسر قد يعزف عن الترشح، وقد سارع الاخير الى نفي ما اشيع على هذا الصعيد. واللافت ان الطرابلسيين يتناقشون في احتمال عزوف الجسر، بعدما سارع وحليفاه احمد كرامي ومصباح الاحدب الى تشكيل نواة تحالف انتخابي، وكان بادر قبلهم محمد كبارة وموريس فاضل ومحمد الصفدي باعلان قيام نواة انتخابية مماثلة. وكانت كل هذه التطورات تسارعت قبل ان يحسم وزير النقل والاشغال نجيب ميقاتي امره ويقرر خوض المعركة، بعدما جال على كرامي وفرنجية وسائر المرشحين البارزين، اضافة الى الحريري الذي بادر بتحديد ثلاثة خطوط حمر كأساس لأي نشاط انتخابي في الشمال، هي بمثابة ثوابت غير قابلة للتعديل او المقايضة. فهو ينطلق من تأكيد خيار التحالف الاستراتيجي مع سورية الذي لن يتأثر بالحصة الانتخابية على رغم النفوذ الشمالي الذي يتمتع به، اضافة الى رفضه خوض الانتخابات من خلال تياره على لائحة مناوئة لفرنجية، وامتناعه عن ان يأخذ الاستقطاب الانتخابي اي طابع انقسامي طائفي او مذهبي. وتأكد ان الحريري وضع الجسر في هذه الاجواء، وان الاخير تجاوب، ما فسر بأنه لن يترشح. لكن الامر جمد بعد اتصالات اجراها مع حليفيه كرامي والاحدب وعقب الزيارة التي قام بها ميقاتي ليل الاربعاء الماضي للحريري في دارته في قريطم. وتردد ان الحريري استجاب رغبة ميقاتي سحب عزوف الجسر من التداول، فيما يشاع ان كرامي قد يتخذ موقفاً يفاجئ به الجميع وان ابن عمه احمد ليس بعيداً من اتخاذ موقف مشابه، في حال تأكد انه مهمش في المداولات، خلافاً للدور الفاعل الذي اداه في انتخابات 1996.