النفط سلعة من السلع التي تُباع وتُشترى وفقاً للمعروض والمطلوب منها آنياً والكميات المتوقع توافرها والمتوقع طلبها في المستقبل، مهما احاطت بأسعار هذه السلعة من ضبابية مفتعلة في غالبية الاحيان وحقيقية في احيان قليلة أخرى. ولو سَعرت الدول المصدرة للنفط مبيعاتها باليورو او بالفرنك السويسري او الجنيه الاسترليني او اي عملة اخرى بدلاً من الدولار، فإن القضية محاسبية بحتة. والعملة المستخدمة ما دامت"صعبة"اي يمكن تحويلها الى اي عملة اخرى بسهولة ومن دون قيود حكومية، فإن العملة الصعبة المستخدمة في حد ذاتها لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة الى عائدات مبيعات النفط. واذا كان سعر النفط من كثافة معينة 50 دولاراً مثلاً، فمجرد المطالبة بأن يُدفع ثمنه باليورو لن يعني ان المشترين سيدفعون 50 يورو ما دامت قيمة اليورو أعلى من قيمة الدولار. وما العملات الصعبة إلا ادوات قياس تحكم تذبذب قيمها الشرائية عوامل كثيرة متداخلة معقدة، بعضها آني كتأثير المضاربين والأزمات السياسية الموقتة وبعضها له ديمومة اطول كنسب التضخم ونسبة النمو الاقتصادي والكفاءة الانتاجية ومرونة اسواق العمل. ويستحسن الاشارة الى انه إذا قيل ان سعر برميل النفط في اسواقه "المستقبلية"في نيويورك من نوع غرب تكساس وصل الى 50 دولاراً أو اقل او اكثر، فإن ذلك لا يعني ان هذا هو الثمن الذي ستحصل عليه اي دولة مصدرة لأي نوع من انواع النفط الخام اياً كانت درجة كثافته. والذي يعنيه السعر المستقبلي الذي يتذبذب بنسب متفاوتة في جميع الاوقات سواء في لندن او نيويورك او في آسيا، هو السعر الذي يحصل عليه من يتعهد بتسليمه ذلك النوع من النفط المتفق عليه للمشتري في المستقبل. اي بعد شهر او شهرين أو أقل او اكثر. وإضافة الى ذلك كله فإن هذه الاسعار التي يتكرر ذكرها في جميع الاوقات هي لكثافة محددة واكثر بكثير مما تحصل عليه الدول المصدرة للنفط أياً كانت كثافة ما تصدره منه. وكما يعلم ذوو الاختصاص فإن الذي يحدد عائدات النفط هو صافي الاسعار، اي المخصوم منها تكاليف الانتاج بما في ذلك تكاليف الاستثمار في ادوات تمكين الانتاج والنقل والتسويق والتخزين وأشياء اخرى اقل اهمية. وقيمة الريال السعودي - مثلاً - نسبة الى بقية العملات مرتبطة الى حد كبير بقيمة الدولار الاميركي. وعندما ترتفع قيمة عملة رئيسة كاليورو نسبة الى الدولار فان قيمة السلع والخدمات المستوردة من دول اليورو ترتفع في السعودية. وان كان ارتفاعها بنسبة أقل قليلاً من نسبة ارتفاع قيمة اليورو لأن الموردين من هذه الدول يضطرون الى التنازل عن جزء من ارباحهم ليحافظوا على حصصهم في السوق. غير انه اذا استمر ارتفاع اسعار السلع والخدمات المسعرة باليورو في هذه الحال فإن المستهلكين يستبدلون السلع والخدمات تدريجاً بسلع وخدمات مستوردة من دول اخرى لم ترتفع قيمة عملاتها نسبة الى الريال او الدولار كالسلع الكورية والكندية والاسترالية والصينية والهندية وبالطبع الاميركية. وإضافة الى كل ما سبق ذكره ينبغي التأكيد على أن كميات ما يباع ويشترى من الدولار أكبر من كميات اية عملة اخرى تباع وتشترى بسهولة، وبأن الدولار أكبر عملة"احتياط"في جميع البنوك المركزية التي لها اي اهمية في التجارة الدولية. إذاً، هناك اسباب موضوعية، لا علاقة لها بدرجة رضانا او غضبنا، عن سياسة اميركا الخارجية، دفعت معظم الدول المصدرة للنفط وغيرها من دول اخرى مصدرة لسلع اخرى غير النفط لربط عملاتها بالدولار الاميركي. اقتصادي سعودي ووزير سابق للاتصالات.