ويعود سبب الغضب إلى إعلان لجنة دائمة في بنك أميركا المركزي عن اتخاذها قراراً يقضي، ابتداءً من 3/11/2010، بضخ 600 بليون دولار، لزيادة نسبة نمو الاقتصاد الأميركي. وقبل تفسير كيف يتم هذا الضخ، أو كيف تتم عملية إصدار دولارات إضافية، تحسن الإشارة إلى أن الدولار ليس مجرد عملة وطنية ينحصر أثر قيمتها داخل المحيط الأميركي، وإنما عملة احتياطية رئيسية (أي تصدر دول كثيرة عملتها وفقاً لنسب متفاوتة مما تملكه بنوكها المركزية من دولارات أميركية)، فضلاً عن أنها أهم عملة في تداولات التجارة الدولية، ولذلك تهم قيمة الدولار كل مصدر، سواءً مادة خام كالنفط والأخشاب والنحاس، أو مواد مصنعة كالأدوات والآليات، كما تهم بالطبع أيضاً من يستوردون من دول أخرى غير أميركا والدول الأخرى المرتبطة عملتها الوطنية بالدولار. ويتم ضخ الدولارات، أو رفع مستوى السيولة داخل الاقتصاد الأميركي، من طريق شراء صكوك، أو سندات الخزانة الأميركية. وهي أوراق تجارية تحتوي على مبالغ مالية تتعهد بموجبها الخزانة الأميركية بدفع ما هو مدوّن على متنها من مبالغ، تماماً كأي سندات مديونيات أخرى يتعهد مصدرها بدفع ما وعد وسجل على متنها من مبالغ حين يحل أجلها وفقاً لما هو مدوّن على متنها من أجل - أو تاريخ. غير أن الفرق بين السندات التي تصدرها جهات خاصة، والسندات التي تصدرها الخزانة الأميركية، أن البنك المركزي هو الذي يشتري هذه السندات أو الصكوك، أي أن البنك المركزي الأميركي هو الذي يمنح القروض للحكومة الفيديرالية الأميركية. وماذا يفعل المركزي بالسندات التي يشتريها سواءً من الخزانة الأميركية مباشرة، أو من دول أخرى سبق لها أن اشترتها وتحتاج الى مبالغها أو قيمتها؟ كل ما تفعله أنها حرفياً «تطبع» أو تصدر دولارات جديدة تدفعها في مقابل شرائها للسندات ثم تحتفظ بما اشترته من سندات الى أن يأتي وقت الحاجة لخفض مستوى السيولة. والذي يحتفظ بأكبر نسبة من سندات الخزانة الأميركية أو صكوك من مديونياتها هي البنوك التجارية الكبرى. وحينما يشتري المركزي من البنوك التجارية هذه السندات يعوّضها بالدولارات، وبذلك يرتفع مستوى السيولة المتداولة. وما الذي يغضب المصدرين وكثيراً من المستوردين؟ الذي يغضبهم أن زيادة كمية الدولارات المتداولة تؤدي الى انخفاض تكاليف الاقتراض، كما تؤدي أيضاً الى خفض ما تدفعه المنشآت المصرفية من مقابل لأصحاب الودائع بالدولار. كيف؟ على مستوى معين من التعميم، يمكن النظر الى أن العملة (في هذه الحالة الدولار) سلعة يعرضها من يستغني عن استخدامها موقتاً للمقترضين أو يودعها في البنوك. ولكن من يملك السيولة لن يقرضها لغيره من دون مقابل، حتى لو وُجد عدد محدد من الخيرين الذين يقرضون مبالغ متواضعة من دون مقابل. وعندما تزيد كمية السيولة، تزيد الكمية التي يمكن اقتراض نسبة منها. وزيادة المعروض حتى من القروض، وبقاء المطلوب ثابتاً تؤدي الى انخفاض مستوى المقابل الذي لا بد من دفعه للحصول على القروض أو للفوز بمزيد من الودائع بالنسبة الى المنشآت المصرفية. وهذا بدوره يؤدي الى عزوف المودعين عن الدولار، واستبداله بعملات أخرى كاليورو والين وغيرهما، أي إن ضخ المزيد من الدولارات يؤدي، في نهاية المطاف، الى انخفاض قيمة الدولار نسبة الى بقية العملات. ومن ترتفع قيمة عملاتهم تتدنى كمية صادراتهم، وفي الوقت ذاته تزيد كمية وارداتهم. فارتفاع قيمة عملة الدولة المصدرة يعني زيادة أسعار صادراتها، وانخفاض أسعار كل وارداتها. إذاً، فسبب غضب الصين وألمانيا والبرازيل وغيرها من الدول التي تؤثر قيمة صادراتها في مستوى معيشة مواطنيها الى حد كبير، من ارتفاع كميات الدولارات المتداولة، هو بسبب علمها أن ذلك سيؤدي عاجلاً أو آجلاً الى استيرادها أكثر مما كانت تستورد من قبل، وفي الوقت ذاته تصدّر أقل مما كانت تصدّر من قبل، فيسوء ميزان مدفوعاتها. وماذا عن الدول المصدرة للنفط؟ لا جدال أن انخفاض قيمة الدولار يؤدي الى ارتفاع أسعار الواردات من الدول التي ارتفعت قيمة عملاتها. أما بالنسبة الى عائدات الدول المصدرة للنفط، فلن تتأثر كثيراً لأن انخفاض قيمة الدولار يؤدي ولو بعد حين إلى ارتفاع أسعار النفط، أو على الأقل يمنع انخفاضها. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي