ترتبط عملة السعودية، ومعها عملات دول الخليج عدا الكويت، بسعر صرف ثابت أمام الدولار الأميركي لسنوات طويلة. ولا شك أن هذا الارتباط أعطى هذه العملات استقراراً جيداً في أسواقها المحلية، فالارتباط بالدولار جنب هذه العملات أخطار التذبذب الكبير في أسعارها لو خضعت لقوى العرض والطلب في سوق العملات العالمية. إلا أن أول عيوب الارتباط هو التضحية بالسياسة النقدية، فليس في إمكاننا تحديد سعر الفائدة في سوقنا في شكل يناسب ظروف اقتصادنا، ولا بد أن يكون هذا الرقم مقارباً، إن لم يكن مطابقاً، لنظيره الأميركي. ويرتبط الريال السعودي بالدولار بسعر صرف ثابت قدره دولار لكل 3.75 ريال سعودي (الشكل 1). وجرى آخر تقويم للريال أمام الدولار، وربطه عند هذا السعر العام 1986. وبالمثل ترتبط عملات البحرين وعُمان والإمارات وقطر بأسعار صرف ثابتة، فيظهر الارتباط كما في حال الريال السعودي، كخط أفقي مستقيم لا يتغير، معبراً عن ربط العملتين بسعر صرف ثابت. وتشذ الكويت عن القاعدة، إذ يظهر الشكل 2 تغيرات أسعار الصرف بين الدولار والدينار الكويتي، ويتبين أن الكويت استفادت من عدم ارتباط دينارها بسعر صرف ثابت أمام الدولار، فالدولار انخفض أمام الدينار الكويتي من 0.3 دينار إلى 0.26 دينار العام 2008، ثم عاود ارتفاعه خلال 2009، ليعود إلى الانخفاض مجدداً نهاية 2010. ويتراوح الصرف منذ ذلك التاريخ بين 0.26 و0.28 دينار أمام الدولار. وهذا يعني أن الكويت هي الوحيدة بين دول الخليج الست التي استفادت فعلاً من انخفاض الدولار أمام عملتها المحلية، فالسلعة التي تُباع بدولار أصبحت تساوي 0.26 و0.28 دينار بدلاً من 0.3 دينار منذ 2008. وتشير بيانات الواردات على موقع وزارة المالية إلى أن الولاياتالمتحدة هي المصدر الأول لواردات السعودية، إذ بلغت فاتورة وارداتنا في 2010 ما قدره 52 بليون ريال، وهو رقم كان يمكن أن يكون أقل لو عدِّل سعر صرف الريال أمام الدولار. الدولار أمام الين ما ذكر في حال الكويت يدعم ما يطالب به كثيرون من الاقتصاديين في السعودية وبقية دول الخليج، من ضرورة إعادة تقويم عملات الخليج الوطنية أمام الدولار، وبالأحرى رفع قيم هذه العملات أمام الدولار كأن يكون 3.20 ريال أمام الدولار، أو إيجاد مدى تذبذب لصرف عملات الخليج كأن يكون 20 هللة صعوداً أو نزولاً بحسب حال الدولار. ولو حصل هذا لاستوردنا وصدرنا بالدولار من دون أن تتأثر اقتصاداتنا بالضعف الملازم للدولار خلال السنين ال 10 الماضية، وهو ما لم يحصل للأسف. ويتضح أثر ارتباطنا بالدولار بسعر صرف ثابت في اقتصادنا في شكل واضح نظراً إلى علاقة الدولار بالين الياباني. ويتضح من الشكل رقم 3، أن الدولار كان يصرف في مقابل 125 يناً في أواخر 2002. لكن الدولار اليوم لا يشتري أكثر من 79 يناً، ما يعني أننا ندفع ما يصل إلى 45 يناً مع كل دولار ندفعه لشراء السلعة اليابانية بسبب ضعف الدولار. وللمثال، فالسلعة اليابانية التي سعرها 125 يناً كنا نشتريها بدولار في 2002، لكننا اليوم نحتاج إلى دفع 1.5 دولار تقريباً لشراء السلعة ذاتها التي لم تتغير (افتراضاً) مواصفاتها وقيمتها بالين بين 2002 و2012، ونصف الدولار الإضافي الذي ندفعه هو خسارة محضة لاقتصادنا، فلم تزد الكميات التي نشتريها ولم تتحسن مواصفاتها، وإنما نضطر للدفع أكثر بسبب ضعف الدولار. ولعل أوضح مثال هو أسعار السيارات اليابانية في سوقنا، إذ تقافزت أسعارها في شكل كبير، وأصبحت أغلى بكثير نتيجة ضعف الدولار أمام الين. ومن بيانات الواردات، بلغت وارداتنا من اليابان 30 بليون ريال في 2010، وتأتي اليابان رابعة بعد الولاياتالمتحدة والصين وألمانيا في ترتيب الدول التي نستورد منها. الدولار أمام اليورو يتضح من الشكل رقم 4، أن الدولار فقد كثيراً من قيمته أمام العملة الموحدة لأوروبا، فالدولار كان يساوي اليورو، رأساً برأس في أواخر 2002، ثم بدأ الدولار رحلة هبوطه الكبير أمام اليورو ليصل إلى أدنى مستوياته في منتصف 2008، ولم يعد الدولار يشتري إلا 0.63 يورو، وهذا يعني أنه فقد ما يصل إلى 37 في المئة من قيمته أمام اليورو. وعلى رغم تحسن الدولار أمام اليورو بدءاً من 2009 إلى اليوم، إلا أنه بقي يتراوح بين 0.76 و0.80 يورو، ما يعني أنه حافظ على خسارة 20 في المئة من قيمته أمام اليورو خلال السنوات الأربع الماضية مقارنة بأواخر 2002، ويعني ارتفاع كلفة وارداتنا من أوروبا بالنسبة ذاتها. ومن بيانات الواردات، تأتي ألمانيا ثالثة وفرنسا سادسة وإيطاليا عاشرة، وهي الدول الكبرى في منطقة اليورو، وبلغت فاتورة وارداتنا منها 60 بليون ريال تقريباً في 2010. الدولار أمام الإسترليني وبعكس ما ذكر عن الين واليورو، ومن الشكل رقم 5، يتبين أن الدولار بدأ الفترة منخفضاً، فكان الدولار يصرف في مقابل 0.646 إسترليني في كانون الأول (ديسمبر) 2002، وواصل انخفاضه حتى وصل إلى الحضيض أمام الإسترليني، إذ لم يكن الدولار يشتري أكثر من 0.48 إسترليني، أي أقل من نصف إسترليني، أواخر 2007. وفي منتصف 2008، بدأ الدولار ارتفاعه الملحوظ أمام الإسترليني ليسجل أفضل سعر صرف حينما بلغ 0.80 أمام الإسترليني في كانون الثاني (يناير) 2009. وعلى رغم انخفاضه بعد ذلك إلى أقل من 0.60 إسترليني، إلا أنه سرعان ما عاود الانتعاش، ليتراوح خلال السنوات الثلاث الماضية ما بين 0.64 و0.69 إسترليني، وهي ارتفاعات مقبولة أمام الإسترليني، مقارنة بالضعف الذي سجله الدولار أمام العملات الصعبة الأخرى. وبلغت فاتورة استيرادنا من بريطانيا في 2010 نحو 13 بليون ريال. الدولار أمام اليوان الصيني ربما يعتقد غير المتابع للأحداث أن علاقة ريالنا باليوان الصيني علاقة ثابتة لا تتغير بحكم ربط العملتين بالدولار، فهذا هو نصف الحقيقة، أما نصفها الآخر فهو أن العلاقة بين اليوان والدولار شهدت تغييرات خلال السنين العشر الماضية. ويتضح من الشكل رقم 6، أن الدولار كان يصرف ب8.2 يوان خلال الفترة من 2002 إلى 2006. لكن أميركا مارست ضغوطاً على الصين لرفع سعر عملتها أمام الدولار، إذ ترى الولاياتالمتحدة أن اليوان مقوم بأقل من سعره كثيراً أمام الدولار، ما جعل السلع الصينية تسيطر في شكل كبير على السوق الأميركية، إضافة إلى الفائض الكبير في ميزان المدفوعات لمصلحة الصين، لتبدأ بكين رفع سعر صرف يوانها أمام الدولار. وهذا ما حدث أواخر 2006 إذ رفعت الصين قيمة عملتها ليصرف الدولار ب 6.3 يوان. وبربط علاقة بين الريال واليوان، فقد كان الريال يساوي 2.1 يوان خلال 2002 - 2006، لكن الريال لا يساوي اليوم سوى 1.68 يوان، ما يعني أن ريالنا انخفض بنسبة رفع قيمة اليوان أمام الدولار، وأصبحت فاتورة استيرادنا من الصين أعلى بالقيمة ذاتها لرفع سعر العملة الصينية أمام الدولار. ومن الإحصاءات يتضح أن الصين، الدولة الثانية في ترتيب الدول التي نستورد منها بعد الولاياتالمتحدة، وبلغت فاتورة وارداتنا عام 2010 نحو 46.8 بليون ريال. الخلاصة: ربما يتساءل الشخص، ما الذي رفع أسعار كل الأشياء في سوقنا؟ والإجابة البديهية هو أننا نستورد كل شيء تقريباً. نحن ندفع كلفة التضخم في الأسواق التي نستورد منها، وهذا واضح جداًَ في ارتفاعات أسعار الغذاء في أسواق الدول المنتجة لها، وكان علينا أن ندفع أموالاً أكثر أمام التضخم الذي شهدته أسعار الغذاء. لكن ماذا عن الأقمشة، ماذا عن الشامبو، ماذا عن القرطاسية، والشنط، والسيارات، والأدوية... الخ؟ الملاحظ أن ارتفاعات أسعار هذه الأشياء كانت حول معدل التضخم الطبيعي في أسواق العالم الأخرى (من واحد إلى ثلاثة في المئة)، لكنها ارتفعت عندنا بنسب تصل إلى 20 و30 و50 في المئة نتيجة ضعف عملتنا الناتج عن فقد الدولار لما يقارب هذه النسب من قيمته أمام عملات الدول التي نستورد منها. أختم بالقول إنه في مصلحة الولاياتالمتحدة أن تكون عملتها ضعيفة، فهذا يزيد صادراتها ويقلل وارداتها، إلا أن هذه ليست حالنا، فليس لدينا ما نصدره سوى النفط، وليس في مصلحتنا حتماً أن يكون سعره منخفضاً. وبالتالي فإن إعادة تقويم سعر ريالنا وعملاتنا الخليجية الأخرى أصبحت أمراً محتوماً ولازماً، قبل أن نفقد أكثر، ونحمل اقتصاداتنا ما لا تطيق. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية.