رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    راية العز خفاقة    أمير المنطقة الشرقية يرعى منتدى الجبيل للاستثمار 2025    سمو أمير المنطقة الشرقية يدشّن مبادرة "الشرقية الخضراء"    المملكة واحة استقرار    انطلاق الدورة التاسعة والستين للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة برئاسة المملكة    ولي العهد يعقد جلسة مباحثات مع الرئيس الأوكراني.. ويناقش المستجدات مع روبيو    جيسوس: لا مجال للخسارة    التعاون لبلوغ نصف النهائي أمام تراكتور    الفوزان إخوان.. وهَبات من الخير    يوم العلم والكشافة السعودية    بلدية النعيرية تطلق فعاليات رمضان يجمعنا في نسختها الثالثة بمقر بسوق الأسر المنتجة    هل تنسحب أمريكا من حلف الناتو    الاتحاد الآسيوي لكرة القدم "دوران" رجل مباراة النصر والاستقلال الإيراني    أزمة مياه خانقة تضرب غزة    المملكة ترحّب باتفاق دمج المؤسسات المدنية والعسكرية بشمال شرق سوريا    استضافة نخبة من الإعلاميين والمؤثرين في "إخاء عسير"    ولي العهد والرئيس الأوكراني يعقدان جلسة مباحثات رسمية    رانج المحدودة تنظم إفطارًا رمضانيًا لشركاء النجاح بجازان    الخليج وصيف الدوري السعودي الممتاز لكرة الطاولة    وزير الصناعة والثروة المعدنية يلتقي قادة الأكاديميات والمعاهد الصناعية والتعدينية    عبدالعزيز بن سعد يشيد في القفزات النوعية لأمانة حائل    هل تخدعنا التفاصيل؟    أمير القصيم يبارك انطلاقة أمسية " تراحم " الرمضانية لدعم اسر السجناء والمفرج عنهم وأسرهم    التستر التجاري ونقص فرص شباب الوطن    التاريخ الشفهي منذ التأسيس.. ذاكرة الوطن المسموعة    أمير حائل يكرّم طلاب وطالبات تعليم حائل الفائزين بجائزة "منافس"    انطلاق منافسات بطولة التنمية الرمضانية السادسة بالبكيرية    11 مارس.. وطن مرفوع الرأس    جمعية الدعوة بأجياد توزع أكثر من 4000 مصحف مترجم على ضيوف الرحمن خلال العشر الأولى من رمضان    لتكن خيرًا لأهلك كما أوصى نبي الرحمة    لقد عفوت عنهم    "البصيلي": يلقي درسًا علميًا في رحاب المسجد الحرام    أبو سراح يطلق مجلس التسامح بظهران الجنوب    تعليم الرياض يحتفي بيوم العَلم    محافظ الطائف يُشارك أبناء شهداء الواجب حفل الإفطار    أمسية شعرية في ثلوثية الراحل محمد الحميد    مبادرة مواطن تحيي بيش البلد    250 مظلة متحركة بساحات المسجد النبوي    النصر يدك شباك الاستقلال بثلاثية.. ويتأهل لربع نهائي النخبة الآسيوية    %90 مؤشر الرضا عن أمانات المناطق    المكملات الغذائية تصطدم بالمخاطر الصحية    8 طرق لاستغلال شهر الصوم في تغيير النمط الغذائي    السعودية تحتفي غدًا بيوم العلم اعتزازًا بقيمه الوطنية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم حملة "صُم بصحة"    ملتقى القوى التأهيلي يتوج أبطاله    تدشين حملة "كيف حالهم 3"    الداخلية تصدر دليلًا إرشاديًا لأمن المعتمرين والمصلين في رمضان    الراية الخضراء.. انتماء ونجاح وثقافة وطن    نائب أمير المنطقة الشرقية: العلم السعودي رمز للوحدة والاعتزاز بالهوية الوطنية    في ختام الجولة 25 من " يلو".. النجمة والعدالة في صراع شرس على الوصافة    ملاحقة الفلول في الأرياف والجبال واتهامات لحزب الله بنشر الفتن.. سوريا.. هدوء حذر بالساحل ودعوات للحفاظ على السلم    وفد إسرائيل في الدوحة.. وويتكوف يصل غدًا.. «هدنة غزة».. جولة مفاوضات جديدة وتعقيدات مستمرة    مدير الأمن العام يرأس اجتماع اللجنة الأمنية بالحج    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد منطقة الطائف العسكرية    أبها للولادة والأطفال يُفعّل حملة "التطعيم ضد شلل الأطفال" و "البسمة دواء"    مستشفى خميس مشيط العام يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لجمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان التنموي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أحلام" نجيب محفوظ تضيء ظلمته الخفيفة
نشر في الحياة يوم 27 - 04 - 2005

يصرّ نجيب محفوظ على الكتابة، ولو بالاملاء، على سكرتيره الحاج صبري الذي يقرأ له الصحف يومياً. فمنذ ما يقارب ستة شهور تخلّى عن القلم نهائياً بعدما اشتد ضعف بصره وازدادت رجفة يديه. ولعل الكتاب الجديد الذي صدر له قبل أيام في القاهرة وعنوانه"أحلام فترة النقاهة"يضم آخر ما كتب من نصوص بخطّ يده الذي تضخم في الآونة الأخيرة تبعاً لعدم رؤيته السطور.
دأب نجيب محفوظ قبل سنوات على"تدوين"أحلامه التي يسميها أحلام النقاهة، لا سيما بُعيد شفائه من الاعتداء الذي تعرض له العام 1994. وهذه الأحلام التي وجد فيها حافزاً على الكتابة لا تشبه كثيراً الأحلام التي يبصرها المرء عادة خلال النوم، كونها نصوصاً مؤلفة عبر لعبة تخييلية جميلة. وإن بدت أحلام عدة تنتمي الى عالم اللاوعي والماوراء، فإن أحلاماً كثيرة تغدو أقرب الى القصص القصيرة جداً أو المشاهد السردية القصيرة التي تستبطن الذات وتسترجع لمحات من الماضي، البعيد والقريب. فالكاتب الذي يعيش في ما يشبه الظلمة الخفيفة جعل من تلك"الأحلام"نافذة يطل من خلالها على العالم. وليس من المستهجن أن تقترب أحلام غير قليلة من الواقع والحياة اليومية وأن تهيمن عليها النزعة الواقعية تارة والرمزية طوراً، ما يؤكد انتماء هذه الأحلام الى عالم محفوظ، القصصي والروائي الرحب. واللافت ان هذه النصوص الأحلام تشبه في بعض نواحيها، اللغوية والتقنية، نصوص كتاب"أصداء السيرة الذاتية"الذي كان أول ما صدر لمحفوظ بعد الاعتداء.
مَن يقرأ هذه"الأحلام"يشعر أن ما من خيط يفصل فيها بين الماضي والحاضر، بين الواقع والخيال، بين الوهم والحقيقة. وينجح محفوظ أيما نجاح في صوغ أحلامه وكأنها مشاهد قصصية مقطوفة قطفاً، بإيجاز تام وبعيداً من أي نزعة تفسيرية. فالنصوص قصيرة وقصيرة جداً في أحيان، تلمع كلقطات عابرة في المخيلة أو كذكريات منبثقة من عتمة الذاكرة.
يسرد محفوظ عبر"أنا"الراوي حيناً ويلجأ حيناً آخر الى فعل القصّ التقليدي، فيروي عن نفسه وكأنه بطل الحلم ثم يروي قصة يكون بطلها شخصاً آخر. انها التقنية القصصية يستخدمها محفوظ ببراعته التي لم تنل منها الشيخوخة مثلما نالت قليلاً من لغته أو عصبه اللغوي.
يبصر نجيب محفوظ نفسه مثلاً على درّاجة، جائعاً يبحث عن مطعم شعبي. وعندما يجد أحد المطاعم يكتشف أنه"خربة"مملوءة بالنفايات. أحياناً يبصر نفسه في محطة"الترام"منتظراً قطاراً يفوته، أو في المطار أو المكتب أو المستشفى... وأطرف أحلامه ذلك الذي وجد نفسه خلاله في جنازة لا يعرف أحداً من المشيعين فيها ولا الميت نفسه. يبصر أخته وقد أصبحت غريتا غاربو الممثلة الشهيرة، ويبصر سيد درويش وشكوكو وريّا وسكينة... وفي حلم قاتم يبصر جثمان أخته يتحول جثمان الفتاة التي يحبّها... انها أحلام حافلة بالمصادفات والمفاجآت والخوارق، فيها من العبثية ما فيها من السخرية السوداء: رجل يدخل شقته ويكتشف أنها ليست شقته، أستاذ ميت يتصل بتلميذه هاتفياً، عروس توقفها الشرطة في ليلة العرس، موتى يطلّون برؤوسهم... على أن أحلاماً عدة تصبح أقرب الى الكوابيس التي تقضّ مضجع"الحالم"فيقول:"خيّل اليّ ان شخصاً يتبعني". هذه"المطاردة"تتردد في بعض الأحلام مذكرة ب"كوابيس"الكاتب فرانز كافكا.
يصعب فعلاً حصر"أحلام"نجيب محفوظ التي بلغت في الكتاب مئة وستة وأربعين حلماً، فهي قصيرة وخاطفة ومملوءة رموزاً واشارات أو علامات. وان لم تكن تحتل مرتبة متقدمة في نتاجه الهائل فهي تمثل مفاتيح مهمة للأبواب الكثيرة التي يحفل بها عالمه الروائي الضخم، علاوة على كونها نصوصاً سردية تكشف ما توارى في دخيلاء محفوظ وأعماق لا وعيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.