يعتبر القاص حسن البطران من كتاب القصة القصيرة جدا، الذين يكتبون الواقع بصورة المتخيل الذي يسرد حكايته بآليات شعرية، ترقى في إبداعاته إلى مصاف هواجس الذات المسكونة بما يدور حولها، لتبدو في بعض الأحيان عصية على التأويل والتفسير، رغم أنه يضع فيها من اختزال الحدث وانزياح الواقع، والبعد الفكري، كل ما يتسق مع إيقاع الحياة. "الجسر الثقافي" التقى مع القاص البطران في إحدى الفعاليات التي شارك فيها في مكتبة الإسكندريه مؤخرا. ماذا أضافت لك الملتقيات الثقافية في الدول العربية؟ في المشاركات تبادل أفكار وخبرات وتوطيد لعلاقات شخصية، حيث إن النتاج بالإمكان قراءته عن طريق الكتب، وكانت أكثر المنتديات التي شاركت فيها بقراءات لأعمالي وعرض التجربة الشخصية، ومنها: ملتقى سوريا للقصة القصيرة، والملتقى العربي الأول في القاهرة عام 2009، والمنتديات التي عقدت في البحرين وقطر وأكثر من مؤتمر وملتقى بالمغرب والسودان. ما أسباب اتجاه بعض الكتاب للقصة القصيرة جدا؟ الإبداع ليس له مساحة أو إطار محدد، أنا أقرأ في أجناس القصة وأهوى الشعر والرواية، ولكني أكتب القصة القصيرة جدا؛ لأني أرى فيها أدب المستقبل، وهذا لا يعني أنها تنفي الأجناس الأدبية الأخرى لأن لكل جنس منهم متعته. هل "القصة القصيرة جدا" أشبه بلوحة الفن التشكيلي؟ بالفعل هي أقرب للوحة التشكيلية، فكل شخص يقرأها كما يريد لأنها مفتوحة الجدار والمعنى، فالأديب يشتغل على رمزية، فيما القارئ يشاركه في النص ومعناه؛ لكونه يشترك مع الكاتب في كتابة النص وتفسيره، فكل قارئ يفسر النص كما يريد، ويعتبر القارئ على صواب. في رأيك متى تنتشر "القصة القصيرة جدا"؟ من طبيعة الأجناس الأدبية بأن لها فترة اشتعال وانتشار، كانت لعقود طويلة الشعر ثم جاءت الرواية، وأخيرا بدات "القصة القصيرة جدا" وهي أكثر الأجناس انتشارا حاليا، إلا أنها لم تصل لدرجة النضج، رغم أن عدد كتابها كثيرون ما جعلها مرحلة (كم وليس كيف). هل الشبكة العنكبوتية سبب ظهور القصة القصيرة جدا؟ القصة القصيرة جدا ظهرت منذ فترة طويلة، والإرهاصات الأولية للظاهرة ساعدت على بزوغ هذا الفن السردي التجريبي في أشكاله المعاصرة، فيما ساهمت الشبكة العنكبوتية في وجوده بغزارة، وقد ظهرت أسماء سجلت في المشهد بصمات قوية، مما دفع الكثيرين لخوض التجربة، وهذا أدى لصدور عدة مجلات متخصصة في القصة القصيرة جدا أو الومضة. مادور الصحافة الأدبية في تعريف القارئ بها؟ كان لها دور كبير في بلورة هذه النوعية القصصية، ووضعها على خارطة المشهد السردي بشكله الحالي، مما شجع على استخدامه كمادة صحافية محدودة، تجذب في قصرها وسرعة قراءتها جمهور القراءة قبل أن تكون الحاجة إليها حاجة أدبية، وهو ما فرضها على الصفحات الأدبية والثقافية في شتى البلدان. ما هو الاختلاف بين "القصة القصيرة جدا" و"القصة القصيرة"؟ هناك اختلاف كبير بينهم كاختلاف "القصة" عن "الرواية"، و"القصة القصيرة" عن "القصيرة جدا"، وكل متتبع لهذا الاجناس يعي هذه الفروقات، مع ضرورة ملاحظة ان الفرق ليس في عدد الصفحات والكلمات ولكن في أسس معينة، مثل: الرمزية: والكثافة اللغوية والدهشة، وأحيانا تشترك "القصة القصيرة جدا" مع "القصة القصيرة" في الحكاية. لماذا أطلق عليها مصطلح "القصة القصيرة جدا"؟ تحتوي "القصة القصيرة جدا" على سمتين رئيستين هما القصصية والقصر الشديد، ولا أحد ينكر أننا أمام فن أدبي أثبت حضوره وجدواه يوما بعد يوم، كما أن مرونته ستتيح له ترسيخ وتطوير ذاته، فيما تسمح للكاتب والمتلقي بحرية في الحركة والإبداع والتحليل والتأويل. أين "القصة القصيرة جدا" من المشهد القصصي في العالم العربي؟ لا شك أن هناك تأثيرا على المشهد القصصي في العالم العربي؛ بسبب ظهور "القصة القصيرة جدا"، خاصة بعد انتشارها في العالم من أوروبا وامريكا حتى وصلت للساحة العربية، وبدأ الجميع دون استثناء في تجربة الكتابة في هذا المنحى، حتى إن نجيب محفوظ قد لجأ إلى هذه الصبغة المبتسرة في نصوص (أحلام فترة النقاهة)؛ ليجسد من خلالها نصوصا من القصر والتضمين ما ختم به مشواره الإبداعي الكبير، كما ظهر عدد من المتخصصين فيها في عالمنا العربي وأذكر منهم مصطفى لغتيري في المغرب، وفهد المصبح وخالد اليوسف في السعودية، ووليد الرجيب في الكويت، وسعود قبيلات في الأردن، وأسماء أخرى كثيرة. هل نستطيع إطلاق "القصة التويترية" على "القصة القصيرة جدا"؟ اعتقد بأن ذلك خطأ كبير، لأن "تويتر" إحدى قنوات التواصل الاجتماعي: كالفيس بوك والمدونات، وهي حقول للنقل، وليس لها أساس بالإبداع، ويمكن لنفس "القصة القصيرة جدا" أن تنشر في صحيفة أو مجلة. في السعودية هل شاركت في أي مسابقة في "القصص القصيرة جدا"؟ لا يوجد مسابقات في السعودية لهذا النوع من الأدب؛ لكونه لا يزال وليدا، ولكن تم تكريمي عدة مرات في السودان ككاتب عربي متميز عام 2011، وفي المغرب عام 2012، وفي مكتبة الإسكندرية في مصر عام 2013.