أصبح واضحاً ان الرئيس بشار الأسد عازم على اجراء تغييرات في بنية النظام السياسي لسورية، سواء تم ذلك من خلال المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، المزمع عقده مطلع شهر حزيران يونيو المقبل، أو من خلال سلطاته الدستورية كرئيس للجمهورية. بداية لسنا مع عقد هذا المؤتمر ونتمنى أن يتم اختيار أعضائه وهيئات الحزب وقيادته في شكل ديموقراطي وبانتخابات حرة ونزيهة، ولكن لا بد من أن يرافقه أو أن يتبعه مؤتمر وطني يدعى اليه كل أطراف العمل السياسي في سورية بمن فيهم أطراف المعارضة الوطنية أحزاباً وشخصيات ذوي كفاية وخبرة في الحياة العامة لوضع رؤية استراتيجية شاملة تكون الأساس لاعادة صوغ كل ما يتعلق في شؤون البلاد بدءاً من الدستور وانتهاء بالتفاصيل، وليكن العنوان الرئيس لهذا المؤتمر هو"سورية الدولة الوطنية". ان الأولوية اليوم يجب أن تكون للبناء الداخلي لكل قطر من الأقطار العربية، هذا البناء الذي يجب أن يتم ضمن اطار ديموقراطي تلعب فيه النخب السياسية الوطنية المخلصة دورها في توعية مواطنيها وارشادهم الى الطريق الصحيح، ومن هنا تأتي أهمية وضرورة الاسراع في عقد المؤتمر الوطني ليؤسس لبناء سليم ضمن اطار ديموقراطي يكون فيه الوطن للجميع. ولنعترف أن صيغة الجبهة الوطنية التقدمية لم تعد اليوم وفي ظل المتغيرات الدولية، الصيغة الأمثل لتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية، فأحزابها غير قادرة على التأثير في الحال السياسية والعامة للبلاد بسبب ضعفها وتراجع حجمها التنظيمي وأدائها السياسي وعدم تمكنها من المساهمة في حل مشكلات الشعب وهمومه، هذا الشعب الذي يرى في هذه الأحزاب مرتعاً خصباً لتحقيق المصالح الشخصية. وهذا الواقع يفرض عليها اعادة بنائها التنظيمي والفكري والسياسي بالطرق الديموقراطية. وحتى تنبعث الحياة السياسية في سورية من جديد وفي شكل جاد لا بد من الاسراع بإصدار قانون الأحزاب ليكون المدخل الحقيقي لحياة سياسية فاعلة، ولتبقى صيغة الجبهة الوطنية التقدمية صيغة تحالف بين أحزابها. ولا يجوز أن تبقى هذه الصيغة كمؤسسة حكم يعمل فيها الأمناء العامون لأحزابها موظفين يتقاضون رواتب ويحصلون على امتيازات. ندرك جميعاً خطورة ما آلت اليه الأوضاع على الساحة العربية في ظل نظام عالمي أحادي تحاول أميركا السيطرة عليه سيطرة كاملة، وتحاول اسرائيل استغلال هذا الواقع لتنفيذ مخططاتها وتحقيق سيطرتها على المنطقة بكاملها من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير وغيره. ولا نعتقد أن أحداً من العرب يرغب في معاداة أميركا اذا ما كانت راعية"محايدة"و"عادلة"للسلام، هذا السلام الذي لن يتحقق الا بضغط أميركي على اسرائيل لتلتزم بقرارات الشرعية الدولية، هذا السلام الذي لا يبدو ان اسرائيل جادة في تحقيقه سلاماً عادلاً وشاملاً، وهو وان تحقق لن يحميه الا وجود قوة لدى العرب تردع اسرائيل وتمنعها من التمادي على حقوق العرب وأراضيهم وثرواتهم. على العرب أن يدركوا ? حكاماً ومحكومين ? أن لا بديل من الديموقراطية لحماية الأوطان واعادة بنائها الداخلي ليكون الوطن وخيراته للجميع، ولا يجوز في حال من الأحوال ان يتذرع بعضهم بأن الديموقراطية التي تأتي من الخارج لا تناسبنا، فالديموقراطية هي بالتأكيد ليست قالباً جاهزاً يمكن استيراده أو اقتناؤه ولكنها بالتأكيد عبارة عن مفاهيم وقيم ومبادئ معروفة يمكن الاهتداء بها بغض النظر عن كونها واردة من هنا أو من هناك. ان الديموقراطية تضمن حماية السيادة والاستقلال الوطني والأمن القومي. وكفانا كلاماً وتنظيراً ولنبدأ بالعمل الجاد والمخلص لتحقيق هذا المشروع الوطني الكبير وبلورة ميثاق وطني من خلال مؤتمر وطني أصبح عقده ضرورة وطنية ومصيرية. وعلينا ان ندرك ان من دون محاسبة ومساءلة وشفافية لن نستطيع إعادة البناء في شكل سليم. وما نخشاه ان يتمكن هؤلاء الذين يجب أن يحاسبوا ويلاحقوا من التسلق الى مواقع السلطة من خلال نفوذهم المالي والاقتصادي وبغطاء"عولمي"... وأن يصبح الفاسدون والمنافقون هم أنفسهم المصلحون. سياسي سوري.