سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تعديل ميثاقها انسجاماً مع"تطورات العصر"... ونقلة كبيرة متوقعة في مؤتمر "البعث" المقبل . "الجبهة التقدمية" في سورية تفعل حضورها وقانون الأحزاب خطوة لتنشيط الحياة السياسية
يؤكد المسؤولون السوريون أن الإصلاح الذي يجري في البلاد أوسع وأشمل من اختصاره بالجوانب الاقتصادية كإنشاء المصارف وتوحيد سعر الصرف ودمج الشركات والمؤسسات العامة أو التعليمية كالترخيص لتسع جامعات خاصة وتطوير المناهج، لتطاول العملية المجال السياسي أيضاً وخصوصاً ما يتعلق بتطوير "الجبهة الوطنية التقدمية"، الائتلاف الذي يجمع الأحزاب السياسية المسموح لها العمل في سورية وحزب البعث العربي الاشتراكي. وإذا كان "البعث" شهد في العامين الماضيين محاولات تطوير شملت خصوصاً فصل "الحزب عن السلطة" وتشكيل لجنة من القيادة القطرية لتطوير الحزب فكرياً وتنظيمياً انطلاقاً من أسئلة طرحت على مئات آلاف البعثيين "وتكليف أربع لجان أخرى البحث في أهداف الحزب" والجوانب التنظيمية، فإن التوقعات تشير إلى ان النقلة الأكبر ستتم خلال المؤتمر المرتقب للحزب مطلع الصيف المقبل الذي يأتي وسط أسئلة كبيرة على سورية الإجابة عليها داخليا وإقليمياً ودولياً. الجانب الآخر والاهم من "الإصلاح السياسي" موقع الجبهة نفسها التي ارتفع عدد أعضائها من خمسة أحزاب وقعت ميثاق التأسيس في الثاني من آذار مارس 1972 إلى تسعة حالياً هي: البعث، والاتحاد الاشتراكي العربي، والحزب الشيوعي السوري خالد بكداش والشيوعي السوري يوسف فيصل، وحزب الوحدويين الاشتراكيين، وحركة الاشتراكيين العرب، والحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي، وحزب العهد الوطني، وحزب الاتحاد العربي الديموقراطي. وللمرة الأولى منذ تأسيسها توصلت أحزاب الجبهة العام الماضي إلى تعديل ميثاقها الأساس بل وربما" تضع صيغة ثالثة للميثاق بحسب الظروف" كما يؤكد الأمين العام ال"الوحدويين الاشتراكيين" فائز إسماعيل، مشيراً في ندوة أقامتها دار البعث وموقع الحزب على الإنترنت أخيراً إلى ان التطوير في الميثاق الجديد ليس كاملاً بل" تمت إضافة ما يتوافق مع معطيات العصر". والتوافق مع تلك المعطيات يشمل، كما يتضح من التعديل،التأكيد على "مبدأ التعددية والديمقراطية" والسماح لأحزاب الجبهة التسعة بالعمل في أوساط الطلاب في الجامعات السورية مع استمرار تعهدها باستثناء حزب البعث بألا تقوم ب"أي تنظيم أو نشاط حزبي، أو تكتل داخل الجيش والقوات المسلحة" وإلغاء عبارة "لا صلح ولا تفاوض مع الدولة الصهيونية لصالح "تحرير الأراضي العربية المحتلة بعد الخامس من حزيران يونيو ك"هدف استراتيجي". والإشارة الأخيرة تبدو تحصيلاً حاصلاً باعتبار أن سورية دخلت بالفعل عام 1990 مفاوضات سلام مع إسرائيل على أساس آلية مدريد القائمة على القرارين 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وأعطى الإقرار بمبدأ التعددية إشارة مهمة إلى خيارات الدولة الاقتصادية، فبعد نحو 40 عاماً من سيطرة الدولة على مجالات الاقتصاد الرئيسة بدا واضحاً خلال الأعوام الأربعة الماضية وجود تحولات أساسية نحو "اقتصاد السوق" فظهرت المصارف الخاصة وقريباً سوق للأوراق المالية وطرح الشركات العامة الخاسرة للاستثمار وانضمام سورية الى اتفاقات لتحرير التجارة كالشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة الحرة العربية . الاشتراكية والعدالة الاجتماعية وأضحت "الاشتراكية" المبدأ الاساس الذي تتبناه أحزاب الجبهة أقرب الى مفهوم "العدالة الاجتماعية" ومراعاة تلك التعددية التي باتت أمراً واقعاً في الحياة الاقتصادية السورية كما يقول الأمين العام للشيوعي السوري يوسف فيصل مذكراً بأن الجبهة وصفت بالتقدمية لارتباطها ب"الاشتراكية كمحتوى اجتماعي ومفهوم اقتصادي وقطاع عام". والنقاط "التطويرية" التي يعتقد كثير من المثقفين والحزبيين السوريين أنها "غير كافية" تضاف في واقع الأمر إلى جملة تغييرات ذات "صفة إجرائية" ظهرت بالفعل الى حيز الواقع وشملت تفعيل دور فروع تلك الأحزاب في المحافظات والطلب منها ترشيح من لديه الإمكانية لشغل المواقع القيادية في الحكومة من وزراء ومديرين عامين فضلاً عن السماح لتلك الأحزاب بإصدار صحف خاصة بها "النور" للشيوعي و"الوحدوي" للوحدويين الاشتراكيين و"اليقظة" الحركة الاشتراكيين العرب. وهي على رغم تواضعها وقلة إمكاناتها وقربها من صبغة "البيان السياسي" تقدم إشارة مهمة وضرورية للشارع السوري بوجود قوى سياسية لديها برامجها وهويتها المختلفة و"تساهم في تحديث الخطاب السياسي المتسم بالمبدئية والثوابت" و"تعكس ما يدور داخل تلك التنظيمات من نقاشات وآراء لا تنقلها الصحف المركزية الثلاث "البعث" و"تشرين" و"الثورة" كما يشير الفيصل، ويلفت إسماعيل إلى خطوة أخرى تمثلت بقيام أعضاء القيادة المركزية للجبهة الأمناء العامون لأحزابها بجولات على محافظات القطر للاستماع إلى أراء الكوادر والفعاليات السياسية والشعبية والاجتماعية على المستويات المحلية فضلاً عن الاجتماع الدوري لقيادات الجبهة وفروعها والذي يستضيف كل القيادات السياسية والاقتصادية والحكومية ويتم خلاله استعراض خطط الحكومة وسياساتها. لكن هذا النشاط الذي يبدو إنجازا أساسياً لتلك الأحزاب المؤتلفة لا يجد دوماً صدى واهتماماً من المستويات الشعبية "التي لا تعلم بوجود تلك الأحزاب وبحضورها إلا في المناسبات الاحتفالية" كما أشار بعض المثقفين في ندوة "دار البعث" متسائلين عن دورها في استيعاب العدد الأكبر من الناس الموجودين خارج أطرها وفي الدفاع عن مصالح ابنائها ومستقبلهم في ظل التحول نحو "اقتصاد السوق" مما يهدد الحامل الاجتماعي لهذه الأحزاب المؤلف بغالبيته من عمال وفلاحين وموظفين ومثقفين. وربما الانتقاد الأبرز والحاد الذي يوجه لتلك الأحزاب، باستثناء البعث ، يتعلق بفعاليتها وحياتها الداخلية خصوصاً بعد الانقسامات التي شهدتها تلك الأحزاب على مدى العقود الثلاثة الماضية؟؟ ويقول الفيصل إن مفهوم "اقتصاد السوق" الذي يجري تداوله الآن في سورية ليس دقيقاً وينقل عن الرئيس بشار الاسد خلال لقائه قيادة الشيوعي أن أي بناء اقتصادي يجب ألا يكون موجهاً ضد الطبقات الفقيرة كما ان المصاعب التي يواجهها القطاع العام لا تعني إلغاء هذا القطاع بل يجب العمل على إصلاحه وإعادته الى دوره في بناء الوطن، وفيما يرفض الفيصل وجود أساس "طبقي" واحد لأحزاب الجبهة لكنه يشير إلى وجود أهداف فكرية واجتماعية متشابهة لهذه الأحزاب، ويؤكد الأمين العام للاتحاد الاشتراكي العربي صفوان قدسي أن الأحزاب المؤتلفة في الجبهة تمثل حالياً الشرائح الأوسع والأعرض في المجتمع السوري من دون أن نلغي حق الآخر بالتعبير عن نفسه. ويؤكد قدسي أن الجبهة هي شكل من أشكال التحالف لكنه تحالف استراتيجي بعيد كل البعد عن التحالفات التكتيكية التي تمليها الظروف الطارئة رافضاً تهمة "الطابع الذاتي والفردي" للانقسامات التي شهدها بعض أحزاب الجبهة خلال العقود الثلاثة الماضية. ويشير الى ان "الاتحاد الاشتراكي العربي" اختلف عام 1973 مع جمال الاتاسي حول "مسألة سياسية وموقف فكري جوهري يتعلق بالبقاء أو الخروج من الجبهة"، مضيفاً "ان الحزب أقر بالبقاء في الجبهة والاتاسي خرج" وكان هذا عنوان كبير للخلاف. ومع إقرار الفيصل بوجود أسباب موضوعية للخلاف من حيث التطور الفكري يؤكد أن حالات الانقسام التي شهدها الحزب الشيوعي كان يمكن تلافيها لو تصرفت القيادة حينه تصرفاً حكيماً، بمعنى أن تعطي الرأي الآخر حقه في الحياة ولا تعتبره رأياً تخريبياً". وتعول أحزاب الجبهة وبعض المثقفين الكثير على صدور قانون للأحزاب ينشط الحياة السياسية في البلاد ويدفع كل حزب منها لتنشيط حياته الداخلية ، وعلى رغم تأكيد قدسي أن الجبهة تمثل الطيف الأهم والأوسع في البلاد الا أنه يقر في الوقت ذاته بإمكانية نشوء قوى جديدة "قد تقوم بدور كبير خلال المستقبل". ويشير الأمين العام ل"الاشتراكي" الى أن قانون الاحزاب عند صدوره "سيكشف حقائق كثيرة ويظهر إن كان هناك قوى سياسية جديدة" لكن في الوقت ذاته لن تكون الجبهة مفتوحة الابواب أمام أيا كان بل "يمكن أن تنظم أطراف أخرى بحسب أحكام هذا النظام"، وفضلاً عن ذلك يؤكد الأمناء العامون أن" قانون الأحزاب الذي درس ونوقش في الجبهة لن يتيح تأسيس أي حزب إن لم يكن حزباً للوطن "كما يؤكد الفيصل، مضيفاً "إذا لم يكن الحزب للوطن عندها ستكون الفتنة لذلك يجب أن تؤسس الأحزاب على أساس وطني وليس ديني أو عشائري أو طائفي"، لافتاً في الوقت ذاته الى "أنه يرى من الممكن إنشاء جمعيات ثقافية لأبناء القوميات لكن على أن يمارسوها كمواطنين سوريين". ويذهب قدسي في منحى مشابه، مشيراً الى "أن الاتحاد الاشتراكي يرى أن قيام أحزاب على أساس ديني أو عرقي سيقودنا الى أبواب جهنم"، مضيفاً أن هذه "مسألة في منتهى الخطورة لأننا نكون نسعى بأنفسنا الى تفتيت مجتمعنا الى أعراق وطوائف". أحزاب الجبهة تؤكد أهمية الدور المناط بها في هيكلية النظام السياسي للبلد، مع ملاحظة يشير إليها الامناء العامون بعدم وجود فهم دقيق لهذا الدور في ظل التركيز الإعلامي على دور القيادة المركزية فقط وإغفال الحياة السياسية والحزبية في الأطراف، وفيما يتحدث قدسي عما سماه "ضعف الثقافة الجبهوية عموماً لدى كوادر أحزابها بما فيها البعث" يلفت الفيصل الى أنه لمس في الاجتماع الدوري الأخير الذي عقد أواخر العام الماضي "عدم إطلاع كثير من الحضور على الميثاق الجديد للجبهة وهم على مستوى قيادات محلية في المحافظات"، مشيراً الى "ان تطوير الفروع هو الحلقة الأساسية في تطوير عمل الجبهة فضلاً عن أن هذه الفروع هي ذات الصلة المباشرة واليومية بالمواطنين". التطوير أصاب الجبهة بجوانب مهمة كما تؤكد أحزابها، لكن أسئلة كثيرة يطرحها مثقفو تلك الأحزاب بالدرجة الأولى عن مدى قوة الحياة السياسية وفعاليتها داخل التنظيمات انطلاقاً من ان تطوير هذا الائتلاف يبدأ بتطوير الأحزاب ذاتها، فضلاً عن إصدار قانون للأحزاب يفعل حياة البلاد السياسية.