ما ان كُشف عن الصيغة التي تقرر اعتمادها للنقاش التلفزيوني الذي يجريه الرئيس الفرنسي جاك شيراك غداً الخميس مع مجموعة من الشباب الفرنسي حول الدستور الاوروبي الجديد، حتى تحول قصر الاليزيه الرئاسي محوراً لانتقادات واحتجاجات متعددة المصادر والأهداف. وكان شيراك قرر خوض هذا النقاش مفتتحاً حملة من أجل التصويت الايجابي على الدستور الاوروبي الجديد الذي سيطرح على الاستفتاء في فرنسا في 29 ايار المقبل. وتعمد الرئيس الفرنسي بذلك وضع ثقله كاملا الى جانب الداعين للتصويت ب"نعم"لهذا الدستور، خصوصاً ان الاستطلاعات المتكررة، وآخرها استطلاع صحيفة"لوفيغارو"امس، تشير الى تأصل التصويت السلبي على الدستور وسط الرأي العام الفرنسي. اذ أظهر استطلاع"لوفيغارو"مجدداً ان نسبة ال"لا"مستقرة عند 53 في المئة في حين ان نسبة مؤيدي الدستور تراوح عند 47 في المئة من الرأي العام. وأملاً باثارة التعبئة والحماس حيال الدستور وحض الفرنسيين على تأييده، رأى شيراك ان من المفيد ان يتولى شخصياً شرح مزاياه وتوضيح اهميته في اطار اوروبا الموسعة والتي باتت مكونة من 25 عضواً وبحاجة بالتالي الى مؤسسات واساليب في اتخاذ القرارات، مختلفة عما كانت عليها عندما كان عدد اعضائها 15 عضواً. وارتأت كلود شيراك ابنة الرئيس والمسؤولة عن صورته في الاعلام، عدم اعتماد اسلوب المقابلة الكلاسيكية بين شيراك وصحافيين، وانما اختيار عينة من 84 شاباً من آفاق اجتماعية وثقافية وسياسية مختلفة، يتولون استيضاحه بشأن الدستور الاوروبي. واختيرت القناة الاولى لنقل وقائع النقاش الذي سيدور في قاعة الاحتفالات في الاليزيه، ويديره الصحافي الشهير في هذه القناة باتريك بوافر دارفور، كما اعتبرت كلود شيراك انه قد يكون من المجدي اشراك بعض الوجوه التلفزيونية البارزة من الأقنية الاخرى وتحديداً القناتين الحكوميتين الثانية والسادسة وقناة"ام 6"المستقلة. لكن هذا الاسلوب غير التقليدي، الذي ربما أريد منه ابراز الطابع الاستثنائي للحدث، سرعان ما أثار حفيظة جمعيات الصحافيين العاملين في الاقنية المعنية فدانت ما وصفته ب"انتصار التسويق السياسي والاعلام الاستعراضي"، معتبرة ان الصيغة المعتمدة لتنظيم النقاش تتنافى مع الحياد الاعلامي المطلوب اعتيادياً، مطالبة اداراتها بفرض اشتراك صحافيين من هيئات التحرير التابعة لها في جلسة المناقشة بدلاً من الاكتفاء بالوجوه التلفزيونية ذات الشعبية في اوساط الرأي العام. واعتبرت ان انصياع اداراتها لمطالب القناة الاولى في التلفزيون الفرنسي والجهاز الاعلامي في قصر الاليزيه مثير للصدمة ويستدعي الاحتجاج الحاد. وانطلقت الاحتجاجات السياسية من حق الداعين للتصويت سلباً على الدستور الاوروبي، الذين ركزوا مأخذهم على الاسلوب الذي يعتمده شيراك للتأثير في الناخبين، وحض الرافضين منهم للدستور الاوروبي على مراجعة حساباتهم. وفي هذا الاطار اشار النائب الاشتراكي هنري ايمانويلي الى ان شيراك"يلجأ الى اخراج مهين"يضرب عرض الحائط"بأبسط قواعد أخلاقيات المهنة"، بما يظهر الفرق كاملاً بينه وبين الرئيس الراحل فرانسوا ميتران الذي خاض الحملة من أجل معاهدة ماستريخت للوحدة الاوروبية عبر جدل تلفزيوني مع أحد معارضي المعاهدة. اما النائب اليميني فيليب دوفيلييه، الذي يعارض مثله مثل ايمانويلي الدستور الاوروبي، فاعتبر ان شيراك اختار النقاش مع الشباب لأنه"يفتقر للحيوية التي يستدعيها النقاش مع الناضجين. ووسط هذه الضجة، المهم بالنسبة الى شيراك ومؤيدي الدستور الاوروبي الموزعين مثلهم مثل الرافضين على القوى اليمينية واليسارية في آن معاً، ان يساعد النقاش التلفزيوني في انطلاقة ايجابية لحملة المؤيدين، مما يجنب أوروبا بأكملها انتكاسة فادحة نتيجة رفض الفرنسيين للدستور.