من المعروف مسبقاً أن الأصوات الايجابية ستفوق الأصوات السلبية، في الاستفتاء الذي تشهده فرنسا اليوم الأحد على خفض الولاية الرئاسة من 7 إلى 5 سنوات. ومن المعروف أيضاً أن هذا الاستفتاء قد يتسم بنسبة قياسية من الممتنعين عن التصويت، يتوقع البعض أن تفوق النسبة القصوى التي سجلت خلال الاستفتاء على وضعية كاليدونيا الجديدة عام 1988، وبلغت حينئذ 11.63 في المئة من الناخبين. وتشير استطلاعات الرأي المختلفة إلى أن نسبة الذين سيدلون بأصواتهم ستراوح بين 35 و40 في المئة من الناخبين، وان غالبية هؤلاء ستصوت ب"نعم" على السؤال المطروح. على رغم الأهمية الدستورية والسياسية للنتيجة التي ستترتب على الاستفتاء، فإن عدم اكتراث الفرنسيين إليه يشكل نتيجة طبيعية للحملة الفاترة وشبه العديمة التي سبقته. فالتوافق الذي حصل في حزيران يونيو الماضي بين رئيس الجمهورية جاك شيراك اليميني ورئيس الوزراء ليونيل جوسبان الاشتراكي، على اقتراح خفض مدة الولاية الرئاسية، وضع هذا الاقتراح خارج نطاق الاستقطاب التقليدي بين اليمين واليسار، وخارج إطار معادلة الربح والخسارة التي يمكن لأي منهما تحقيقها. وبالتالي فإن أياً من شيراك وجوسبان لم يبذل جهداً أو اندفاعاً لتعبئة الناخبين وتوضيح مغزى تصويتهم الايجابي أو السلبي في الاستفتاء. اكتفى شيراك والمسؤولون في حزبه "التجمع من أجل الجمهورية" بتكرار الموقف القائل بأن خفض ولاية الرئيس إلى خمس سنوات، يضفي المزيد من الحداثة على هذه المؤسسة ويجعلها على انسجام مع البرلمان المنتخب لمدة خمس سنوات. أما جوسبان ومسؤولو الحزب الاشتراكي، فأشاروا إلى أن التصويت بالايجاب في الاستفتاء مهم، لأن خفض مدة ولاية الرئيس خطوة أولى نحو عملية تحديث شاملة للمؤسسات الدستورية الفرنسية. وفي ما بدا حزبا "الاتحاد من أجل الديموقراطية الفرنسية" و"الديموقراطية الليبرالية" اليمينيان غائبين تقريباً عن الحملة، فإن "حركة المواطنين" المنشقة عن الحزب الاشتراكي بزعامة وزير الداخلية السابق جان بيار شوفينمان، بدت مستنكفة عن المشاركة في الحملة من أجل الاستفتاء. بالمقابل، رأت أحزاب أخرى، ان غياب التجاذب اليميني - اليساري حول الاستفتاء مناسبة للتمايز بمواقف خاصة بها، لكن هذه المواقف جاءت عشوائية وملتبسة. إذ دعا حزب أنصار البيئة "الخضر" الناخبين إلى التصويت إما بالايجاب أو بورقة بيضاء، فيما دعا الحزب الشيوعي إلى ما سماه "الامتناع النشط" عن التصويت، وانفرد "التجمع من أجل فرنسا"، الذي يتزعمه وزير الداخلية اليميني السابق شارل باسكوا، و"الجبهة الوطنية الفرنسية" اليمين المتطرف بالدعوة إلى التصويت ضد خفض الولاية الرئاسية. وكان من المتوقع أن تشهد الحملة في الأسابيع القليلة التي سبق الاستفتاء، بعض الحرارة، إلا أن الطبقة السياسية والرأي العام على حد سواء فضلا التغاضي عنها والاهتمام بقضايا أخرى أكثر إلحاحاً. فمع عودة النشاط السياسي إلى البلاد بعد العطلة الصيفية، انهمكت فرنسا بالأزمة التي أثارتها طروحات جوسبان حول مصير جزيرة كورسيكا وانتهت باستقالة شوفينمان الذي عارض هذه الطروحات. وتبع هذه الأزمة نقاش أثارته التخفيضات الضريبية التي اعتمدها وزير المال لوران فابيوس، التي ما لبثت ان ازيحت جانباً تحت وطأة الاضرابات والاحتجاجات التي نجمت عن ارتفاع أسعار المحروقات. وجاءت الشهادة التي نشرتها صحيفة "لوموند" للمقاول جان - كلود ميري، التي سجلها على شريط فيديو قبل أربع سنوات من وفاته في العام الماضي، ويتهم فيها العديد من السياسيين، في مقدمهم شيراك، باعتماد أساليب غير منظورة لتمويل أحزابهم، فغيبت الاستفتاء تماماً عن اهتمام الرأي العام. في هذه الأجواء، وفيما لم تكلف غالبية الأحزاب الفرنسية نفسها طبع ملصقات ونشرها على اللوحات المخصصة لذلك أمام مراكز الاقتراع، فبقي معظم هذه اللوحات فارغاً، لم يجد شيراك في حديث إلى إحدى القنوات التلفزيونية ما يقوله لحض الناخبين على التوجه إلى الصناديق سوى "لدى كل منكم عشر دقائق يمكنه اضاعتها".