اجتاز دستور الاتحاد الاوروبي أول عقبة رئيسية بفوزه بتأييد الاشتراكيين المنقسمين في فرنسا لكن تلوح عقبات أخرى في الافق على طريق تصديق دول الاتحاد البالغ عددها 25 دولة عليه. ومن المحتمل أن يثبت أن اقناع الناخبين البريطانيين المتشككين في التوجه الاوروبي والناخبين الدنمركيين بتأييد الخطوة الكبيرة التالية على طريق الاندماج الاوروبي أكثر صعوبة بل ان الهولنديين وهم تقليديا من الاعضاء المؤسسين المؤيدين للاتحاد الاوروبي يشيع بينهم مزاج ساخط على أوروبا. جميع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي متساوون لكن فرنسا هي ركيزة للاندماج الاوروبي منذ البداية. ومن ثم كان الاتحاد الاوروبي يراقب بقلق تصويت الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يضم 120 ألف عضو. والتصويت بالرفض كان من شأنه أن يؤدي الى أزمة ثقة في كل ارجاء أوروبا ويشير الى احتمال أن ترفض دولة مؤسسة الدستور في استفتاء عام من المقرر أن يجرى العام المقبل. وكان من المحتمل أن تقتل (لا) الفرنسية الدستور لسنوات عدة كما قتلت خطوات لانشاء جماعة أوروبية للدفاع في الخمسينات. قال بول نيروب راسموسين رئيس وزراء الدنمرك الاسبق رئيس حزب الاشتراكيين الاوروبيين هذا التصويت ليس شأنا حزبيا داخليا قليل الاهمية.. انه تصويت كان من المحتمل أن يضع عقبة خطيرة في عمل الاتحاد الاوروبي. ويضع تصويت الحزب الفرنسي (بنعم) بفارق كبير يبلغ حوالي 18 بالمائة اتجاها للناخبين في أماكن أخرى وقد يشعر الرئيس الفرنسي المحافظ جاك شيراك بانه في وضع امن ليحدد موعدا للاستفتاء في كل فرنسا قبل الصيف المقبل. وربما يساعد هذا التصويت على نزع أسلحة الانتقاد اليساري في دول أخرى لان الحزب الفرنسي المعارض يقف على يسار الحركة الاشتراكية الاوروبية كما أن له نفوذا تتجاوز حجمه. قال راسموسين بهذا التصويت ب(نعم) لدينا أفضل بداية متصورة من أجل حملتنا للموافقة على الدستور في فرنسا وفي ارجاء أوروبا. ومن الممكن سماع المفوضية الاوروبية وهي تتنفس الصعداء. وصرح جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الاوروبية بان تصويت الاشتراكيين دلالة جيدة بالنسبة لموافقة الفرنسيين ككل. وقالت متحدثة باسمه فرنسا تمثل عنصرا رئيسيا في بناء اوروبا وسيكون لاشارة الاشتراكيين الفرنسيين -في رأي الرئيس باروزو- صدى في ارجاء الاتحاد الاوروبي. وينص الدستور الاوروبي على تعيين رئيس لفترة طويلة للمجلس الاوروبي الذي يضم زعماء الدول الاوروبية ووزير خارجية للاتحاد الاوروبي كما ينص على اندماج عسكري أكبر وكلمة أقوى للبرلمان الاوروبي واتخاذ القرارات بأغلبية الاصوات على أساس نظام للتصويت أكثر مساواة. ويقول المعارضون اليساريون ان الدستور الجديد سيدخر الكثير لرأسمالية السوق الحرة في أوروبا دون أي ضمانات للحماية الاجتماعية. ويقول المعارضون من اليمين والمعارضون للوحدة الاوروبية انه يعطي لبروكسل سلطات أكبر. ومن المقرر أن تجري كل من بريطانيا والدنمرك استفتاء على الدستور الاوروبي عام 2006. وتبين استطلاعات الرأي أن حوالي ثلثي البريطانيين يعارضون الدستور في الوقت الحالي لكن مساعدي رئيس الوزراء توني بلير يعملون على التأثير على النقاش ويضعون البريطانيين أمام خيار صارم بين البقاء في الاتحاد الاوروبي أو تركه. وصوتت الدنمرك ب(لا) في استفتاءين على اتفاقية ماستريخت للاتحاد الاوروبي عام 1992 والانضمام الى اليورو عام 2001 لكن استطلاعات الرأي تشير الى أن الرأي العام أكثر تأييدا للدستور. وسئل ينس بيتر بوند وهو زعيم دنمركي مخضرم من الجماعة المتشككة في الاتحاد الاوروبي في البرلمان الاوروبي عمن يرى أنهم قد يعارضون الدستور الاوروبي عندما تحين أول فرصة للتصويت عليه قال بلا تردد (الهولنديون). ولم تحدد هولندا بعد موعدا للاستفتاء لكن من المحتمل ان يجري الهولنديون تصويتا غير ملزم في أبريل نيسان المقبل. وربما يكون الهولنديون في حالة مزاجية تدفعهم للتصويت احتجاجا على الاتحاد الاوروبي نظرا لغضبهم من خضوعهم لقواعد الميزانية التي يحددها الاتحاد الاوروبي التي تجعلهم أقل من فرنسا وألمانيا الكبيرتين واحساسهم بالمرارة لكونهم من أكبر المساهمين في ميزانية الاتحاد الاوروبي قياسا بنصيب الفرد واحساسهم بالقلق بسبب قضايا الهجرة والخوف من ضياع الهوية الوطنية. ويقول دبلوماسيون ان من بين بلدان الاتحاد الاوروبي العشر المتوقع أن تجري استفتاء على الدستور تعتبر بولندا وجمهورية التشيك من أكثر البلدان تذبذبا بين اعضاء الاتحاد الاوروبي العشر الجدد التي انضمت للاتحاد هذا العام. وحاربت بولندا وأسبانيا بقوة من أجل الحفاظ على نظام التصويت غير المتناسب الذي منحته لهما معاهدة نيس الموقعة عام 2000 الذي يبطله الدستور الجديد. ومن المتوقع أن تؤيد أسبانيا الدستور الجديد بأغلبية ساحقة في استفتاء يجرى في فبراير المقبل حيث يؤيده كل من الاشتراكيين الذين يحكمون والحزب الشعبي المعارض. لكن التخوف الرئيسي هناك هو أن تكون نسبة المشاركة متدنية بشكل محرج. ومن الاصعب التنبؤ بنتيجة التصويت في بولندا حيث يوجد تيار قومي قوي. لكن بعض الدبلوماسيين يقولون ان مع بداية تدفق الدعم الزراعي للاتحاد الاوروبي والزيادة في النمو الاقتصادي سيشيع (احساس طيب) تجاه اوروبا. بينما سيكون الناخبون التشيك ممزقين بين نفوذ الرئيس فاتسلاف كلاوس وهو معارض صريح للدستور وبين حكومة ميالة بقوة لاوروبا. لكن المحللين يقولون انه لن ينظر الى المعارضة التشيكية على انها حدث له تأثير كبير على النحو الذي كان سيكون عليه الرفض الفرنسي.