هل أصبحت"فوكس نيوز"محطة للأخبار من العالم الثالث؟ من الواضح بعد معاينة أولى للبرنامج الذي بثته محطة"العربية"أخيراً على حلقتين بعنوان"فوكس نيوز: بين السياسة والإعلام"أن السؤال يستمد"شرعية"ما، ففي برنامج أورايلي الشهير يستضيف المذيع الفتى جيرمي غليك الذي قُتل والده في أحداث 11 أيلول سبتمبر، وفيما يشكك الفتى بالرواية كلها، يقرر المذيع أورايلي أنه"إذا جاء أحدهم إلى بيتكم ليبصق، فمن المؤكد أنكم ستقومون بطرده"، وهذا ما فعله المذيع بالضبط مع الفتى الذي قال بعدم شرعية الحرب في أفغانستان إذ رأى أن الشعب الأفغاني مقهور على عكس المذيع الذي قال إنهم مذنبون لأنهم ضربوا أميركا في عقر دارها... وما إن قال الفتى إن من ربّى"المجاهدين"الأفغان هو بوش الأب حتى طلب المذيع منه أن"يخرس". وخيل للضيوف الذين استضافهم البرنامج ومعظمهم عمل في أروقة إمبراطورية روبرت مردوخ، أن المذيع سيفتك بالفتى. رأى بعض الضيوف ان استراتيجية الخوف التي دأبت"فوكس نيوز"على صناعتها جاءت لتضيِّع على الشعب الأميركي حسه المنطقي. ففي تعاملها مثلاً مع موضوع الجمرة الخبيثة، دأب مذيعو المحطة على تكرار لازمة الخوف بحرفية عالية وهم يطالبون بلقاح ل25 مليون شخص معرضين في أي لحظة لأذى هذه"الجمرة"، فيما هي أصابت في الواقع خمسة أشخاص فقط لا غير. وبدا هذا لبعض المحللين بمثابة ترويج لعالم بالأسود والأبيض يحلل الخروج إلى الأشرار في كل مكان وقتلهم كما ينادي"بوش الابن"ويجيء في السياق ليغذي صناعة الخوف. فالحرب على العراق جاءت مبنية على هذه الصناعة. وفي تصريح لمذيع من"فوكس نيوز"قال فيه إن 277 جندياً أميركياً قتلوا حتى الآن في العراق، وهذا عدد أقل من عدد الذين قتلوا في كاليفورنيا، وهي تعادل العراق في مساحتها. على أن إحالة الناس هناك إلى موضوع للدعاية هي سبب عبقرية القائمين على"فوكس نيوز". فهذا جون نيكولاس يرى أن"فوكس نيوز"هي من قررت الحرب على العراق ونجاحها سلفاً بما يتلاقى مع مقولة - اصنع الدواء وسيأتي المرض - اذ يقول:"انظروا إلى العراق، فهؤلاء هم الرياضيون الذين لم نكن نراهم في عهد صدام حسين، وهذه هي المدارس، حتى أن السمك الكبير راح يخرج من نهر الفرات، وهذا ما لم يره العراقيون من قبل". لا بل إن جون إيليس المسؤول في"فوكس نيوز"وهو ابن عم الرئيس جورج بوش الابن، هو الذي أعلن فوز بوش في الانتخابات الأولى مع أن النتائج لم تكن نهائية. وكان واضحاً، كما رأى أحد الضيوف، أنهم يبحثون عن أي شيء ليجعلوا منه بطلاً على الدوام. وفيما كان أبطال المحطة بمثابة كلاب ضارية في عهد بيل كلينتون، أصبحوا ودعاء تماماً، وها هم يقدمون خطب بوش كاملة ولا يهم عدد المرات، فهم يدأبون على تصوير كل ما يفعله على أنه عمل بطولي. هنا يتحول الرئيس في سياسة"فوكس نيوز"زعيماً أوحد على غرار بعض زعماء العالم الثالث،"فالاقتصاد الأميركي سيزأر في عام 2004 على يد الرئيس". ورأى أحد الضيوف أن ما يجعل المالك لهذه الماكينة الإعلامية الضخمة شديد الخطورة، هو أن مردوخ سياسي في الدرجة الأولى وليس مجرد إعلامي. على أن القبول بديموقراطية أقل لم يعد ممكناً في حالتهم، فإذا"قبلنا بالتضليل - يقول الضيف - فإننا سنكسب أولادنا وأحفادنا ديموقراطية أقل من المعتاد، وإذا كنت تعرف - متوجهاً بكلامه إلى المواطن الأميركي - أن"فوكس نيوز"تبث تقريراً مضللاً، فاخرج، واصرخ: نريد توازناً". هل تتطابق خطة"فوكس نيوز"مع خطة بوش الاستراتيجية في الهجوم على الأشرار في كل مكان؟ الواضح أن المحطة التي تغرق في خطاب إيديولوجي متعصب تؤكد هذا التطابق. ها هو أورايلي يردد منذ الصباح:"أرجو أن تعتمدوا علينا لأننا نقدم الحقيقة!". هل تعتبر هذه خطة في الأساس؟ ربما نعم وربما لا، ولكن من المؤكد أن"فوكس نيوز"تغرق في وحول العالم الثالث، وأصبحت تشبه محطات كثيرة كنا تابعناها أو سمعنا عنها... هكذا بدت لنا ونحن نشاهدها من بعيد ومن قريب!