ألقى وزير الدولة الإسرائيلي لشؤون مدينة القدس ويهود الشتات ناتان شارانسكي مساء أول من أمس محاضرة في جامعة فيينا حملت عنوان"الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط من وجهة نظر يهودية"وذلك في إطار تحرك دعائي يقوم به في عدد من الدول الأوروبية لكتابه"الحجة من أجل الديموقراطية قوة الحرية في التغلب على الطغيان والإرهاب". وهو الكتاب الذي بات يعد بمثابة مرآة لأفكار وفلسفة المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية. وبوصفه"راعياً لحقوق الإنسان وممثلاً عن اسرائيل، الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة"، حسب كلامه، فقد ركز شارانسكي في محاضرته على شرح أبعاد تصوراته لعالم حر وديموقراطي في الشرق الأوسط، مبرزاً بعض المفارقات بين سياسة دولة مثل اسرائيل"قامت منذ ولادتها على أسس ديموقراطية متينة على رغم التحديات العصيبة والظروف الصعبة التي تربصت وتتربص بها"وبين الفلسطينيين وبقية الدول العربية المجاورة التي"تتعارض عاداتها وثقافاتها وذهنية شعوبها مع مفهوم الحرية"! وروج شارانسكي لنظريته التي يسميها"اختبار ساحة البلدة"، وهي جزء من نظرياته التي لاقت تأييداً كبيراً من جانب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي اقتبس من كتاب الوزير الاسرائيلي العديد من المقاطع في خطابه الأخير عن حال الاتحاد، وفي الاحتفال بتنصيبه لولاية ثانية في 20 كانون الثاني يناير الماضي، وكذلك فعلت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس التي دعت الى تطبيق هذا الاختبار على الساحة الميدانية. و"اختبار ساحة البلدة"هو، من وجهة نظر شارانسكي، مقياس للديموقراطية"فإذا كان بوسع المواطنين في دولة ما الخروج والتظاهر في ساحة البلدة للتعبير عن رفضهم لأمر ما من دون الخوف من الاعتقال أو من ان تلحق بهم الحكومة اي أذى، فهذا يعني أن المجتمع يتمتع بالحرية وينتفع من حقه في العيش بحرية". وجدد"تذكير"الحاضرين بأن اسرائيل هي الدولة الرائدة لهذا التوجه من دون الدول المتاخمة لحدودها وان حكومة اسرائيل تسمح لجميع الطوائف والأقليات بالتعبير عن استيائها من الحكومة وانتقادها لها، فيما نزع إلى التكتم عن"الملابسات"التي أحاطت باطلاق القوات الاسرائيلية النار صوب مجموعة من العرب في اسرائيل خرجوا في مسيرة للتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية عام 2001. وربط الوزير بين نظريته وبين التطورات الحاصلة على الساحة اللبنانية مثمناً اختيار الشعب اللبناني - وبخاصة الفئة المعارضة - في النزول الى الشارع والتظاهر والاحتشاد في ساحة البلدة من دون تردد والتعبير عن رغبتهم في العيش تحت سقف الحرية بشكل علني وصريح من دون خوف، فيما تجاهل التعليق على التظاهرة الحاشدة لأحزاب الموالاة في لبنان. واكتفى مستشار الوزير آريه غربن بالتعليق على هذه المسيرة ل"الحياة"بالقول ان لبنان بصدد تلمس الخطوات الأولى نحو بناء مجتمع حر وان العالم الحر يجب أن يشجع مسيرة الديموقراطية اللبنانية هذه ويقدم لها الدعم! واضاف المستشار ان اسرائيل ستدعم أي توجه ديموقراطي في المنطقة. واسهب شارانسكي في حديثه عن النتائج الإيجابية لسياسة بوش حيال الشرق الأوسط والتي قال انها أثمرت تغييرات باتت ملموسة في عدد من أرجاء الوطن العربي بدءاً بالعراق وفلسطين ونجاح الانتخابات في البلدين، مرورا بمصر كإجراء الرئيس المصري حسني مبارك لتعديل الدستور بشأن الانتخابات وانتهاء بلبنان. وتوقع حدوث تغييرات جديدة في هذه المناطق قريباً إذ أن نشر السلام في الشرق الأوسط سيكون مستحيلا من دون نشر قيم الديموقراطية داخل الدول العربية، وهي الذريعة التي يستعملها بوش و أتباعه للاستمرار في نهجهم. و كان الملف الفلسطيني - الإسرائيلي حاضراً بقوة في خطاب شارانسكي الذي انتهز المناسبة لشرح خطة شارون للانسحاب من غزة في محاولة منه لامتصاص غضب يهود الخارج المتأثرين بالحملة التي يقوم بها المستوطنون الرافضون للانسحاب، خصوصاً أن الحضور اقتصر كما لوحظ على يهود نمسويين. وأدرج شارانسكي خطة الانسحاب ضمن ما أسماه"التنازلات"التي تقدمها إسرائيل لقاء تحقيق السلام والأمن في المنطقة. من جهة ثانية لاقى طرح أحد الحاضرين امكان تحويل الأردن الى دولة بديلة للفلسطينيين باعتبار أن نحو 70 في المئة من الشعب الأردني هم من أصل فلسطيني، تأييداً غير مباشر من الوزير الإسرائيلي الذي أكد ان الشعبين الأردني والفلسطيني متقاربين جداً أحدهما مع الآخر ويرتبطان بعلاقات وثيقة على مدى التاريخ من حيث الثقافة والتقاليد واللغة والدين، لكنه أجاب أن"بت هذا الأمر غير ممكن وهو متروك للمعنيين به وأصحاب الشأن في الأردن وفلسطين". إلى ذلك، استفسرت"الحياة"من مستشار شارانسكي عن موقف الأخير الذي تبنى حركات الدعوة إلى تهجير اليهود السوفيات إلى"وطنهم الموعود"من حق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينين حول العالم إلى أراضيهم فأجاب:"الوزير شارانسكي يتعاطف بشدة مع هؤلاء كونه شهد تجارب مماثلة لآلاف يهود الشتات قبل أن يتمكنوا من العودة إلى إسرائيل"إلا أنه، كبقية الرسميين الإسرائيليين، رفض مجرد تصور وجود احتمال لفتح الحكومة الإسرائيلية باب التفاوض والنقاش حول حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش دعا شارانسكي إلى البيت الأبيض في ذات اليوم الذي أعلن فيه رسمياً عن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ليعرب له عن إعجابه بكتابه من جهة وليستشيره من جهة ثانية بشأن الخطوات المقبلة. وقال شارانسكي في محاضرته خاتماً أنه نصح بوش بالإصغاء الى المعارضين العرب حول العالم وإجراء الحوار مع المنشقين كونهم يتوقون للحرية وعلى مستوى عال من النضج لمعاني الحرية والديموقراطية داعياً إياه إلى الاهتمام بهم، حسب قوله. ويعتبر شارانسكي، وهو منشق سوفياتي سابق واحداً من اكثر السياسيين الإسرائيليين تشددا وهو الذي اقترح قبل سنوات تدمير السد العالي في صعيد مصر! وازدادت شهرته بعدما شكره الرئيس بوش على فلسفته التي تعكس على نحو ما توجه الإدارة الأميركية وتبرر التدخل الأميركي المباشر في الشؤون الدولية.