يعقد الاتحاد الأوروبي في برشلونة اليوم وغداً اول اجتماع على مستوى القمة مع بلدان جنوب شرق حوض البحر الأبيض المتوسط منذ انطلاق مسيرة الشراكة في 1995، وسط اعتقاد أوروبي متزايد بأن مسيرة برشلونة لم أخفقت حتى الآن في المساعدة في تقدم الاصلاحات السياسية. وتراجع بلدان الشراكة الأوروبية - المتوسطية هذه الأيام الخطة الجماعية التي وضعتها قبل عشرة اعوام. وتجري المحادثات للمرة الأولى على مستوى القمة، في ظل تغيرات كبيرة تميزت بسياسات اميركية تهدف الى بسط سيطرة مطلقة على المنطقة التي سمتها واشنطن"الشرق الأوسط الكبير". ومع اخفاق واشنطن، حتى الآن، في محاولات تبسيط مشاكل المنطقة وفرض خياراتها بالوسائل الحربية، يرشح الاتحاد الأوروبي نفسه لدور استراتيجي مستديم في المنطقة، مزوداً بارث التاريخ وحاضر الجغرافيا الاقتصادية والبشرية. ويرفض الأوروبيون خلط المفاهيم الجغرافية والسياسية للشراكة مع بلدان جنوب شرق حوض البحر الأبيض المتوسط، مع اقرارهم بقدرات الولاياتالمتحدة على التأثير في كل حكومات المنطقة بدءاً بكل من الحليف الاستراتيجي الاسرائيلي والاردني والمصري، وانتهاء بالانجازات التي حققتها أخيراً في لبنان. ويقول وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس على صورة الهيمنة الأميركية بأن الاتحاد الأوروبي"لم يكتشف المتوسط في 2004"، اي في عام اعلان الولاياتالمتحدة مفهوم الشرق الأوسط الكبير الممتد من المحيط الأطلسي الى افغانستان. وأضاف موراتينوس في لقاء مع مجموعة من الصحافيين بينهم مندوب"الحياة"، ان الاتحاد الأوروبي"اطلق مبادرة الشراكة في 1995 في ظل تغيرات شهدتها منطقة الشرق الأوسط وأوحت بامكان تحقيق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وتبدو الفوارق كبيرة بين الطروحات الأميركية والأوروبية. فالولاياتالمتحدة سخرت موارد مالية رمزية لا تتعدى 90 مليون يورو لتمويل سياساتها في"الشرق الأوسط الكبير"، وهو مبلغ يثير السخرية مقارنة مع البلايين التي وفرها الاتحاد الأوروبي، ولا يزال، في نطاق سياسة الشراكة الأوروبية - المتوسطية. اذ يرتبط الاتحاد مع كل من البلدان المتوسطية بمواعيد لاقامة منطقة للتبادل التجاري الحر بدءاً من 2010". ويشدد وزير الخارجية الأسباني على ان الأوروبيين"لا ينكرون اهمية الحوار مع واشنطن لدفع الاصلاحات السياسية في المنطقة العربية. ويخطئ من يقرأ الوضع في المنطقة العربية المتوسطية من زاوية الخلاف والتنافس بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، بل ينبغي التركيز على التلاقي بين الجانبين في مسائل عدة مثل تشجيع الديموقراطية والحكم الرشيد في المنطقة العربية، على رغم وجود بعض دعاة السيادة الوطنية التي تستخدم مبررا للتعتيم على الرأي العام الوطني". ويتوقع ان يؤكد الاتحاد الأوروبي في قمة برشلونة على اولويات التعليم والتبادل التجاري الحر والهجرة والارهاب والديموقراطية ودولة القانون. وأوضح موراتينوس ان الاتحاد الأوروبي سيقترح على بلدان جنوب شرق حوض البحر الأبيض المتوسط"ادماجها في الحيز الأوروبي للعدل والشؤون الداخلية، بشروط تتضمن مكافحة الارهاب ونشاطات تهريب الجنس البشري والمحظورات". لكن ما لا يقوله وزير الخارجية الاسباني هو ان الحيز المعني يشمل ايضا حرية انتقال الأشخاص، وهي قضايا محظورة على رعايا دول الجنوب لمبررات امنية بعضها ذو صدقية. وهو تحدث في"مؤتمر الصحافة في المتوسط"في برشلونة أخيراً عن"نوع من المواطنة المتوسطية". ويعني هذا المفهوم في كلام موراتينوس"مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية". ويعترف المسؤولون الأروبيون بنواقص مسيرة برشلونة على الصعيد السياسي وعدم اصغاء بعض الشركاء من دول الجنوب لدعوات احترام حقوق الانسان واطلاق مسيرة اصلاحات ذات صدقية. كما يرى المسؤولون في الدوائر الأوروبية ان نقص الديموقراطية في بلدان الضفة الجنوبية يضاعف مسببات عدم الاستقرار ويعطل وتيرة التنمية ويحول المعادلة الى تصدير العمالة غير الشرعية والارهاب. ويقترح الاتحاد الأوروبي على البلدان العربية"تحديد روزنامة لتنفيذ الاصلاحات السياسية". الا ان الجانب العربي تحفظ في المحادثات التمهيدية عن الالتزام المسبق بالمراجعة المشتركة مع الاتحاد الأوروبي لما انجز. ويبدو من خلال تصريحات كل من الممثل الأعلى للسياسة الخارجية خافيير سولانا والمفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية بينيتو فيريرور فالدنر ان الاتحاد الأوروبي يعي مخاطر نقص الديموقراطية والتنمية على استقرار بلدان المنطقة وامتدادات هذه المخاطر داخل البلدان الأوروبية. فالارهابيون الذين فجروا قطارات مدريد اتوا من شمال افريقيا التي تعبرها تيارات الهجرة السرية الآتية من بلدان الساحل الافريقي. وقالت فالدنر في مؤتمر الصحافة المتوسطية ان الاتحاد الأوروبي يفضل استخدام وسائل الاغراء لتشجيع الشركاء على دفع الاصلاحات السياسية. وأكدت ان المراقبين الأوروبيين الذين سيشرفون على سير الانتخابات الفلسطينية مطلع العام المقبل لن يقاطعوا مرشحي حركة المقاومة الاسلامية حماس وستيعاملون معهم كمرشحين سياسيين الى المجلس التشريعي الفلسطيني. ويعكس كلام فالدنر بداية قناعة لدى الأوروبيين بأن مشاركة الاسلاميين المعتدلين في الحياة السياسية افضل من تهميشهم، وهو ما أكده موراتينوس بالقول:"سنتعامل مع الذين تفرزهم صناديق الاقتراع في البلدان العربية".