انتهت القمة الأوروبية - المتوسطية، الأولى منذ انطلاق خطة الشراكة في 1995، الى نكران اوروبي لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال وانحياز غير مسبوق لاسرائيل, في مقابل احباط عربي وتحفظ عواصمالجنوب عن اقتراحات البلدان الأوروبية وضع اجندة للاصلاح السياسي في المنطقة. وعبر أحد المشاركين في المؤتمر عن"خيبة"العرب لأنهم اعتقدوا بأن موافقتهم على مدونة سلوك الارهاب، المهمة بالنسبة الى الأوروبيين، ستسهل عليهم اقناع الرئاسة البريطانية بادراج حق الشعوب في مقاومة الاحتلال في الوثيقة السياسية النهائية. وأبلغ المصدر نفسه"الحياة"ان البريطانيين"خطفوا مدونة سلوك مكافحة الارهاب ورفضوا بشكل قاطع تثبيت حق المقاومة في الوثيقة النهائية". وفيما يجمع المراقبون خارج قاعة المؤتمر على ان تغيب قادة البلدان العربية المتوسطية، باستثناء الرئيس محمود عباس، ربما اضعف الموقف العربي، أعرب المصدر عن اعتقاده بأن حضور القادة العرب لم يكن ليغير الموقف الأوروبي"لأن البريطانيين كانوا مصرين على رفض الموقف العربي ومناصرة اسرائيل في رفض حق مقاومة الاحتلال". ولم يخف الأوروبيون امتعاضهم من"اللامبالاة الرسمية العربية"تجاه اول مؤتمر يعقد على مستوى القمة في تاريخ العلاقات الأوروبية - المتوسطية. انحياز غير مسبوق وكان متوقعا ان تشهد القمة التجاذب الذي عهدته مؤتمرات الشراكة، تقليديا، بين اسرائيل والعرب, فيما كان الأوروبيون في السابق يحاولون دوما التوفيق بين معارضة اسرائيل التذكير، في الوثائق النهائية، بمرجعيات عملية السلام واصرار البلدان العربية على تضمين الوثائق اشارات واضحة الى القرارات الدولية ذات الصلة بالنزاع في الشرق الأوسط. وانتهى الجدل في غالبية الاجتماعات الى نوع من الوفاق حول نصوص عامة. وتكهن كثيرون بأن انعقاد اول اجتماع على مستوى القمة في تاريخ العلاقات الأوروبية - المتوسطية سيكون في حد ذاته حافزا بالنسبة الى البلدان الأوروبية ال25 والبلدان العربية الثمانية، زائد اسرائيل وتركيا، من اجل اجراء مراجعة دقيقة لما انجز في خطة الشراكة وتشخيص الصعوبات وامكانات مواجهة التحديات المتراكمة في المنطقة. الا ان حقيقة الخلفيات والمواقف غلبت التكهنات. بل ان النقاشات كانت بحسب احد المشاركين بمثابة"الزوبعة"و"لم تخل النتيجة من الخدعة البريطانية". وكانت الاجتماعات التمهيدية اخفقت في حسم الخلافات حول ثلاثة مشاريع وثائق نهائية حول مدونة السلوك في شأن مكافحة الارهاب، والشرق الأوسط, وخطة العمل للأعوام المقبلة. وتضمنت مدونة السلوك مبادئ حول شجب كل اشكال الارهاب ووسائل مكافحته والالتزام الجماعي بتفكيك الشبكات الارهابية وتجفيف منابع تمويلها وتقديم المشتبه بهم الى القضاء, وتلك مبادىء بديهية لا تثير حفيظة أي من البلدان لأن التهديدات لا تستثني احدا. فالعمليات الارهابية أدمت في الأعوام الأخيرة عدداً من بلدان مسيرة برشلونة بدءا بتفجيرات شرم الشيخ وانتهاء بتفجيرات انفاق لندن, مرورا بالدار البيضاء ومدريد وعمان... لكن المفاوضات كانت دائما شاقة عندما تتسع نقاشات الارهاب, ويحاول فيها الاسرائيليون عمدا تشويه صمود الشعوب العربية ضد الاحتلال وتصنيفها ضمن الأعمال الارهابية. ويبدو ان تغير الأوضاع الاقليمية والدولية دفع بعض الأوروبيين الى الانحياز في هذه الدورة الى اسرائيل, فرفضوا حتى آخر لحظة الفقرة المتعلقة ب"حق الشعوب في مقاومة الاحتلال بالوسائل القانونية"التي يقتضيها القانون الدولي. وقال ديبلوماسي شارك في المفاوضات ان الأوروبيين"رفضوا بشكل قاطع هذه الفقرة على رغم المرونة التي ابداها الجانب العربي في تعديل ما لا يقل عن ست او سبع صياغات لملاقاة موقف الاتحاد الأوروبي". ورفض ممثلو البلدان الأوروبية"مفهوم المقاومة, ولم يقبلوا حتى مجرد مبدأ انهاء الاحتلال. بل انهم ربطوا مبدأ حق تقرير المصير بعبارة ان لا شيء يبرر الارهاب". وبذلك دخلت المفاوضات في مأزق, واصبحت القمة مهددة بالفشل. وأفاد مصدر ديبلوماسي ان وزير الخارجية البريطاني رئيس الجانب الاوروبي وزير الخارجية البريطاني جاك سترو فسر في اجتماع ثنائي مع الوزراء العرب، صباح الاثنين الماضي، تصلب موقف الاتحاد"بالحاجة الى تفادي احراج اسرائيل في ظل متغيرات الساحة السياسية الداخلية"في الدولة العبرية التي مثلها في مؤتمر برشلونة الوزير ايهود اولميرت المقرب من ارييل شارون، والذي حضر مزودا بموقف متصلب فاقد لكل مرونة ديبلوماسية. ومن الردود العربية على التفهم البريطاني للموقف الاسرائيلي، تعليق وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ داخل الاجتماع بان الجانب العربي"لا يمكنه دفع ثمن مناورات اسرائيلية داخلية من أجل تفريغ عملية لسلام من مضمونها, وباسم الديموقراطية تنقل الوفود العربية بدورها ما تريده شعوبنا". وللخروج من مأزق تفهم الرئاسة الأوروبية للموقف الاسرائيلي وتجاهلها الحقوق المشروعة للشعوب، قبل الجانب العربي اقتراحاً قدمه وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس بنقل الفقرة المتعلقة بحق مقاومة الاحتلال من مشروع"مدونة سلوك مكافحة الارهاب"الى مشروع البيان السياسي لمؤتمر القمة. وبذلك يسهل الاتفاق حول وثيقة مكافحة الارهاب ويتركز الجهد للتفاوض على مشروع البيان السياسي. وفعلا تم ذلك. واعترف ديبلوماسي عربي بأن موراتينوس"بذل جهودا جبارة للتوفيق والوصول الى اتفاق حول البيان السياسي", لكنه اصطدم بجهود محمومة قادها نظيره البريطاني من اجل تقييد اثر الموقف العربي حتى لو كلف الموقف التضحية بالبيان النهائي بعدما ضمن اتفاق"مدونة سلوك مكافحة الارهاب", ووجد الجانب العربي نفسه في وضع مواجهة مع الأوروبيين: فالبريطانيون، بحسب المصدر نفسه، كانوا يتفاوضون حول فقرة حق الشعوب في مقاومة الاحتلال"ثم يستشيرون القانونيين في لندن ويعودون الى الاجتماع ويبغون الوفود بأن القانون البريطاني لا يتضمن مقتضيات انهاء الاحتلال". وبدا واضحا صباح اليوم الثاني والأخير من القمة ان الأوروبيين"كانوا يشعرون بحرص الجانب العربي على عدم افشال القمة فيما كان الوفد الاسرائيلي متصلبا". وبدل تخفيف الضغط تواصلت الجهود البريطانية لرفض طلبات الجانب العربي بتسجيل فقرة حق الشعب في مكافحة الاحتلال وانهائه, ووجد العرب أنفسهم امام موقف اوروبي منحاز لاسرائيل, وهو امر غير معهود. وربما انتبه بعض الأوروبيين الى عواقب التصلب البريطاني, فعقب ديبلوماسي"بأن من الخطأ تنظيم اول قمة لبلدان الشراكة خلال تولي بريطانيا رئاسة الاتحاد الأوروبي". واستمر التوتر حتى منتصف نهار الاثنين الماضي,پواضطر الجانب العربي الى رفض البيان السياسي النهائي لأن الرئاسة البريطانية رفضت ادراج حق الشعوب في مقاومة الاحتلال في أي من وثائق المؤتمر. ولذلك تحول البيان المشترك الى بيان باسم الرئاسة تلاه توني بلير. ووجد العرب انفسهم وقد"خطفت منهم مدونة سلوك مكافحة الارهاب والموافقة على خطة العمل الخماسية التي تسمح بقدر من الاشراف الأوروبي على مسارات الاصلاح في البلاد العربية". التخلي عن البيان المشترك ونتيجة احتدام الخلاف حتى اللحظة الأخيرة، تخلت القمة عن مشروع"الرؤية المشتركة"التي كان يفترض صدورها لمناسبة انعقاد اول مؤتمر على مستوى القمة في تاريخ العلاقات الأوروبية - المتوسطية. وقال الرئيس جاك شيراك ان البيان الرئاسي الذي تلاه بلير عكس بعض التفاهم حول المبادئ العامةو منها اتفاق بلدان مسيرة برشلونة على مواصلة العمل من اجل تحقيق اقامة حيز للسلم والاستقرار والازدهار وان الهدف المشترك"يقتضي وضع تصور شامل يعزز الأمن والحل العادل للنزاعات الاقليمية ويشجع الديموقراطية ودولة القانون واحترام حقوق الانسان والتنمية المتوازنة واجراءات مكافحة الفقر والاقصاء وتشجيع التفاهم بين الثقافات والشعوب. ولخص بلير النقاط التي التزمت البلدان المشاركة في القمة العمل من أجلها ب: "تحقيق السلام في المنطقة، تعزيز الديموقراطية والمشاركة في الحياة السياسية والشؤون العامة والمساواة بين المرأة والرجل وتعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية, ومنها حرية التعبير وفق الالتزامات الدولية. ويلتزم الاتحاد من ناحيته تسخير موارد مالية لتشجيع الشركاء المتوسطيين على تنفيذ الاصلاحات آخذا في الاعتبار ان نجاح الاصلاحات يقتضي تبنيها من قبل مجتمعات المنطقة، تعزيز أمن كل السكان عبر اجراءات ذات فعالية أكثر في سياسات مكافحة الارهاب, وتعميق التعاون الأمني لتفكيك النشاطات الارهابية والتزام تنفيذ"مدونة سلوك في مكافحة الارهاب التي وافقت عليها القمة". ومن دون الاشارة الى الخلافات التي شقت صفوف الشركاء حول تمسك البلدان العربية بابراز حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وحرصها على تبديد كل غموض بين حق المقاومة ومكافحة الارهاب، أكد بلير التزام الشركاء"شجب الارهاب اينما حدث من دون اية صفة, وترفض كل محاولة للربط بين أي دين او ثقافة بالارهاب". "وفي اطار تنفيذ فصل الشراكة السياسية والأمني، يلتزم الشركاء تعزيز الأمن الاقليمي والعمل على ان تكون المنطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل، والتحفظ عن بناء قدرات عسكرية تفوق المتطلبات المشروعة للدفاع، تعزيز سياسات حسن الجوار. ولتحقيق اهدف التنمية الاقتصادية المشتركة، جددت بلدان مسيرة برشلونة تمسكها بتحقيق هدف اقامة منطقة للتبادل التجاري الحر في 2010 وتشجيع الاصلاحات الاقتصادية وسياسات احداث مواطن العمل وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي المباشر. واتفقت القمة على اجراء مراجعة نهاية عام 2006 والنظر في امكانات اقامة مصرف للتنمية. ومن أجل تقييد ضغط تيارات الهجرة وبخاصة شبكات تهريب العمالة، تتفق بلدان مسيرة برشلونة على التعاون في مجالات الهجرة والاندماج الاجتماعي والأمن الداخلي. وستعقد مؤتمرا في غضون العام المقبل يجمع البلدان الأوروبية وبلدان جنوب شرق حوض البحر الأبيض المتوسط وبلدان الساحل الافريقي لوضع آليات مكافحة الهجرة غير الشرعية.