تثير ملفات قضايا التجارة الدولية وتوسيع الاتحاد الأوروبي والعلاقات الخارجية، الغموض حول حدود الصلاحيات وتداخلها، في صفوف المفوضية الأوروبية الجديدة التي ستمثل برئاسة رومانو برودي أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ منتصف الشهر الجاري. يصعب رسم الحدود بين المسؤوليات التي سيتولاها المفوض الأوروبي للسياسة الخارجية حاكم هونغ كونغ السابق كريس باتن بريطانيا والقضايا التي سيشرف على تسييرها المندوب السامي للسياسة الخارجية والأمن المشترك للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا. ويعتبر تكليف الاتحاد الأوروبي الأمين العام لحلف شمال الأطلسي سولانا لتسيير السياسة الخارجية، في بداية الشهر الجاري، تطوراً سياسياً بارزاً بحكم الخبرة التي اكتسبها الأخير في أمانة الحلف وإدارته حرب كوسوفو. وعلى صعيد المفوضية الأوروبية، سيتولى باسكال لامي فرنسا ملف التجارة الخارجية ومفاوضات الألفية الجديدة التي ستنطلق في جنيف وتقوده إلى التعاون والحوار مع القوى التجارية الكبرى في العالم والتجاذب مع بعضها في القطاعات الحساسة مثل اللحوم الأميركية المعالجة بالهرمونات. كما يشرف غونتير فورهيغن المانيا على سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي ومراحل استيعاب كل من البلدان الشرقية وهي استراتيجية "حيوية" بالنسبة إلى البلدان الأعضاء في الأعوام الخمسة المقبلة مثلما تمثله خطة استقرار البلقان وتوثيق الروابط مع تركيا. ويتولى بيدرو سولبيز اسبانيا إدارة الشؤون الاقتصادية والعملة الواحدة "يورو" وعلاقاتها الخارجية مع العملات الكبرى والمفاوضات مع مؤسسات النقد الدولية. ويتفق خبراء الشؤون الأوروبية على اعتبار قضايا التجارة الخارجية والتوسيع واستقرار البلقان وشؤون العملة الواحدة، الملفات الخارجية الأهم والأكبر المطروحة أمام المفوضية الأوروبية الجديدة في الحقبة المقبلة. وتقلل هذه القضايا من حجم المسؤوليات المتبقية على الصعيد الخارجي والتي يتولاها حاكم هونغ كونغ السابق بصفته مفوض السياسة الخارجية. وبحكم تجربته السابقة، يتوقع البعض أن يركز باتن اهتمامه على العلاقات مع آسيا وبشكل خاص مع الصين. وتشمل صلاحيات باتن شؤون مسيرة السلام وعلاقات الشراكة الأوروبية - المتوسطية والحوار السياسي - التجاري مع دول الخليج العربية. ولم يبد السياسي البريطاني معرفة واسعة بشؤون المنطقة خلال ردوده على أسئلة النواب الأوروبيين في جلسات الأسبوع الماضي، إذ كانت أجوبته عامة وسطحية في شأن الدور الأوروبي في عملية السلام ومستقبل الشراكة الأوروبية - المتوسطية. وعلق مصدر ديبلوماسي بأن الشأن العربي داخل المفوضية الأوروبية سيبقى "شأناً فنياً" ضمن صلاحيات الموظفين والإداريين. وخلا فريق مساعدي باتن من أي خبير في شؤون المنطقة العربية. لذلك فإن ممثلي البلدان العربية سيضطرون إلى مواصلة التعاون مع موظفي "إدارة شؤون البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى والشرق الأوسط". وينسب سفير عربي إلى الموظف الأوروبي "الإلمام بمعطيات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والافتقار للخيال والرؤية السياسية". وعكس غموض إدارة السياسة الخارجية في المفوضية الأوروبية، فإن المهمات التي سيتولاها خافيير سولانا في مجال السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تكتسب اهتماماً كبيراً وبعداً استراتيجياً. وكان القادة الأوروبيون عينوا سولانا مطلع حزيران يونيو الماضي لتولي مهام "المندوب السامي للسياسة الخارجية والأمن المشترك" للاتحاد الأوروبي وفق مقتضيات معاهدة امستردام التي دخلت حيز التنفيذ في الربيع الماضي. وأوصت البلدان الأعضاء بالسير نحو تعزيز السياسة الخارجية ووضع سياسة دفاعية بشكل تدرجي تؤدي، بعد أعوام، إلى إدماج المنظمة العسكرية "منظمة اتحاد أوروبا الغربية" ضمن مؤسسات الاتحاد وتزوده في المستقبل بآليات عسكرية تكلف مهام حفظ السلام، خارج أراضي الاتحاد. ويعلم خافيير سولانا شؤون المنطقة العربية - المتوسطية بحكم تجربته السابقة على رأس الديبلوماسية الاسبانية التي يعود إليها جهد انعقاد المؤتمر الأول لخطة الشراكة الأوروبية - المتوسطية في نهاية تشرين الثاني نوفمبر 1995 في برشلونة. ومن سبيل الصدف ان مواطنه، المبعوث الحالي لعملية السلام في الشرق الأوسط ميغيل انخيل موراتينوس، كان يرأس إدارة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية الاسبانية في منتصف التسعينات وساعد على وضع استراتيجية الشراكة الأوروبية - المتوسطية التي ستقود إلى إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر بين الاتحاد وبلدان جنوب شرقي حوض البصر الأبيض المتوسط في 2010 وإلى إبرام ميثاق للسلم والاستقرار في المنطقة. ولا شك أن موراتينوس سيجد دعماً كبيراً من رئيسه الجديد المندوب السامي للسياسة الخارجية والأمن المشترك خافيير سولانا. وسينتقل الأخير من حلف شمال الأطلسي إلى مقر المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي في نهاية الشهر الجاري. إلا أن التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بشكل خاص ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك التدخل الخارجي في المفاوضات الثنائية مع أطراف النزاع في المنطقة، قد لا يتركان مجالاً أوسع لتحرك أوروبي أكبر باستثناء فرص توفير الدعم المالي الأوروبي لتنفيذ مشاريع التعاون الاقليمي. كما ان انعدام استقرار منطقة البلقان والضباب المتراكم حول وضع روسيا، وكذلك المهمات الموكلة إلى خافيير سولانا ومساعديه في الشأن الأمني - العسكري، لن تترك له هامشاً متسعاً لاهتمام أكبر بوضع المنطقة العربية. وسيكون سولانا همزة الوصل الدائمة بين البلدان الأعضاء لصوغ ومتابعة سير السياسة المشتركة في المناطق الأكثر توتراً أو الأكثر حيوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب، وهي: المساهمة في وضع برنامج اصلاح المؤسسات الأوروبية وتحسين أدائها وجدواها وتمهيد استراتيجية التوسيع ومساعدة البلدان الشرقية للتأهل لعضوية الاتحاد وتنفيذ خطة السلام في كوسوفو والاستقرار الاقليمي في البلقان وتنفيذ خطة الحوار والشراكة مع روسيا لتفادي سقوطها بين أيدي المحافظين. وتبدو خطة الشراكة الأوروبية - المتوسطية الآن في مرحلة التسيير "الكافي" من جانب الموظفين والإداريين، فيما ستتركز مفاوضات السلام في الشرق الأوسط داخل مساراتها الثنائية بأقل وجود وتأثير خارجي.