قد يمثل مسلسل "عيون خائنة" الذي عرضته محطة "أل بي سي" أخيراً أنموذجاً للأزمة التي تعانيها الدراما التلفزيونية اللبنانية وهي أولاً أزمة نص في ما يعني من سيناريو وحوار ومقاربة للواقع ورسم للشخصيات في علاقاتها المختلفة. ولعل أول ما يتبدى من ملامح هذه الأزمة العلاقة بين النص والواقع الذي يتصدى له أو يعالجه. فمعظم الكتّاب الدراميين في لبنان يبدون دوماً في حال من الاغتراب عن الواقع في معناه الشامل. فلا الشخصيات التي يختارونها واقعية ولا الأفعال التي ينبغي أن تنجم عن هذه الشخصيات واقعية بدورها ولا البيئة ولا المناخ العام للنص الدرامي الذي يتحول على الشاشة الصغيرة نصاً بصرياً. وعندما أقول "الواقع" لا أقصد ان تحمل الشخصيات اسماء معروفة أو أن تُزرع في مجتمع محدد أو أن تدور الأحداث في بيئة ما، بل ان تكون الشخصيات من لحم ودم، كما يقال وأن تتكلم كما لو أنها حقيقية وأن تتصرف وكأنها في الحياة. فالواقعية تعني هنا أن نعيد صنع الواقع من خلال مقاربة أخرى وعبر عين مختلفة فلا يكون الواقع على الشاشة هو نفسه الواقع الملموس ولا يكون أيضاً واقعاً اغترابياً أي خالياً من الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أو تخطيها. هكذا مثلاً يدرك من يشاهد "عيون خائنة" أن هذا المسلسل لم يستطع أن يكون واقعياً في علاقته بالمجتمع الذي يصوّره وهو في أي حال مجتمع لبناني، شاءت الكاتبة جنفياف عطالله أم لم تشأ. فكل عناصر المسلسل تشي بطابعه اللبناني بدءاً من اللغة العامية وانتهاء ب"المكان" والشخصيات وسواها. ولكن لو ألقى المشاهد نظرة دقيقة على هذا الواقع المتجسد على الشاشة لأدرك انه واقع غير واقعي إن جاز لنا القول، بل واقع "مغترب" أو "متغرّب" عن واقعيته المفترضة. فالمشكلة الأساس التي تدور حولها "حبكة" النص وهي واهية أصلاً غير حقيقية ويمكن اختصارها درامياً بقضية عدم الانجاب التي يعانيها "البطل" طوني خليفة وزوجته. ولو كان النص حقيقياً لحلّت هذه المشكلة منذ الحلقة الأولى أو الثانية وانتهى المسلسل للفور. لنتصور رجلاً وزوجته، ينتميان الى طبقة ثرية جداً، لا يلجآن الى الفحص الطبي في حال عدم انجابهما، أو لنتصور رجل الاعمال هذا، يتبع رأي والدته التي تتهم زوجته الثرية بدورها بالعقم من دون أن يحاول اثبات هذا العقم طبياً. واللافت سلباً في الأمر ان المواقف "تتعقد" انطلاقاً من هذه المشكلة التي يمكن حلها ببساطة وينطلق منها المسلسل ليقع في المزيد من السذاجة التي لا تفوت أي مشاهد ولو كان أمياً. هل يمكن أن تمرّ سبع سنوات على زوجين لا ينجبان من دون أن يزورا الطبيب؟ إلا ان ركاكة مسلسل "عيون خائنة" لا تكمن فقط في هذه المشكلة الرئيسة وإنما في بنيته العامة وفي بناء الشخصيات و"الاحداث". ولا أدري كيف يتيح مسلسل درامي للمشاهد أن يعرف الخاتمة منذ الحلقة الثانية فيواصل مشاهدته وهو يعلم مسبقاً ما سيحدث، إلا النهاية الأشد سذاجة والتي تذكّر بنهايات المسلسلات المصورة في المجلات التي درجت فترة في السبعينات من القرن المنصرم. ويلفت أيضاً هذا التقسيم الجاهز للشخصيات النافرة: الزوجة المحافظة والمحبة والرصينة تقابلها شخصية المرأة المنحرفة التي توقع بالزوج وتجعل منه عشيقاً انتقاماً لعلاقة حب عابر وتدعي حملها منه، هو الذي يكتشف في الختام انه عاقر فيما زوجته امرأة منجبة. وبالغ المخرج ايلي معلوف بدوره في جعل صورة المرأة الخائنة نافرة بل شديدة النفور، عبر تصرفاتها الحمقاء وملبسها المفتعل وسلوكها المستغرب جداً. وستكون هي الضحية في النهاية لأنها تمثل المرأة الشريرة ولا بد من القضاء على الشر والانتصار للخير. وفي النهاية تعود الزوجة الى زوجها بعدما قررت هجره في لحظة عابرة حين حاولت "العشيقة" قتله دهساً بسيارتها فينجو وتنجو حياته الزوجية بدورها. لا أعتقد ان من الممكن اليوم انجاز مسلسل في مثل هذه السذاجة والركاكة والضعف على كل المستويات. فإن بدا النص هشاً وبدائياً فإن الاخراج الذي حاول أن ينقذه لم يلبث أن وقع في شركه. وعوض ان يعيد المخرج كتابة النص بصرياً ودرامياً ساهم في تسطيحه، بل هو زاد من سذاجته عبر فضح الشخصيات "الورقية" وعلاقاتها المصطنعة. فالحوادث التي صورها ومنها مثلاً حادثا السيارة والعلاقات التي رسمها ومنها علاقة العشيقة بجارها الشاب الذي سيكون هو أبا الطفل، بدت نافرة جداً وغير واقعية ولا يمكن أحداً أن يصدقها لفرط اصطناعها. وما زاد الطين بلّة كما يقال، التمثيل الضعيف جداً ولا سيما تمثيل طوني خليفة الذي بدا غريباً جداً عن شخصية الزوج ورجل الأعمال الذي أمدته زوجته فيفيان انطونيوس بالمال كي يتمكن من النجاح. ولا أحد يدري لماذا وافق طوني خليفة من الانتقال من حرفة تقديم البرامج الى مهنة التمثيل، هكذا بين ليلة وضحاها، علماً انه كان في امكانه ان يجري دورة في أي محترف للتمثيل ليعلم ماذا يعني أن يمثل. فهو بدا بليداً جداً، يتحدث كما لو انه يسمّع دوره تسميعاً، ويتحرك بافتعال. وقد ساهم اداؤه الضعيف في تشويه الشخصية المشوهة أصلاً وفي طمس ما كان يمكن أن يظهر من ملامحها. وقد زاد من ضعفه ظهوره أمام ممثلة جيدة وقديرة هي فيفيان انطونيوس التي أدت شخصية الزوجة المظلومة لا أحد يدري لماذا ونجحت في أدائها على رغم ضعف الشخصية كشخصية درامية لم تحسن الكاتبة ولا المخرج نسج ملامحها. أما دومينيك حوراني التي أدّت دور المرأة العشيقة والخائنة ففشلت في تجسيد هذه الشخصية وبدا أداؤها نافراً وركيكاً وكأن لا علاقة لها بالتمثيل لا من بعيد ولا من قريب هي الآتية من عالم عرض الازياء و"الجمال"، بل غدت أشبه بالفضيحة، خصوصاً باعتمادها الاغراء المجاني وفي ظنها وظن المخرج ان هذا الاغراء قد يجذب المشاهدين. وهو ربما جذب المشاهدين ولكن لغاية غير فنية أو درامية. والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا يأتي مخرجو المسلسلات اللبنانية بمثل هذه "الوجوه" ليجعلوا منها "نجوماً" تلفزيونية وهي لا تعرف شيئاً من التمثيل؟ هذه الظاهرة تتكرر دوماً في الانتاج الدرامي اللبناني على رغم فشلها وفشل ملكات الجمال أو العارضات في التمثيل الذي يعد من أصعب الفنون. ولا بد من التنويه بحضور الممثلة القديرة وفاء طربيه في شخصية أم الزوج، التي تعيش "هاجس" الانجاب وتثقل كاهل الزوجة ظناً منها أنها هي العاقر. يكاد يكون مسلسل "عيون خائنة" خالياً من أي عنصر من عناصر الدراما التلفزيونية الناجحة، فالنص ركيك وساذج وينمّ عن مدى جهل مؤلفته جنفياف عطالله وأميتها في عالم الكتابة الدرامية والروائية والاخراج لم يستطع ان ينقذ نفسه من ركاكة النص وبنيته فوقع في التسطيح. أما التمثيل فكما أشرنا كان يحتاج الى تمارين طويلة والى ممثلين حقيقيين من خامة الممثلتين فيفيان انطونيوس ووفاء طربيه، اللتين لم تتمكنا من انقاذ المسلسل على مستوى الاداء الجماعي. وقد يسأل المشاهد اللبناني والعربي هذا المشاهد الذي بات يلمّ بأسرار المسلسلات الدرامية من كثرة ما يتابع من فضائيات: هل يمكن أن يُقدم اليوم، في العصر المرئي الحديث مسلسلات في مثل هذه السذاجة والسطحية؟