يبدو فيلم "أحبّيني" الذي كتب قصته مروان نجار وأخرجه ميلاد أبي رعد نسخة "سينمائية" عن المسلسل التلفزيوني "لمحة حب" الذي كتب مروان نجار قصّته وأخرجه سمير حبشي. وقد لا تنطبق الصفة السينمائية كثيراً على فيلم مكتوب ومنفّذ في جوّ أو روح تلفزيونية حتى ليمكن تسميته ب"مسلسل" سينمائي مختصر في قرابة ساعتين. طبعاً قد يؤكّد مثل هذه المقاربة حضور الثنائي بديع أبو شقرا وفيفيان انطونيوس اللذين كانا بطلي المسلسل "لمحة حب" وهما هنا - أي في الفيلم - يكرّران "مهمّتهما" وكأنّهما آتيان لتوّهما من المسلسل. ويظهر جليّاً أن مروان نجار سعى الى توظيف النجاح الشعبي الذي حظي به هذا الثنائي - أكثر مما حظي به مسلسله - ليتمكن من جذب الجمهور الى الصالة. وقد لا يكون مستغرباً أن يشكّل بديع وفيفيان ثنائياً درامياً جديداً قادراً على جذب الجمهور العريض الذي لم تغب عن مخيلته صورة الثنائي القديم: هند أبي اللمع وعبدالمجيد مجذوب. فالإطلالة الثنائية وخصوصاً في قصص الحبّ تغري الجمهور التائق دوماً الى المواقف الرومنطيقية في صيغة معاصرة أو حديثة. وان استطاع الفيلم جذب الجمهور التلفزيوني الى صالة السينما فهذا لا يعني أنّ الفيلم نجح كلّ النجاح وأنه تمكن من تحقيق "وثبة" ما للسينما اللبنانية. فهذا الفيلم لا تمكن قراءته كفيلم سينمائي وإنّما كمسلسل تلفزيوني في ساعتين. وإضافة الى الحضور الطاغي لبديع وفيفيان وأدائهما الجميل والبارع فإنّ القصّة نفسها قريبة جداً من قصّة المسلسل لمحة حب، بل هو الجوّ نفسه الذي رضخ مروان نجار تحته، قسراً أم طوعاً، طمعاً بنجاح سينمائي مماثل للنجاح التلفزيوني. فالبطل بديع أبو شقرا في الفيلم والمسلسل هو رجل أعمال، ذو ماضٍ مضطرب، يحاول أن ينتقم من ماضيه لنفسه ولحاضره. وتحضر المرأة فيفيان أنطونيوس في حياته الحضور نفسه في المسلسل والفيلم: إنّها أداة للانتقام حتى وان سرقت قلب الشاب المنتقم. لكنّ بديع أبو شقرا ينتقم في المسلسل لأبيه الذي مات مظلوماً، فيما هو في الفيلم ينتقم لشخصه الذي أمعن ربّ عمله في إذلاله. وعندما يتزوج الشاب من الآنسة التي تعمل لديه يتقارب الموقف من الموقف الذي برز في المسلسل: تبقى الزوجة عذراء أي بلا رجل حتى تكتمل لعبة الانتقام. لم يأتِ الفيلم إذاً بأيّ جديد إذا ما قورن بالمسلسل التلفزيوني لا من ناحية بناء الشخصيات أو "تركيبها" بالأحرى ولا من ناحية اختلاق المواقف والأحداث والتفاصيل ولا من ناحية السيناريو والاخراج. علماً أن اخراج سمير حبشي للمسلسل التلفزيوني "لمحة حب" كان بديعاً وتجلّت عبره العين السينمائية المرهفة لهذا المخرج الطليعي الذي نجح في توظيف قدراته من أجل انقاذ المسلسل من روحه المصطنعة وأجوائه المفتعلة كل الافتعال. أمّا المخرج ميلاد أبي رعد فحاول بدوره تقليد سمير حبشي في التركيز على جمالية المشهد وعلى حركية اللقطة السينمائية لكنّه وقع في ما يسمى "انشائية" الصورة خصوصاً عندما يتحوّل الفيلم الى عمل سياحيّ عبر تصوير السماء والشمس الغاربة والجبال والأشجار... حتى شخصية فيفيان انطونيوس ذكّرت كثيراً بشخصيتها السابقة في المسلسل، فالطابع الكاراكتير والسلوك هما نفسهما مع تغيير في التفاصيل والأحداث. فالفتاة التي تسعى في الفيلم الى انقاذ حبيبها وزوجها من براثن صاحب الشركة كاشفة عن ماضيه الشخصيّ ومتحدّية إياه في وقت واحد، بدت تشبه تلك الفتاة في المسلسل التلفزيوني التي حاولت أن تدرك ماضي حبيبها وزوجها وأن تساعده على تخطّي مشاكله متحدّية إياه في الوقت نفسه. وان كانت فيفيان انطونيوس في احدى إطلالاتها الأولى كممثلة في مسلسل "لمحة حبّ" وبدت فتيّة ولكن قديرة وموهوبة فهي هنا في الفيلم أشدّ قدرة في التمثيل وبدت موهبتها أكثر تفتحاً حتّى ليمكن تصنيفها في طليعة الجيل الجديد الذي أعقب الجيل السابق رلى حمادة، كارمن لبّس، رنده الأسمر، جوليا قصّار...، وقد تكون أشدّ وعياً من ممثلات جيلها اللواتي لا يبالي معظمهن إلا بشكلهن الخارجي، ويمكن استثناء بضعة أسماء طبعاً. أمّا بديع أبو شقرا فهو أيضاً في طليعة جيله الذي أعقب الجيل السابق الذي لم يتبلور أصلاً كما يجب على رغم احتوائه على أسماء مهمة مسرحياً وجلّها من متخرجي معهد الفنون. ممثل قدير هو بديع أبو شقرا وينمّ أداؤه عن وعي دراميّ وعن إلمام بلعبة التمثيل، سواء عبر عيشه أدواره واعطائها ما ينبغي من شفافية ورهافة وقوّة. إلا أنّ المشكلة أن أداء بديع وفيفيان بدا هو نفسه تقريباً بين المسلسل والفيلم ولا يقع اللوم عليهما بقدر ما يقع على مروان نجار والمخرج. وهذان كان يمكنهما أن يقترحا مقاربة مختلفة للثنائي ولمادّة الفيلم الدرامية فلا يقعان في التكرار والنمذجة. والفيلم كما المسلسل لا يخلو من النمذجة والتركيب المصطنع. وهذان من المشاكل الرئيسة التي يعانيها معظم الأعمال الدرامية التلفزيونية والأعمال السينمائية. فبينما يملك بعض الشخصيات حقيقة انسانية ما كالحب والكراهية والانتقام سرعان ما تقع في سياق قصصي وحدثي مصطنع وكأن كاتب السيناريو لا علاقة واقعية له بما يطرح أو يعالج من قضايا وأمور. فالقصة الواقعية غالباً ما لا تكون مقنعة، علاوة على ابتعادها عن الواقع اللبناني خصوصاً عندما تدور في عالم رجال الأعمال أو التجارة وسواهما من الميادين التي تتطلّب الكثير من الواقعية والدقة. فشخصية بديع أبو شقرا في الفيلم والمسلسل هي شخصية واقعية ومنحرفة عن واقعيتها في الوقت نفسه، فالفعل الذي يكمن في قراءة هذه الشخصية غير حقيقي ولا يحيطه أيضاً أي سياق يسهم في تركيزه كفعل إنساني. لا يدري المشاهد كيف تمكّن الشاب في المسلسل من الانتقام لأبيه ولنفسه من صاحب المؤسسة الظالم؟ التي كان يعمل فيها، ولا كيف أصبح صاحب شركة كبيرة في وقت قصير، ولا كيف استطاع ان يصبح فجأة رجل أعمال كبيراً يتمكّن من ضرب شركة "معلّمه" السابق ووالد زوجته التي شاءها أداة الانتقام! وتطرح شخصية بديع أبو شقرا في الفيلم الأسئلة نفسها تبعاً لعدم واقعيّتها وعدم تجذّرها في واقع عالم الأعمال. فالمشاهد لا يدري أيضاً كيف استطاع أن يحذف الشاب معلّمه السابق وأن يسيطر على الشركة، فيما "المعلّم" رجل خبيث وشرّير ولصّ، ولا كيف لم يعلم بمسألة حمل صديقته أو حبيبته واختفائها، ولا لماذا شاء الانتقام من الفتاة التي ضبط أخوها يسرق مال الشركة! أما المفارقات الكثيرة والتي لا تحصى فهي مضحكة وركيكة وكأنّ مروان نجار أتى بها من عالم "الفودفيل" وأدخلها في العملين التلفزيوني والسينمائي فيما كتابة السيناريو تختلف كثيراً عن كتابة النص المسرحي. وقد بدا واضحاً ان كلّ الأعمال اللبنانية تلفزيونياً وسينمائياً تسقط في ما يشبه "المحاكاة الساخرة" البارودي عندما تلج عالم الأرقام والأموال والأعمال الكبيرة. ولا أحد يدري لماذا لا يتعلّم كتّاب السيناريو والقصص من الأفلام الأجنبية حتى التجارية منها كيف تعالج مثل هذه المواضيع بدقة حسابية وواقعية صارمة. ترى هل هي عقلية كاتب السيناريو الذي ما زال "رومنطيقياً" أو وجدانياً وبعيداً من الواقعية الصرفة؟ وعودة الى الفيلم لا بدّ من الإشارة الى ما يلجأ اليه المخرجون اللبنانيون دوماً وهو إظهار قوى الأمن اللبنانية في اللحظات الحرجة و"البوليسية" وكأنّهم عبر رجال الأمن اللبنانيين يؤكدون لبنانية أعمالهم. وهم يظنون ان السينما لا تصبح لبنانية إلا عبر رجال الدرك الذين يسيئون تصويرهم دوماً فيبدون نافرين وآتين من خارج عالم الفيلم. وهذا طبعاً ما وقع فيه فيلم مروان نجّار، وبدت أصلاً اللعبة البوليسية في الفيلم ساذجة وركيكة. ترى هل ينتمي فيلم "أحبّيني" الى السينما اللبنانية التي حاول عدد من المخرجين المهمّين والطليعيين أن يرسخوا معالمها جورج نصر، مارون بغدادي، برهان علوية، غسان سلهب وسواهم... أم أنه ينتمي الى السينما اللبنانية التجارية والساذجة التي شاهدها ويشاهدها الجمهور، حيناً تلو آخر، ويخرج منها ساخراً لا من سخافتها فقط، بل من ادعائها أنّها سينما لبنانية؟ الجواب يعرفه الجميع، الجمهور ومروان نجار والمخرج والممثلون!