يعيش العاملون على معبر الكرامة الحدودي بين الأردنوالعراق، حال استنفار وحذر وقلق غير مسبوقة، بعد ان فجر ثلاثة انتحاريين عراقيين أنفسهم داخل ثلاث فنادق في العاصمة عمان الأسبوع الماضي، في أول حادثة ارهابية من نوعها اوقعت 58 ضحية معظمهم مواطنون كانوا يحضرون حفل زواج، وپ100 جريح. يقف رجال الامن، بسحناتهم السمراء، في حالة تأهب قصوى. عيونهم تراقب الوضع، خوفاً من عبور سيارة مفخخة، أو"مشروع انتحاري"آخر، أو اسلحة ومتفجرات، أو مسافرين يحملون جوازات سفر عراقية، ومركبات برخص مزورة، بعد ثبوت تزايد خطر الارهاب الآتي من العراق منذ سقوط نظام صدام حسين قبل عامين. وقال احد المسؤولين لپ"الحياة":"على رغم التشديد الحالي على معبر الكرامة، فإن العمليتين الارهابيتين الاخيرتين، وقبلهما محاولة فاشلة لضرب سفينة حربية اميركية راسية في ميناء العقبة الاردني بداية أيلول سبتمبر، استشهد فيها جندي اردني، أظهرت ان لا نظام أمنياً في العالم يعصي على الاختراق 100 في المئة". الانتحاريون الاربعة، ثلاث رجال فجروا احزمتهم الناسفة داخل الفنادق، وزوجة احدهم، التي خانها حزامها، دخلوا الأردن عبر هذا المعبر، على رغم شدة الاجراءات الأمنية التي بدء بتطبيقها منذ عملية العقبة، والتي أكدت أن"تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، بقيادة الطريد الأردني أبو مصعب الزرقاوي، بات جاهزاً ليصدر"ارهابه"الى دول الجوار. والأردن يبقى عدوه الشخصي، بدءاً بجهاز استخباراته، الذي استطاع اختراق تنظيم القاعدة الأم، برئاسة أسامة بن لادن، وهو في طور النشوء في أفغانستان في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولاحقاً افشاله عشرات من المحاولات الإرهابية التي كان يخطط لها في الأردن، والمنطقة، والعالم. كومبيوترات مدعمة بكاميرات مراقبة، نصبت أخيراً على بوابات الدخول والخروج من المعبر. رصدت دخول الانتحاريين الاربعة في تمام الساعة 15.18 من بعد ظهر يوم 5 أيلول سبتمبر 2005، في سيارة خاصة بيضاء، مستعملين جوازات سفر، ثبت لاحقاً انها مزورة. لم يشتبه بهم، شأنهم شأن آلاف العراقيين والعرب والاجانب الذين يدخلون ويخرجون في الاتجاهين، يومياً. لم يشكك فيهم أحد؟ لم يكن معهم أحزمة ناسفة، إذ أوضحت التحقيقات الأولية أن الاحزمة سلمت لهم لاحقاً في عمان، من قبل مجموعة دعم لوجيستي، وفرت ايضاً شققاً وبيوتاً آمنة لعملية نفذت من ألفها الى يائها بأيد عراقية كما ذكرت أجهزة الأمن الأردنية. وهو أمر دفع مسؤول أمني اردني الى القول إن العملية الأخيرة اكدت ضرورة ادخال تعديلات مستمرة على النظام الامني والاستخباراتي، لاغلاق الثغرات الممكنة، ولمواكبة التغيير في تقنية"الارهابيين والمهربين". عمليات عمان الارهابية دفعت كلاً من الأردنوالعراق الى تنسيق الجهود الحدودية للحد من الأنشطة الارهابية. وركبت الحكومتان بدعم أميركي، أجهزةً إلكترونية لقراءة جوازات السفر المزورة، مرتبطة بشبكة معلومات بين نقطتي الحدود الأردنيةوالعراقية معبر القادسية، وبالأجهزة الرئيسية في العاصمتين، وذلك بعد أن انتشرت ظاهرة تزوير الجوازات العراقية منذ عام 2003. وأكد مسؤول أردني آخر أن أجهزته تضبط يومياً نحو 100 جواز سفر عراقي مزور على الحدود. وأشار المسؤول ذاته، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، انه ومنذ العملية الأخيرة، صار الشعار"أمن الأردن اولاً واخيراً"، ولكنه حاول ايجاد توازن بين متطلبات الحفاظ على الاستقرار، والانفتاح الضروري لتشجيع تدفق الاستثمار والسياح، من دون"أن نتحول الى دولة بوليسية". وبعد العملية الأخيرة، طبقت على المعبر اجراءات احترازية أخرى للكشف عن محاولات التسلل والتهريب، ومنها انارة المنطقة الترابية"العازلة"بين الحدودين"بكشافات قوية ليلاً"، ومنع دخول السيارات العراقية التي تحمل لوحات سوداء موقتة، بعد ان اكتشف ان عدداً كبيراً من هذه الأرقام هو لمركبات عراقية مسروقة. ويوم الاثنين، ألزم أصحاب الفنادق والشقق المفروشة وغير المفروشة الذين يقومون بتأجير أو إيواء أي أجنبي، بابلاغ الشرطة عن"أسم الأجنبي الذي يقيم عندهم وعنوانه وجنسيته، ورقم الجواز الذي يحمله، وسبب الاستئجار، ومدة الإقامة، خلال ثمان وأربعين ساعة من دخوله تحت طائلة المساءلة القانونية". وبعد الانفجار بيوم واحد، نصبت أجهزة كشف المتفجرات على مداخل الفنادق والوزارات والمؤسسات العامة والخاصة والمراكز التجارية. ويعكف حالياً فريق من وزارة الداخلية على وضع تصور لمسودة مشروع قانون وقائي لمحاربة الإرهاب ومحاربة"الأفكار التكفيرية"، يفرض عقوبات على كل من يروج الأعمال الارهابية أو يحاول تبريرها في أي بلد كان بما فيها المملكة. ويستوحي العاملون على المشروع تجربة بريطانيا الأخيرة، وبطريقة توازن بين حق التعبير المكفول دستورياً، والقانون. وعلى معبر الكرامة، تصطف عشرات السيارات والشاحنات الراغبة بدخول الأردن من العراق، في طابور طويل كل يوم، بانتظار اجتياز فحص يجريه جهاز أشعة أدخل في الخدمة قبل قرابة شهرين، لرصد محاولات تهريب مخدرات، أسلحة أو متفجرات، تدخل الى السوق المحلي، ومنها الى دول الجوار والعالم. والأردن وجد نفسه بحاجة للاستعانة بتقنية الأشعة الحديثة والأتمتة،"بدلاً من الاعتماد على الجهد البشري للعاملين على الحدود، وعلى الحدس والبصيرة، وعلى التفتيش اليدوي، وعلى العناية الإلهية"بحسب المسؤولين، بخاصة بعد إحباط عملية العقبة، وقبلها محاولة تفجير معبر الكرامة على يد مواطن سعودي، في عملية خطط لها تنظيم الزرقاوي. ويضبط يومياً عشرات المتسللين عبر الحدود الصحراوية الممتدة على مساحة اكثر من 160 كيلومتراً، هرباً من الفوضى، أو بحثاً عن لقمة العيش. وقال احمد محمد، سائق تاكسي يعمل على خط بغداد - عمان منذ العام 1995، إن الأردن بدأ تشديد التفتيش بعد عملية العقبة، وشددها اكثر بعد عملية عمان،"وتحول الوضع من تفتيش عشوائي إلى إلزامي لكل ما يمر الى الأردن". ومعبر الكرامة هو المتنفس العربي الأكثر أهمية للعراقيين وغيرهم من الذين يغادرون أو يدخلون العراق، ونقطة ترانزيت رئيسية لآلاف الأطنان من الصادرات والواردات منذ الثمانينات من القرن الماضي، وخصوصاً بعد أن فرضت الأممالمتحدة حصاراً اقتصادياً على العراق عام 1990 ومنع بموجبه السفر جواً من والى العراق. وازدادت أهمية المعبر بعد سقوط نظام صدام، واغلاق السعودية والكويت حدودهما مع العراق، بينما اصبح العبور من خلال اقليم كردستان العراقي باتجاه سورية وتركيا وايران صعباً، وخطراً. ويبقى السفر بالسيارة أقل كلفة وأكثر عملية لنقل الأمتعة. وتصر السلطات الأردنية الآن على رفع كل شاحنة وسيارة على منصة جهاز متحرك ابيض، لتبدأ ذراع الآلة الرئيسية بالتحرك بموازاة هيكل السيارة لدقائق، للكشف عن أية أجسام غريبة مهربة، قبل أن يسمح للمركبة بالدخول إلى باحة الحدود الرسمية المقامة وسط منطقة شاسعة مملوءة بصخور البازلت الداكن، وكثبان الرمل الناعم. وبعدها، يخضع المسافرون من الرجال والنساء الى تفتيش شخصي، ثم عملية ختم الجوازات وإنهاء البيانات الجمركية لإدخال العربات في عملية قد تستغرق ساعات، بحسب كثافة المسافرين. ومجرد الشك هذه الأيام يعني إنزال السيارة والأمتعة، ووضعها في مكان يبعد عن الجهاز أمتاراً، تحسبا لأية مفاجآت غير سارة. ثم يبدأ التفتيش الآلي، واليدوي، واستعمال كلاب بوليسية مدربة للكشف عن متفجرات ومخدرات، وأحياناً تفكيك فرش السيارة وأجزاء اخرى. جهاز الأشعة الرئيس متحرك، ومحمي من محاولات ضربه وتعطيله من قبل اكثر من ألف من المهربين العراقيينوالأردنيين الذين يُعرفون"بالبحارة"، لا سيما ان أرزاقهم ضربت منذ إدخال الجهاز إلى الخدمة، ومن"الإرهابيين". وأضافة الى خطر الارهاب، هناك تحد آخر: على بعد كيلومترات من المعبر، نشأت منذ عام 2003 ساحة انتظار ومبيت في المنطقة العازلة، للشاحنات الداخلة والخارجة، تعاني من انعدام أية مظاهر أمنية أردنية وعراقية. يتجول فيها رجال العصابات التي تمتهن الخطف وتزوير الوثائق، والقتل إذا لزم الأمر، خصوصاً اذا شكوا ان الشاحنة محملة بمواد إنشائية للجيش الأميركي. ومنذ سنة تقريباً، لا يرغب سائقو الشاحنات من الأردنيين السفر إلى بغداد، فيفرغون حمولة شاحناتهم في هذه الساحة، لتعود وتحمل في شاحنات عراقية. معظم المسافرين يحرصون على السفر عبر الأوتوستراد الذي يربط غرب العراقبالأردن خلال النهار، خشية عصابات الخطف والسلب وقطاع الطرق فضلاً عن الانتحاريين والجهاديين الذين يحاولون ضرب رتل أميركي. وبحسب مسؤولي الأمن الأردنيين، فإن معدل حركة المسافرين يومياً من مغادرين وواصلين عبر معبر الكرامة يصل الى نحو 5 آلاف شخص، تخدمهم أربعة مسارب للداخلين وللمغادرين. وتعبر يوميا حوالي 600 مركبة و800 شاحنة في الاتجاهين. وبحسب السجلات الرسمية، هناك اكثر من 300 ألف عراقي لجأوا إلى الأردن خلال الأشهر الماضية، غالبيتهم هرباً من غياب الأمن، وأقاموا هنا مع عائلاتهم. فيما يأتي آخرون لفترات قصيرة - للنقاهة أو للعلاج، أو حضور اجتماعات وورشات عمل. وهناك أيضا مئات من أفراد الشرطة والجيش العراقي الجديد يتدربون في مركز خاص ممولة أميركياً، في قاعدة صحراوية أنشئت على الطريق الذي يربط معبر الكرامة بعمان. ويقول المسؤولون الأردنيون إن هناك توجهاً لصرف عشرات الملايين من الدولارات لتطوير النقطة الحدودية النائية، التي يسكن العاملون فيها بيوتاً متحركة، ويعملون في ظروف قاسية، صيفاً وشتاء. والعمل جار على قدم وساق لتطوير نظام آلي لمراقبة الداخلين والخارجين عبر المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية كافة في المملكة نهاية العام الحالي. ويشدد الأردن على أن دخول الرجال من العراق تحت سن الپ45، يملي عليهم إثبات أسباب وجيهة للزيارة. أما مرافقو المرضى، فتم تقليص اعدادهم الى الحد الأدنى. وتدرس الحكومة الآن إمكان فرض تأشيرات دخول العراقيين بعدما منعت دخول الشاحنات والسيارات التي تحمل خزانات وقود إضافية. پ