حتى أشهر قليلة كان الدنو من كارثة 11 أيلول سبتمبر 2001 يبدو محرّماً على السينما الأميركية، والسينما الروائية تحديداً. ففي مزيج من الحياء والحس الوطني العام واحترام الضحايا، كان ثمة توافق على أن الحدث أكبر من أي فيلم قد يحقق عنه، وأكبر من أي رواية قد تحاول احياءه. ومع هذا لم يخلُ الأمر من برامج تلفزيونية وكتب، بل حتى من أفلام سينمائية التفت في شكل أو في آخر حول الموضوع "الفتيان"من تمثيل سيغورني ويفر، وحلقات فيلم"11/9"، ولا سيما منها اسكتش شون بن مع ارنست بورغناين. أما اليوم فقد تبدل الأمر كما يبدو. وها هما شركتان هوليووديتان كبيرتان تتنافسان حول مشروعين يطاولان الكارثة الارهابية في شكل مباشر. وحسبنا هنا ان نذكر اسم صاحب المشروع الأول، حتى ندرك سر الدهشة المرتسمة على الوجوه الأميركية اليوم، اذ بدأ الإعلان جدياً عن المشروع الأول: مشروع شركة"بارامونت". الاسم هو: أوليفر ستون الذي يعتبر من أكبر الاستفزازيين في هوليوود. ستون، السائر دائماً عكس التيار، والذي - قبل أن يُصدم هو بالنتائج التجارية المخيبة لشريطه الأخير"الاسكندر"- صدم الأميركيين بفيلمين، احدهما عن كاسترو والآخر عن عرفات. لكنه كان صدمهم قبل ذلك بسلسلة أفلامه عن جون كينيدي وريتشارد نيكسون وكرة القدم الأميركية، وفيتنام. في كل هذه الأفلام بدا ستون دائماً، سابراً العقلية الاميركية متحدياً اياها. فما الذي سيفعله بنظرة الأميركيين تجاه ما حدث في نيويورك ذات يوم كئيب من العام 2001؟ يجيب ستون ببساطة:"سأقدم تأملاً عميقاً حول ما حدث، وصورة للبطولة في بلادنا". كلام جميل. لكن قلّة تصدقه منذ الآن، على رغم ما عرِف عن السيناريو "الرائع"بحسب الذين قرأوه الذي"يروي الحكاية الحقيقية لضابطي الشرطة، جون ماكلافلن وويليام جيمنو اللذين كانا آخر من غادر المبنى قبل انهياره. ليس للفيلم اسم حتى الآن، إذ يُعرف فقط ب"مشروع مركز التجارة العالمية الذي لا عنوان له". أما بطولته فمعقودة لنيكولاس كايج. في المقابل، هناك مشروع عنوانه"مئة دقيقة ودقيقتان"، تحضّر له شركة كولومبيا، من سيناريو واخراج بيلي راي، عن كتاب وضعه جيم ديوير وكيفن فلاين، وهو بدوره يتحدث عما جرى داخل مركز التجارة العالمية، بين الساعة 8.46 التي حصل فيها الاصطدام الأول والساعة 10.28 التي انهار فيها اول البرجين. واذا كان عرف عنوان هذا الفيلم، فإن هذا لا يعني انه سينجز أولاً، اذ ان شركة كولومبيا آثرت انتظار ما سيؤول اليه مشروع"بارامونت"الذي يفترض ان يبدأ تنفيذه خلال شهر أيلول المقبل، علماً أن"بارامونت"أعلنت أن هذا الفيلم الذي تتوقع له ان يكون"تايتانيك"جديداً، سيعطى قسم كبير من أرباحه لجمعيات أسر الضحايا وورثة الأبطال الذين تصدوا للكارثة. غير ان هذا الاعلان الأخير لم يخفف، بعد، حدة السجال حول صواب تكليف أوليفر ستون بتحقيق فيلم غايته تمجيد البطولة الأميركية، وهو المعروف بموقفه السلبي غالباً من الايديولوجيا الأميركية. وهو سجال من المتوقع ان يشتد احتداماً مع بدء التصوير.