يوم 11 تشرين الثاني نوفمبر تصبح السعودية رسمياً عضو في منظمة التجارة العالمية. هذا الحدث وصفه المدير العام المنظمة باسكال لامي يوم تمت الموافقة على لبعضوية في 28 تشرين الأول اكتوبر بأنه"تاريخي". وهو فعلاً كذلك للمملكة التي أجرت اصلاحات كبرى في قوانينها واقتصادها خلال فترة مفاوضات دامت عشر سنوات لدخول المنظمة. هذه المنظمة التي باتت تضم 148 دولة، ومركزها جنيف، تنظم العلاقات التجارية والاقتصادية للدول على أسس تحرير التجارة والمنافسة واللجوء الى التحكيم لحل الخلافات وتشجع على حسن أداء إدارة شؤون الاقتصاد والتجارة لكل دولة عضو فيها. وكان ملفتاً ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك خلال لقائه مع مساعد وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز على هامش معرض الطيران في لوبورجيه في فرنسا خلال الصيف الماضي تحدث معه عن اهتمام فرنسا بانضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية ودعمها. وكانت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة حول تسعيرة سوائل الغاز العقبة الأخيرة أمام انضمامها للمنظمة. اذ رفض الاتحاد الأوروبي ان تكون للسعودية تسعيرتان لسوائل الغاز البروبين والبيوتين أحداهما للمستخدمين المحليين واخرى للصادرات من سوائل الغاز. إلا ان العقبة أزيلت بفضل مفاوضات جرت بين مسؤولين سعوديين في طليعتهم وكيل وزارة النفط السعودي الامير عبدالعزيز بن سلمان ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي وفرنسا. وتمكنت السعودية بعد ذلك من انهاء المفاوضات للدخول الى منظمة التجارة العالمية مع الحفاظ على نظامها التسعيري لسوائل الغاز والالتزام في المقابل بعدم بيع سوائل الغاز محلياً او للتصدير بأقل من التكلفة. فعضوية السعودية في منظمة التجارة تطوّر بالغ الأهمية لأنها أكبر دولة نفطية في العالم مع أكبر احتياطي نفطي، كما هي أكبر اقتصاد عربي في الشرق الأوسط وفي منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. ومن شأن دخولها الى منظمة التجارة أن يعطيها قوة تفاوضية داخل المنظمة في إطار المجموعة العربية و"أوبك"يمكنها من تحقيق مكاسب في النظام التجاري العالمي، كالتفاوض مثلاً لتحرير قطاعات خدمات الطاقة. ومن ايجابيات عضوية السعودية في المنظمة أنها خلال مفاوضاتها للدخول أجرت تغييرات واصلاحات في قطاعات مختلفة تكيّفت مع العولمة والاقتصاد الحر. اذ فتحت مثلاً قطاعات مثل الاتصالات الذي شهد فورة منذ تحريره، وكذلك التأمين والخدمات المالية، فمثلاً صرّح للبنك الألماني"دويتش بنك"والبنك البريطاني HSBC بفتح فروع في السعودية. وشهدت سوق الأسهم السعودية ارتفاعاً بعد إعلان الموافقة على الانضمام السعودي الى منظمة التجارة العالمية بسبب فتح قطاع المال. ومن المتوقع أن يستفيد المستهلك السعودي من هذا الانضمام لأن الرسوم الجمركية على مجموعة السلع ستنخفض تبعاً لالتزامات السعودية السلعية، ما يخفض اسعار السلع للمستهلك. وستخفض أيضاً تكاليف بعض الخدمات بسبب المنافسة وغيرها من الدول الأوروبية. فلهذه العضوية ايجابيات عدة وفي الوقت ذاته هناك تحديات كبرى نتيجة المنافسة ينبغي أن يواجهها قطاع الأعمال بفعالية وقدرة. فالمناسبة تفرض إعادة النظر في قوانين العمل وتكييف القوانين لمتطلبات الانضمام الى المنظمة. والمنافسة في بعض القطاعات ستؤدي الى اندماجات مثلما حصل في البنوك في عدد من الدول الكبرى. وهناك بعض التحديات على المدى البعيد في القطاع الزراعي من جراء المنافسة في حين أنها لن تؤثر في القطاع الصناعي في السعودية. لا شك أن انضمام السعودية الى منظمة التجارة الدولية مشجع للاستثمارات في اقتصادها وهو أيضاً محرك لنمو اقتصاد كبير ولاعطائه قدرة على المنافسة والتحديث المستمر.