سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اتفاقات التبادل الحر تفتح الأسواق العربية أمام الشركات الأميركية . "وول مارت" عملاق تجارة التجزئة في الولايات المتحدة : فخامة التسوق ورخص الأسعار ... وأرباح طائلة
ينفق الأميركيون 3.6 تريليون دولار سنوياً، وبمعدل 820 مليون دولار في كل ساعة من ساعات النهار على السلع والخدمات. لذا يصعب تخيل أسواقهم الاستهلاكية من دون شركات عملاقة مثل"بركتور أند غامبل"و"كوكاكولا"و"كنتاكي"، ولا حتى سوبر عمالقة مثل"وول مارت"و"جنرال موتورز"و"سيتي غروب". وليست أميركا حالة فريدة، فلكل سوق من أسواق العالم عمالقتها، والفارق بينها وبين الآخرين، أنها دفعت بتقاليد الاستهلاك إلى حد الهوس، مهيئة لشركاتها أرضاً خصبة لطموح بلا حدود جغرافية. ودخلت كبريات الشركات الأميركية الأسواق الاستهلاكية العربية منذ خمسينات القرن الماضي، بداية بسلعها فورد، شيفروليه، الخ ولاحقاً عبر امتيازات تسمح بتصنيع منتجاتها محلياً أو تسويقها بيبسي كولا، وينديز، تايد، آيفري، ويندوز، هيد آند شولدرز، الخ. لكن هذه الشركات الشديدة الطموح هي المعنية أولاً وأخيراً باتفاقات التبادل الحر، التي استحسنتها العولمة الاقتصادية، وتتحمس أميركا والدول العربية لإبرامها، إذ ستفتح أمامها بوابة الأسواق العربية على مصراعيها. وهناك فارق آخر يميز الشركات الأميركية عن غيرها، وهي أنها، بغالبيتها الساحقة، تعزو نجاحها إلى"الحلم الأميركي"، تلك الفكرة التي تثير حتى لدى الأميركي العادي مشاعر متناقضة، لكن يصعب تجاهل حقيقة أنها خليط من الغموض والسحر، والثروات الخيالية. ولا يجسد هذا الحلم الأميركي أكثر من شركة"متاجر وول مارت"، التي دخل مؤسسها"جيمس وولتون"عالم التجارة بقرض صغير"ميسر"من"حماه"، الرجل المصرفي، في خمسينات القرن الماضي وأصبحت اليوم الشركة الأكبر في العالم قاطبة بحجم المبيعات. وقدم رئيس وول مارت الحالي"لي سكوت"، نبذة عن مكانة الشركة وطموحاتها قائلاً في رسالة مفتوحة لحملة الأسهم:"خرجنا من سنتنا المالية المنتهية في 31 كانون الثاني يناير 2005، بمبيعات قياسية ناهزت 285 بليون دولار، وتجاوزت أرباحنا الصافية عشرة بلايين دولار للمرة الأولى، وازدادت مبيعاتنا 29 بليون دولار، لكن أرباحنا نمت بسرعة أكبر من مبيعاتنا، وافتتحنا عدداً قياسياً من المتاجر في أميركا والعالم، وسنفتتح في سنتنا المالية الجديدة 530 متجراً منها 165 خارج الولاياتالمتحدة". وستضاف المتاجر الجديدة إلى 3150 متجراً تملكها وول مارت في الولاياتالمتحدة، وكذلك إلى 1587 متجراً تملكها أو تشارك في ملكيتها خارج أميركا، وتشمل 261 متجراً في كندا، و88 في ألمانيا، و16 في كوريا الجنوبية، و708 في المكسيك، و54 في بورتوريكو، و11 في الأرجنتين، و48 في الصين، و268 في البرازيل و292 في بريطانيا، حيث تشارك في ملكية متاجر"آسدا"وپ"جورج"و"آسدا - وول مارت". وبلغت حصيلة مبيعات الشركة في أميركا العام الماضي 192 بليون دولار، و56 بليون دولار خارجها. ويصف المحللون ب"المذهل"، مدى التطور الذي حققته وول مارت، منذ افتتح جيمس وولتون أول متجر يحمل اسمها في ولاية آركنساس في عام 1962، والى أن أصبحت حالياً تحتل المرتبة ال33 في لائحة اقتصادات العالم. وتتابعت خطوات التطور سريعاً، إذ تحولت وول مارت من مشروع تجاري إلى شركة في 1969، وأدرجت أسهمها في بورصة نيويورك في 1972، ولم يحلّ عام 1990، إلا وأصبحت أكبر شركة في أميركا منفردة بنحو 9 في المئة، من تجارة التجزئة في طول الولايات الأميركية وعرضها. ويشير كبار المسؤولين في الشركة إلى أن النجاح الذي تحقق في أميركا جعل خوض مغامرة التمدد عالمياً مسألة وقت لا أكثر. وجاءت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه على شكل مشروع مشترك مع الشركة المكسيكية"سيفرا"في 1991، وتلتها خطوة أكثر جرأة تمثلت بافتتاح أول متجر يحمل اسم وول مارت في بورتوريكو في 1992. ثم تحول التمدد إلى سيل جارف ضمن الشركة، خلال أعوام قليلة، تواجداً ضخماً في الدول الثماني المشار إليها، إضافة إلى بورتوريكو المرتبطة سياسياً بالولاياتالمتحدة. وانتهجت وول مارت في بداية عهدها وفترة انتشارها في الولايات الأميركية، استراتيجية تقليدية تركزت في بناء المتاجر واحتواء المنافسة. لكن تمددها الخارجي اعتمد على تطبيق استراتيجية أكثر مرونة، لخصها رئيس ذراعها الدولية جون مينزر بالقول:"إن عملياتنا الدولية تتألف حالياً من متاجر مملوكة لنا بالكامل في الأرجنتينوكنداوألمانياوكوريا الجنوبية وبورتوريكو وبريطانيا، ومشاريع مشتركة في الصين، وفروع نمتلك فيها الحصة الكبرى في البرازيلوالمكسيك". ويلاحظ في التقارير السنوية لوول مارت، بأن الشركة ليست مغرية للمستثمرين، إذ إن أعلى نسبة أرباح صافية حققتها في العام الماضي لا تزيد على 3.6 في المئة من مبيعاتها، إلا أن سعر سهمها العمومي هو اليوم يزيد على 40 ضعفاً مما كان عليه في بداية الثمانينات، على رغم"تصنيفه"تسع مرات متتالية. وإلى أن وافته المنية في 1992. كان عميد وول مارت جيمس وولتون، أغنى رجل أعمال في العالم، وتقدر الثروة التي خلفها لأبنائه حالياً بضعفي ثروة أغنى رجل في العالم مؤسس"مايكروسوفت"وليم بيل غيتس. إلى ماذا يعود هذا النجاح"المذهل"؟ في مذكرات وولتون الراحل وتصريحات المسؤولين الحاليين وخطاباتهم وبياناتهم، لا يجد المرء سوى قصة من قصص الطموح والثروات الخيالية التي خرجت من الحلم الأميركي. إلا أن الحقيقة التي تتكشف شيئاً فشيئاً، تؤكد بأن وول مارت خرجت إلى الوجود في المكان والوقت المناسبين، مستفيدة من الطفرة السكانية والرفاه اللذين تحققا لأميركا، نتيجة لانتصارها في الحرب العالمية الثانية، لكنها طورت وفي بعض الحالات، اقتبست استراتيجيات وأساليب عمل جريئة، ومتميزة ضمنت لها النجاح في أميركا، وعززت طموحاتها العالمية. وتبدو بعض أسرار نجاح وول مارت صارخة، فزيارة أحد متاجرها والتجول في أجنحته التي تتوزع في مساحة تصل إلى عشرة آلاف متر مربع، وتعرض من 70 إلى 80 ألف سلعة، إضافة إلى ضروريات استهلاكية، مثل النظارات الطبية والأدوية والتصوير وخدمات الصيانة الأساسية للسيارات، تكشف بأن الشركة حققت المعادلة الصعبة التي مكنتها من كل منافساتها في أميركا، وهي الجمع بين فخامة التسوق، ورخص الأسعار، ناهيك عن تشجيع المستهلك على إطلاق العنان لنزواته بضمان حقه في إعادة أي من مشترواته في أي وقت شاء، واستعادة نقوده كاملة بلا مساءلة ولا عتاب. لكن مقومات النجاح غير المنظورة، التي تجعل وول مارت قادرة على اختراق الأسواق، وخصوصاً الأسواق الواعدة في الشرق الأوسط، تستند إلى مجموعة كبيرة من المبادئ والتقاليد التي لا تعوزها الجرأة وبعد النظر وإن كان بعضها يثير الجدل وكثيراً ما عرَّض الشركة للمتاعب، مثل التعلم من المنافسة واقتناص الخبرات واكتساب ولاء المديرين والعاملين واحترام مشاعر المستهلكين. ويضاف إلى ذلك، توافر مصادر التمويل، والقدرة على فرض شروط"قاسية"على المنتجين، مثل شرط خفض الأسعار باضطراد.