قررت هوليوود الاشتراك في الحرب الإعلامية التي تشنها الولاياتالمتحدة ضد الذين ينتقدون موقفها في العراق. ولقد أعلنت شركة"يونيفرسال"انها ستباشر مطلع سنة 2005 في تصوير فيلم اختارت له عنواناً مثيراً هو"معركة الفلوجة". وقصة الفيلم مستوحاة من وقائع نُشرت في كتاب صدر هذا الاسبوع في أميركا عنوانه"ليس مدعاة للافتخار". ويلخص الكتاب الذي وضعه بينغ وايست سير المعارك التي نقل وقائعها من بغداد حيث عمل كمراسل حربي. والمؤلف وايست بدأ عمله كضابط في البحرية الأميركية، ثم انتقل الى ميدان السياسة والصحافة. ويستدل من عنوان كتابه انه لم يكن مقتنعاً بالنصر الذي يدعي وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ان بلاده أحرزته في العراق. قال المخرج ان لقطات الفيلم تبدأ في معركة الفلوجة التي اندلعت خلال شهر نيسان ابريل الماضي إثر مقتل أربعة مدنيين كانوا يعملون في شركة مقاولات. وبعد نزاع دموي تدخل البيت الأبيض مع قائد العملية الجنرال جيم ماتيس لوقف القتال. وواضح من اختيار بطل أفلام انديانا جونز هاريسون فورد، ان هوليوود تريد دعم قرار الإدارة الأميركية عن طريق انتاج فيلم عالمي اختارت له بطلاً شهيراً. بعد مرور ستة شهور على معركة الربيع، أعيد انتخاب جورج بوش لولاية ثانية. ودشن الرئيس هذه المرحلة باصدار أوامر لاحتلال الفلوجة، ولو أدى ذلك الى تدمير المدينة العاصية وتشريد سكانها. ولقد اتخذ بوش هذه الخطوة بناء على توصية القيادة العسكرية التي ذكّرته بأن حرب الاستنزاف في فيتنام قد تتكرر في العراق، وأنه من الواجب مساعدة حكومة اياد علاوي على تخطي أزمة الانتخابات المزمع اجراؤها في آخر شهر كانون الثاني يناير 2005. صحيفة"واشنطن بوست"استأنفت حملتها ضد الرئيس بوش بنشر صور أكثر من 150 جندياً أميركياً قتلوا أثناء الهجوم على الفلوجة، مذكرة القراء بأن 1300 جندي أميركي قتلوا منذ بداية الغزو في آذار مارس 2003. وأفردت الجريدة ثلاث صفحات لصور الجنود مؤكدة انها جمعتها من أسر القتلى والصحف المحلية، واعتبر البيت الأبيض ان"واشنطن بوست"خرقت الحظر الإعلامي المضروب حول هذا الموضوع الحساس، الأمر الذي اضطر الوزير رامسفيلد الى تدبيج رسائل شخصية يعزي فيها أهل المفقودين. ورأى المعلقون في اسلوب المعارضة الذي اختارته الجريدة الواسعة الانتشار، تجديداً للأسلوب الذي مارسته الصحافة الأميركية ضد الرئيس ليندون جونسون. صحيح ان الولاياتالمتحدة فقدت أكثر من خمسين ألف جندي أثناء حرب فيتنام... ولكن الصحيح أيضاً ان المرشح الديموقراطي جون كيري تنبأ بحرب استنزاف طويلة في العراق اذا فشل جورج بوش في اكتشاف مخرج لائق لسحب القوات. وكما اشتركت هوليوود في انتاج سلسلة أفلام عن حرب الادغال في فيتنام بهدف اظهار الجنود الأميركيين كمحررين لنظام سايغون من نظام هانوي الشيوعي... هكذا تحاول شركة"يونيفرسال"انتاج فيلم يظهر بطولات أميركية وهمية ضد من تصفهم بالارهابيين لأنهم يحاولون منع العراقيين من الاستمتاع بنعمة الديموقراطية المستوردة وحرية الانتخاب. الحكومة العراقية الانتقالية لم ترحب بفكرة الفيلم، لأنه يضع المقاومة على مستوى محاربي الفيتكونغ، ويجعل من فئة محدودة العدد، خصماً مرعباً من أجل تبرير الدمار الذي ألحقته الصواريخ وقنابل الطائرات بمدينة الفلوجة. ويبدو ان عملية تضخيم حجم العدو ستكون جزءاً من الغطاء الإعلامي بهدف حجب الوضع المأساوي الناشئ عن قصف المنشآت والأبنية وتهجير السكان الذين يزيد عددهم على ثلاثمئة ألف نسمة. وفي آخر تظاهرة قام بها النازحون أمام مبنى الحكومة في بغداد، ارتفعت الأصوات مطالبة بتعويض يزيد على عشرة بلايين دولار، ومحاسبة المسؤولين عن الدمار والقتل الجماعي العشوائي. صدر الاسبوع الماضي في واشنطن تقرير وضعه"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"هو عبارة عن مقارنة بين حرب العراق وحرب فيتنام. وفي التقرير الذي أعده مسؤول سابق في البنتاغون هو انتوني كوردزمان اعتراف صريح بأن الإدارة الأميركية تعيش وهم الانتصار، وبأن تشويه الحقائق يعيد الى الذاكرة ما حدث أثناء حرب فيتنام. والمعروف ان القوات الأميركية انسحبت من فيتنام سنة 1973 بعد أن فقدت الحرب تأييد الرأي العام الأميركي. وأفاق الشعب في حينه ليدرك فشل حكومته في اعلان الحقيقة عن عدد القتلى والجرحى في فيتنام. يتجاذب الإدارة الأميركية تياران لم يحسم الرئيس بوش موقفه منهما: تيار يطالب بانسحاب تدرجي من العراق بعد اجراء الانتخابات المقررة في 30 الجاري... بينما يطالب دعاة التيار الثاني بضرورة البقاء مدة سنتين على أقل تقدير ريثما يتم تثبيت نظام عراقي موال للولايات المتحدة. والملاحظ ان رئيس الوزراء البريطاني ميال الى دعم التيار الأول لأنه يريد سحب قواته، والتركيز على الشؤون الداخلية في وقت يستعد لاستحقاق الانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها في ربيع هذه السنة. وهو يسعى للحصول على ولاية ثالثة إذا استطاع ان يتجاوز أزمة العراق، وما قد تؤثر نتائج الانتخابات على موضوع اعادة انتخابه، خصوصاً ان العراق كان محور الاهتمام خلال السنة الماضية في بريطانيا، الأمر الذي اضطر بلير الى تبرير وقوفه الى جانب صديقه جورج بوش. ومع انه وعد بعقد مؤتمر في لندن لمساعدة السلطة الفلسطينية على المشاركة في عملية السلام، إلا أن اقتراحه لاقى اعتراضات كثيرة لأنه تحاشى البحث في الأمور السياسية. من هنا يرى المراقبون ان هذا المؤتمر لن يساعده خارجياً، خصوصاً إذا استمر سقوط القتلى في صفوف قواته العاملة في العراق. وهو يتخوف من استهداف قواته قبل موعد انتخاباته بغرض اسقاطه كما اسقط خوسيه اثنار في اسبانيا. وهذا ما جعله يدعم التيار الأميركي المطالب بسحب القوات عقب الانتخابات العراقية، لئلا تصبح بريطانيا وحدها الدولة الداعمة للولايات المتحدة. والملاحظ انه بعد انسحاب القوات الاسبانية، شهدت قوات التحالف تراجعاً في صفوف العديد من الدول. ومع ان هنغاريا أو بولندا أو حتى بريطانيا لا تمثل بمجموع جنودها أكثر من ربع ما تمثله القوة الأميركية، إلا أن مشاركتها تبقى رمزية ومؤثرة. وهذا ما دفع الرئيس بوش لأن يتدخل لدى حكومات دول التحالف من أجل إبقاء جنودها في العراق. واعتذرت هنغاريا عن تلبية طلبه لأن البرلمان رفض تمديد مدة التفويض، لذلك سحبت آخر مجموعة من قواتها التي يبلغ قوامها 300 عنصر. كذلك أعلنت بولندا خفض قواتها بنحو الثلث الى 1700 عنصر اعتباراً من شباط فبراير المقبل. ومن المتوقع أن تحذو حذورها اوكرانيا التي شاركت ب1600 عنصر. وهذا ما ستنفذه هولندا في آذار مارس بعدما أعلنت عن قرار سحب كل جنودها من العراق وعددهم لا يتجاوز ال1350 عنصراً. التيار الآخر داخل إدارة بوش ينصح بضرورة استعجال انسحاب القوات الأميركية عقب اجراء الانتخابات العراقية. ويعترف هذا التيار بأن التوقعات لم تنفذ على أرض الواقع، وأن أهداف الحرب لم تتحقق. ومعنى هذا ان أميركا فشلت في الاستيلاء على ينابيع النفط واحتكار مصادرها بطريقة تعوض عن كل نفط الخليج. كما فشلت في جعل العراق نموذجاً لنظام ديموقراطي تتغير من خلاله كل الأنظمة في المنطقة. وفي تقدير هذا التيار ان الانتخابات المقبلة لن تكون نقطة تحول الى الأفضل، بل نقطة تحول الى الأسوأ بحيث تصبح دعوة رفض الاحتلال هي الجامع الوحيد بين مختلف الفئات والأحزاب والمذاهب. عندئذ تصبح مقاومة المحتل شرطاً جامعاً للمعارضين والموالين. ومن المؤكد ان إدارة بوش تخوفت من ظهور هذه النزعة العدائية، لذلك اقترحت ضمان تمثيل عادل للعراقيين السُنّة داخل الجمعية الوطنية الانتقالية أو في الحكومة المنبثقة منها. وهي ترمي من وراء هذا التدبير الى تطمين السُنّة الى مشاركة عادلة في الحكم، أملاً في تخفيف حدة القتال ضد جنودها. ولقد رفضت"المفوضية العليا المستقلة للانتخاب"هذا الاقتراح لأنه يشكل تزويراً لإرادة شعبية. ومن جهة أخرى أبدت"هيئة علماء المسلمين"استعدادها لاقناع شخصيات سنية بالمشاركة في الانتخابات مقابل الاتفاق على جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال. ويتردد في واشنطن ان هذا الاقتراح جاء نتيجة معلومات مسبقة ترجح انتصاراً كاسحاً للشيعة الذين اتفقوا على ممارسة حقهم الانتخابي بأكبر نسبة ممكنة. وتقدر الإدارة الأميركية ان هذه النتيجة قد تشعل نار الاقتتال بين الشيعة والسنة. وتحاشياً لحدوث هذا النزاع الوطني اقترحت إدارة بوش على المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني التدخل لضمان عدد كاف من السنة الى الجمعية الوطنية والحكومة الجديدة. يقول المعلقون ان الوضع العراقي المهترئ يذكّر بالنزاع الدولي والاقليمي الذي هيمن على لبنان طوال السبعينات والثمانينات بطريقة أفرزت الحرب الطائفية وما نتج عنها من تيارات تنادي بحقوق المحرومين مقابل تسلط المتنفذين. وتتحدث الصحف في العراق عن حكايات ترويع المواطنين وتهديد أصحاب البقالات الذين يوزعون الاستمارات الانتخابية مع المواد التموينية. وكما شجع الوسيط الأخضر الابراهيمي مقررات"الطائف"على أمل وقف الاقتتال والانتقال بهدوء الى كتابة دستور جديد ينظم مبادئ الحكم، هكذا يشجع حالياً اختيار مجلس وطني موقت تنحصر مهمته في وضع دستور جديد يرسم الركائز السياسية والقانونية لعراق ما بعد صدام حسين! * كاتب وصحافي لبناني.