أول ما يلفت الانتباه في هذا الكتاب هو عنوانه الغامض " في جوف طير خضر"، حيث يقول الكاتب إنه استوحاه من حديث منسوب إلى النبي محمد (ص) في اشارة الى الحديث الشريف " أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت " رواه مسلم. نير روسن مؤلف الكتاب يعمل باحثا في مؤسسة New America Foundation، ومراسلا صحافيا قضى ما يزيد على عام في العراق بعد الحرب، وكتب العديد من المقالات في صحف اميركية عديدة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست ركزت على الأوضاع التي أعقبت الاطاحة بنظام صدام حسين اضافة الى ما يتعلق بالجماعات المسلحة في العراق. ويرى الكاتب أن الولاياتالمتحدة ببساطة تخسر معركتها في العراق، وأن إدارة بوش خسرت الحرب في العراق بعدما انتصرت على الجيش العراقي بسهولة.وتمثلت الخسارة عندما سمحت الولاياتالمتحدة بوجود فراغ سياسي ملأته العصابات المسلحة، والميليشيات والمتمردين ورجال الدين المتطرفين. ومنذ شهر إبريل 2003 ذهبت الولاياتالمتحدة من فشل إلى فشل أخر. ومنذ مرحلة ما قبل الحرب، كان الخطاب السياسي الأميركي والحسابات الإستراتيجية إما غير محسوبة في أحسن الأحوال وأما كاذبة ومضللة في أحيان أخرى مما أضر حتى بالديمقراطية داخل أمريكا. يتألف الكتاب من سبعة فصول ومقدمة وخاتمة. ويورد المؤلف في مقدمة كل فصل بعض الإحصاءات عن عدد القتلى بين الجنود الأمريكيين وعدد القتلى في صفوف المدنيين العراقيين وأحيانا عدد السجناء والمعتقلين خلال الفترة الزمنية التي يتناولها كل فصل. الفصل الأول الذي جاء بعنوان "انتصار الشهداء: ابريل 2003” يخصصه المؤلف للحديث عن تاريخ الشيعة في العراق وواقعهم تحت حكم صدام، والاختلاف بين المرجعيات والتيارات السياسية مثل تيار الصدر وحزب الدعوة، وتنامي دور المرجع الشيعي آية الله على السيستاني بعد ذلك. الفصل الثاني الذي جاء بعنوان "المغول الجدد: صيف وخريف 2003"، أفرده المؤلف للحديث عن واقع السنة بعد الغزو الأميركي للعراق، والمواجهات في المنطقة التي اطلق عليها "المثلث السني"، وأهم رموز وقادة السنة العرب مثل الشيخ أحمد الكبيسي ودوره بعد قدومه الى العراق من الإمارات وهيئة العلماء المسلمين وشيوخ العشائر السنية والحزب الإسلامي. " إذا لم يكونوا مذنبين الآن، فإنهم سيكونون في المرة القادمة: خريف2003" كان هذا هو عنوان الفصل الثالث من الكتاب الذي يسرد تفاصيل العمليات العسكرية لقوات التحالف في 11 مدينة في مناطق السنة، والعمليات العسكرية الأميركية على الحدود العراقية السورية. وما تخلل هذه المرحلة من الكشف عن فضيحة سجن أبو غريب. الفصل الرابع يحمل اسم "العراق ضد العراق: ربيع 2004" يتناول إرهاصات التوتر الطائفي بين السنة والشيعة. الفصل الخامس الذي جاء بعنوان"قلب المقاومة: الفلوجة صيف 2004" خصص لوصف معركة الفلوجة والأثار السلبية التي خلفتها على صورة الولاياتالمتحدة وعلى العلاقة مابين سنة وشيعة العراق. " صعود الزرقاوي: خريف 2004" هو عنوان الفصل السادس من الكتاب الذي افرده الكاتب للحديث عن بروز المجموعات الإسلامية المسلحة في العراق وتزايد دور تنظيم القاعدة والتي أصبح اسم الزرقاوي آنذاك رمزا لها. الفصل السابع والأخير من الكتاب "انتخابات يناير 2005" يسرد تفاصيل إجراء أول انتخابات تشريعية عراقية بعد الحرب وما أسفرت عنه من تحقيق مكاسب للشيعة والأكراد، في الوقت الذي قاطع فيه السنة العرب الانتخابات، ونتائج ذلك على زيادة مشاعر العداء والتوتر الطائفي في البلاد. لا يشعر القارئ في أي فصل من فصول هذا الكتاب بأن المؤلف يصوغ أفكاره من خلال تصورات نظرية وجدل فكري، وإنما من خلال وصف وسرد تفاصيل عاشها بنفسه في كل من مدن الشيعة والسنة والأكراد ومن خلال مقابلات مع المسلحين ورجال الدين والسياسيين من مختلف أطياف المشهد العراقي المعاصر. فرضية الكتاب.. حرب أهلية منذ ربيع 2004 يبني المؤلف افتراضه الرئيسي في هذا الكتاب على أساس أن حربا أهلية ناتجة عن التوترات الطائفية بدأت واستمرت في العراق منذ ربيع عام 2004. ويذكر الكاتب أن جهود الأميركيين للسيطرة على زمام الأمور العراق قد غذت التوترات الطائفية واستخدمتها ولو جزئيا وغرست بذور الحرب الأهلية بعد تحقيق النصر في أبريل 2003. ويرى الكاتب أن التعاون بين مجموعات من السنة والشيعة كان قائما بهدف مناهضة الوجود الأميركي ولو لفترة وجيزة وعلى نحو هش، ولكن العنف المتزايد والمتواصل المصاحب للتوترات والهجمات ذات الطابع الطائفي قد قضى على أي فرص للتعاون بين بينهما في شن عمليات مسلحة. وفي إطار تحليله المتشائم لواقع ومستقبل الصراع في العراق، يتوقع روسن أن تستمر الحرب الأهلية في العراق بغض النظر عن السياسة التي ستنتهجها الولاياتالمتحدة هناك. تحرير الشيعة واحتلال العراق يستهل الكاتب الفصل الأول من كتابه بتصوير مشهد مئات الآلاف من الزوار الشيعة رجالا ونساء وأطفالا أثناء توجههم إلى مدينة كربلاء المقدسة للمرة الأولى منذ عقود، تشعر بوضوح كما يقول الكاتب تعليقا على هذا المشهد بمشاعر التحرير بعد عقود من العيش في أجواء الخوف والكبت. ويفرد الكاتب صفحات من هذا الفصل لشرح تاريخ وأسس المذهب الشيعي إلا أن ينتقل للحديث عن الواقع السياسي للشيعة في العراق وأهم المرجعيات الدينية والقوي السياسية. يقدم مؤلف الكتاب مقتدى الصدر على أنه أقوى شخصية في العراق الآن، حيث تسيطر العناصر التابعة له على قوات الأمن الوطني التابعة للحكومة. سياسة الولاياتالمتحدة في العراق تغذي الطائفية يصف روسن في كتابه الجديد العراق بأنه أمة غارقة في الفوضى وأجواء الحرب الأهلية وأنه بات أسيرا للعنف الطائفي المتصاعد. ويورد تفاصيل تطور الحرب الأهلية التي بدأت طبقا للمؤلف في ربيع 2004 مع تزايد أعمال العنف الطائفي وتفسخ سلطة الحكومة المركزية. يقول المؤلف إن أميركا قد كسبت الحرب في التاسع من ابريل عام 2003، ولكنها خسرتها في نفس اليوم. إن تصرفات وسياسة القوات الأميركية في العراق بعد الحرب قد شجع أجواء الطائفية، حيث لم تنظر القوات الاميركية الى العراق كدولة ومكون موحد، بل عناصر ومكونات مجزئة. إن الكثير من العراقيين كما يقول روسن يتوقون للظهور كشعب موحد، ويخشون مما يعتبره المؤلف محاولات الولاياتالمتحدة لتقسيم البلاد وإشعال حرب أهلية بهدف ترسيخ وجودها في العراق. كما إن نهج المحاصصة والنسب الطائفية في تشكيل الحكومة وقوات الأمن العراقية قد أثر سلبا على شعور العراقيين بالوحدة. يذكر روسن في كتابه في وصف معركة الفلوجة الأولى، إن المقاتلين الشيعة من ميليشيا جيش المهدي قاموا بمساعدة السنة في قتالهم ضد القوات الأميركية كإشارة إلى فترة وجيزة من التعاون بين القوات الشيعية الموالية لمقتدى الصدر والمجموعات التي تمثل السنة العرب. وأنه على الرغم من وقوع بعض أحداث الهجمات الطائفية في هذه الأثناء، فإن العلاقات التقليدية والاتصالات بين الطوائف واتفاقهم على اعتبار الاحتلال الأميركي هو العدو المشترك لم يجعل هذا العنف أمرا خارج نطاق السيطرة. يلقي المؤلف في مواضع مختلفة من الكتاب باللائمة على سياسة الولاياتالمتحدة ويشكك على صفحات الكتاب في قدرة القوات الأميركية على القيام بدور بناء في العراق. ويصف الكاتب هذه القوات بأنها مجرد ميليشيا تضاف إلى المليشيات الموجودة، ويحملها بصورة كبيرة مسؤولية تأجج الصراع الطائفي في العراق. حيث يقول إن التصدعات الطائفية قد وجدت لها مكانا في ظل برنامج الولاياتالمتحدة لتشتيت الجبهات الموحدة ضد قوات الاحتلال. ويذهب الكاتب إلى اعتبار أن تفكيك الجيش العراقي واجتثاث العناصر البعثية من الجيش والحكومة محاولة لإبعاد العرب السنة الذين لم يكن لهم في ذلك الوقت قائدا كاريزميا مثل مقتدى الصدر ينضوون القتال تحت لوائه ويحافظ على قوتهم السياسية. وفضلا عن ذلك أدى غياب مؤسسات المجتمع المدني والإعلام الوطني إلى ترسيخ هذه التصدعات الطائفية، حيث بادرت كل جماعة إلى التعبير عن خطابها ومصالحها من خلال أدوات ووسائل ذاتية مثل المساجد المحلية أو حتى من خلال الميلشيات العسكرية التي تعتبر مصدر حماية ووسيلة للتمثيل في ذات الوقت. ومع الإصرار على تهميش واستبعاد العرب السنة كما يقول المؤلف، خاصة بعد مقاطعتهم الجولة الأولى من الانتخابات العراقية، ازداد العنف ضد الشيعة. وواصل بعض السنة العرب حماية زعماء معروفين بعدائهم للشيعة مثل أبو مصعب الزرقاوي. وكان ذلك يمثل دائما اختبارا قويا لصبر مقتدى الصدر وغيره من قادة الشيعة. معركة الفلوجة الثانية البداية الفعلية للحرب الأهلية إذا كانت إرهاصات الحرب الأهلية قد بدأت في ربيع عام 2004، فإن الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة قد بدأت فعليا كما يقول المؤلف في نوفمبر عام 2004، وأثناء معركة الفلوجة الثانية، حيث لم يقف الشيعة هذه المرة إلى جوار إخوانهم السنة. وبعد أن دمرت المدينة توجه الآلاف من سكانها إلى بغداد ليقطنوا في تجمعات سكانية تكونت لأول مرة على أساس طائفي. ومن العوامل التي يوردها روسن كسبب للحرب الطائفية في العراق اليوم، غياب وعجز الأمن الوطني وانتشار نفوذ المليشيات المحلية التي تسيطر على كافة أنحاء البلاد. إن العراق الآن وبعد مرور ثلاث سنوات على الحرب قد انحدر إلى أن يكون نموذجا فاشلا، وأن القرارات السياسية التي تتخذ في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، لا يتجاوز حدود تأثيرها ومجال تنفيذها حدود هذه المنطقة وليس العراق كدولة. ويوضح الكاتب أن الميليشيات مثل جيش المهدي في بغداد والجنوب والمجموعات السنية المسلحة في الوسط وميليشيا البشمركة في المناطق الكردية الشمالية هي التي تحكم العراق وليس الحكومة المركزية. وذلك هو السبب الرئيسي في تزايد عدد ومعدل الهجمات وأعمال العنف الموجه ضد المواطنين سواء كانوا من الشيعة أو السنة. جمهورية الخوف ومستقبل العراق يفرد روسن خاتمة كتابه للحديث عن أجواء الخوف والفزع والإحباط التي تخيم على العراق، الذي أطلق عليه اسم جمهورية الخوف. وقد أورد الكاتب في بداية الخاتمة عدد السجناء العراقيين الذين اعتقلوا في الفترة ما بين مارس 2003 ويناير 2006، والذي بلغ 50 ألف سجين. ويضيف أن أقل من 2 بالمائة فقط من المعتقلين أدينوا جنائيا. أما عدد الهجمات ضد الأجانب وقوات الأمن العراقية والمدنيين فقد بلغت 34 ألف في عام 2005. كما يعبر الكاتب في مواضع كثيرة من الكتاب عن تشاؤمه إزاء واقع ومستقبل العراق، بل لا يتوقع أن يؤدي انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلى توقف التوتر، ويرى أن العنف سيتصاعد بغض النظر عن الموقف الأمريكي وان الصوت الطائفي سيكون هو أعلى الأصوات في مستقبل العراق.