هل تعثر رهان الرئيس الفرنسي جاك شيراك بشأن تحسين العلاقات مع سورية والإبقاء على الثقة والمودة معها أملاً بإقناعها بتخفيف وطأتها على لبنان والخروج من عزلتها على الصعيد الدولي؟ يثبت قرار مجلس الأمن الذي رعته الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا وألمانيا ان النهج الذي اعتمده شيراك لحض سورية على الانفتاح والخروج من لبنان لم يحقق هدفه. وكل ما قام به من جهد باتجاه سورية تكلل بوضعها الأسرة الدولية أمام أمر واقع تمثل بتعديل الدستور اللبناني ضد الإرادة الشعبية في لبنان وضد الأسرة الدولية. منذ أواخر التسعينات اعتمد شيراك حيال سورية نهجاً اعتبر أنه سيمكنه من اقناعها بالانفتاح والخروج من عزلتها وتغيير الأمور في لبنان وكانت هذه أولويته. واتخذ قراراً صعباً بحل مشكلة الدين السوري لحساب فرنسا خارج اطار نادي باريس، متجاوزاً بذلك انتقادات اميركية وأوروبية كبرى. وعمل شيراك طوال السنوات الأخيرة من حياة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على تحسين صورة سورية في الغرب، واستقبله في زيارة دولة أثارت الكثير من ردود الفعل المعارضة في فرنسا. وارسل الى دمشق في تلك الفترة أفضل سفرائه مثل السفير الفرنسي في مصر جان كلود كوسران أو السفير الفرنسي الجديد في المملكة العربية السعودية شارل هنري داراغون، اللذين يعتبران ديبلوماسيين من العيار الثقيل. بقي شيراك مقتنعاً، بعزم واستمرارية، بأن الحوار والتقارب من سورية يمثلان الأسلوب الأجدى لإقناعها بتغيير نهجها حيال لبنان. وأبدى شيراك العزم والاستمرارية نفسيهما مع الرئيس السوري الشاب بشار الأسد، فاستقبله عندما كان لا يزال وريثاً للحكم، ثم أعدّ له زيارة دولة بعد توليه الرئاسة، وعمل على مساعدته لدعم الرغبة التي أبداها في اصلاح سورية وتحديثها. وكان دائماً في ذهنه بأن دعمه وتشجيعه للرئيس الشاب في اصلاحاته قد يقنعه بتخفيف الوطأة السورية على لبنان تدريجاً. لكن بعد مضي شهور وسنوات على اجتماع"باريس 2"لاحظ شيراك ان الطريق مسدود مع سورية وأن جهوده ذهبت مع الريح. وجاءت النقطة التي طفح معها الكيل، وبعد تعنت سورية على صعيد التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، عبر الأمر الواقع الذي فرضته على لبنان لتعديل الدستور والتمديد الرئاسي. قبل ذلك وجهت فرنسا على مدى ال15 شهراً الماضية، وبعيداً عن الأضواء، رسائل الى سورية لإفهامها بأن الوضع في لبنان يقلقها وأن موعد الانتخابات الرئاسية اللبنانية يشغلها. لكن سورية لم تهتم بل استعجلت الأمور ووضعت الأسرة الدولية أمام الأمر الواقع، فقطعت نفسها عن البلد الذي كان يمكنها الاعتماد عليه ليخرجها من العزلة الدولية، ومساعدتها على التصدي للضغوط الاميركية العملاقة التي تستهدفها. وبنتيجة هذا التصرف توحدت المواقف الاميركية والفرنسية والألمانية والبريطانية حول لبنان. وهذه خسارة ديبلوماسية لسورية، لها بعد كبير، علماً بأن أهداف الولاياتالمتحدة من هذا القرار أوسع من هدف فرنسا والمانيا الذي ينحصر في تغيير النهج السوري في لبنان. لا بد أن يؤخذ القرار الدولي بجدية وحذر لأن الكرة أصبحت في الملعب السوري. أما بالنسبة الى عودة رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري الى الحكم بعد الذي حصل، فهذا أمر لن يمثل"قوة ردع"لسورية حيال أصدقائه في الغرب. ولا حاجة للشرح بأن ما حصل هو إضعاف كلي سياسي وشعبي للحريري، أما الهدية المسمومة له بعودته الى الحكم، فيكاد يكون بديلها"تكسير البلد"، على حد تعبير شخصية كبيرة. والمنطق يقول ان رجلاً ثرياً بالمال والعلاقات الدولية على غرار الحريري لا يمكنه القبول بالعودة الى الحكم وشغل منصب سلطة من ورق، إلا لأسباب لا يعرفها أحد سواه. ووجوده الضعيف لن يغير الموقف الدولي تجاه سورية، خصوصاً ان لشيراك موقفه من القضية اللبنانية المستمر منذ ما قبل تولي الحريري للحكم. وكانت صداقة الحريري مع شيراك هدّأت أحياناً الاستياء الفرنسي من عدم تجاوب سورية مع النصائح الفرنسية وأطالت صبر الديبلوماسية الفرنسية. لكن إذا أرادت سورية الآن أخذ الموقف الدولي بجدية فإن عليها الاقدام على ديبلوماسية انفتاح فاعلة لأن الكرة في ملعبها.