بعد عامين من التفاوض وثلاثة اشهر من المواجهات الدامية بين الحكومة اليمنية وتنظيم "الشباب المؤمن" الشيعي المتشدد، تمكنت القوات الحكومية امس من قتل زعيم هذا التنظيم حسين بدر الدين الحوثي في اشتباكات خاضتها القوات الحكومية للاستيلاء على آخر مخابئه في منطقة شعب سلمان حيث كان الحوثي والعشرات من اتباعه يختبئون في احد الكهوف وبحوزتهم اسلحة وذخائر ووثائق مهمة ورهائن من اطفال ونساء. وبمقتل الحوثي يُسدل الستار على اكبر عملية تمرد يتعرض لها نظام الرئيس علي عبدالله صالح منذ حرب الانفصال صيف العام 1994 واكثرها دموية، حيث تشير الاحصاءات غير الرسمية الى ان المواجهات التي اندلعت في جبال مران في مديرية حيدان التابعة لمحافظة صعدة اسفرت عن مقتل وجرح نحو 1300 شخص من الجانبين معظمهم من قوات الجيش والامن ونزوح ما لا يقل عن 15 ألف مواطن عن قراهم ومنازلهم في مناطق الاحداث فيما قتل نحو 200 وجرح نصف هذا العدد من المدنيين. وكانت الانباء تضاربت حول مقتل الحوثي منذ يوم الاربعاء الماضي عندما اقتحمت القوات الحكومية عدداً من التحصينات والجروف التي كان "الحوثيون" يختبئون فيها، وعثرت على عدد من الجثث وتعرضت لعملية تضليل من قبل بعض اتباع الحوثي الذين تعمّدوا بعد اعتقالهم الإدلاء بمعلومات تؤكد ان الحوثي قتل في احد الجروف وان جثته بين الجثث التي عثرت عليها القوات الحكومية. وتم الاربعاء الماضي اجراء الفحص الطبي الشرعي على تلك الجثث غير ان نتيجة الفحص كانت سلبية. وعلمت "الحياة" من مصادر متطابقة ان سرية للجيش وعدداً من رجال القبائل المتطوعين للقتال الى جانب القوات الحكومية تعرضوا لهجوم مباغت بالرصاص في احد المواقع الذي كانت القوات الحكومية أحكمت السيطرة عليه تماماً الاربعاء الماضي. واضافت ان الهجوم اسفر عن مقتل جنديين وجرح 3 من رجال القبائل غير انه كان سبباً في مقتل الحوثي و21 من رجاله وجرح 9 آخرين واعتقال 9 من اتباعه. وقالت المصادر ان القوات الحكومية لم ترد على مصادر النيران التي استهدفتها في ساعة مبكرة من صباح امس، لكنها تحركت باتجاه مواقع المتمردين وقامت بعملية اقتحام ناجحة وخاطفة ودخلت احد الجروف عند الساعة الثامنة وعشر دقائق لتجد امامها بضع جثث كان الحوثي من بينها حيث قتل بعدة طلقات في اماكن متفرقة من جسمه وتم بعدها نقل جثته الى المستشفى العسكري في العاصمة صنعاء وسط حراسة امنية مشددة. وفي هذا السياق اعلنت الحكومة اليمنية رسمياً امس انهاء كافة العمليات العسكرية والامنية في منطقة حيدان واخماد التمرد بمقتل الحوثي وعدد من اتباعه واستسلام العشرات من انصاره. بيان مشترك وجاء في بيان مشترك صدر عن وزارتي الدفاع والداخلية صباح امس "بحمد الله وتوفيقه وبفضل تعاون كل المواطنين الشرفاء مع قواتنا المسلحة والامن وكتائب المتطوعين، تم اليوم امس الانتهاء من كافة العمليات الامنية لانهاء التمرد والقضاء التام على الفتنة التي أشعلها المدعو حسين بدر الدين الحوثي ومن ساندوه في تمرده، حيث تم القضاء على رأس الفتنة ومقتله وعدد من الذين كانوا الى جواره واستسلام من تبقى من العناصر التي ظلت تقاتل معه والسيطرة التامة على كافة الجروف والاماكن التي كانوا يوجدون فيها في منطقة شعب سلمان وغيرها في عزلة مران في مديرية حيدان في محافظة صعدة". واضاف البيان "الرئيس علي عبدالله صالح اصدر توجيهاته لهذه المناسبة الى الحكومة لتقويم الاضرار التي حدثت في المنطقة واعادة اعمار الاماكن المتضررة وتقديم الخدمات والمساعدات للمواطنين بما يكفل معالجة كافة الآثار الناتجة عن تلك الفتنة التي أشعلها الحوثي ومن وقف الى جانبه". ودعا البيان المواطنين الذين اضطرتهم الاحداث في المنطقة لترك منازلهم وقراهم تجنباً للضرر "ان يعودوا آمنين الى منازلهم وقراهم وممارسة حياتهم الاعتيادية" وتعهد بأن الدولة "ستتكفّل بتقديم كل العون والمساعدة والاغاثة لكل من تضرر منهم نتيجة تلك الفتنة". ودعا البيان الموظفين والعاملين في الاجهزة الحكومية والامنية العودة الى مقار أعمالهم، كما طالب "اصحاب الفضيلة العلماء، خصوصاً في محافظة صعدة، الاضطلاع بدورهم وواجبهم الديني والوطني في ارشاد المواطنين وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم على الوجه الصحيح وحض الشباب على الابتعاد عن كل اشكال التطرّف والغلو والإسهام بإيجابية في مسيرة بناء الوطن ونهضته وتقدمه". وعبّر بيان وزارتي الدفاع والداخلية عن "الشكر والتقدير لكل المواطنين الذين وقفوا صفاً واحداً مع أبناء القوات المسلحة والامن في التصدي لهذه الفتنة واجتثاثها من جذورها". وكانت المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية والحوثيين اندلعت في محافظة صعدة في 18 حزيران يونيو الماضي بعد كمين نصبه اتباع الحوثي في منطقة حيدان لدورية عسكرية اسفر عن مقتل جنديين وجرح آخرين. وكان الحوثي قد استعد منذ سنوات لخوض هذه المواجهات واستدعى اتباعه في حركة "الشباب المؤمن" الزيدية المتطرفة الى جبال مران، وقام بتدريبهم وأقام التحصينات فيها واستعد بالمؤن والذخائر، وقام بإجراء تحصينات في القرى المجاورة عبر انصاره ومؤيديه فيها، وبعد شهرين من المواجهات تمكنت القوات الحكومية التابعة للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية التي يقودها العميد الركن علي محسن صالح من اقتحام تحصينات الحوثي والاستيلاء على جبال مران والقرى المجاورة. وواصلت ملاحقة من تبقى من الحوثيين الذين فروا الى منطقة شعب سلمان التي شهدت آخر المواجهات واكثرها ضراوة. وينتمي حسين بدر الدين الحوثي الى المذهب الزيدي، احد مذاهب الشيعة، واكثرها انفتاحاً على المذاهب الاسلامية، غير ان الحوثي وهو نجل احد كبار مراجع الزيدية في محافظة صعدة، بدر الدين الحوثي، اتجه بفكره منفتحاً على الاثني عشرية الجعفرية وتأثر بالثورة الاسلامية في ايران وآية الله الخميني، وربما اراد ان يقوم في اليمن بما قام به الخميني في ايران قبل نحو 30 عاماً. وتتهمه الحكومة باعلان الإمامة وتنصيب نفسه أميراً للمؤمنين في صعدة واشعال الفتنة الطائفية والمذهبية والتمرد على القانون والدستور والخروج على طاعة ولي الامر وتشكيل تنظيم مسلح ومقاومة السلطات وارتكاب جرائم القتل والاعتداء على المساجد والممتلكات العامة والخاصة.