تشكل الكتب العربية المخطوطة أوعيةً تحفظ تراث الشعوب العربية الحضاري، وعلى رغم أهمية المخطوطات فإنها لم تنل حقَّها من اهتمام المعنيين بها، ولو قارنا بين اهتمام العرب وغيرهم بالمخطوطات لجاء العرب في ذيل القائمة، حيث نجد الأمم الحية والميتة قد اهتمت بمخطوطاتها صِيانةً وفَهْرَسَةً، وتحقيقاً ونشراً، ولم يتوقف اهتمام الأمم الحيّة عند حدود الاهتمام بمخطوطاتها بل اهتمت بمخطوطات الشعوب الأخرى، ومَنْ يستعرض أوضاع المخطوطات يجد أن المخطوطات الإسلامية تأتي في مقدمة المخطوطات العالمية من حيث العدد والتنوع. المكتبة الوطنية البريطانية العامة مدينة لندن مدينة تجمع بين المحافظة والمعاصرة بامتياز، وتحتضن متاحفُها ومكتباتُها التراث العريق والإبداع المعاصر، ويتعانق الماضي مع الحاضر تحت رعاية حكومية وشعبية واعية، وتُعتبر المكتبة الوطنية البريطانية درة تاج المخطوطات والمطبوعات في بريطانيا حيث تتوسط بناءها مكتبة الملوك. افتُتِحَ المتحف البريطاني سنة 1753، وضم دائرةً للمطبوعات، ثم افتتحت مكتبة تراثية هي مكتبة المتحف البريطاني التي اعتنت باقتناء المخطوطات والمطبوعات الشرقية والغربية، وبعد ذلك افتتحت مكتبة مكتب الهند سنة 1801 ضمن إطار شركة الهندالشرقية التي بدأت نشاطها سنة 1600، واهتمت هذه المكتبة باقتناء مخطوطات مكتب الهند ووثائقه، وكانت المكتبتان منفصلتين عن بعضهما بعضاً سابقاً حيث كانت مخطوطات مكتبة المتحف في المتحف البريطاني، ومخطوطات مكتب الهند في بناء آخر قرب نهر التايمز، وبعد بناء المكتبة الوطنية البريطانية في شارع يوستون في محلة "سانت بانكراس" في لندن تَمَّ جمعُ مخطوطات المكتبتين فيها إلى جانب محتويات مكتبات أخرى، والبناء الجديد يقع بين محطة قطارات وحافلات كنغزكروس، ومحطة قطارات وحافلات يوستون، ولا تقتصر مقتنيات المكتبة البريطانية على مقتنيات المكتبتين المذكورتين بل تضم مقتنيات الكثير من المجموعات التي كانت مستقلة سابقاً، ومنها مخطوطات الجمعية الملكية والكثير من المعاهد البريطانية. قدمت الحكومة البريطانية سنة 1974 مبلغ 6 ملايين جنيه إسترليني من أجل بناء المكتبة البريطانية، وبعد جمع الأموال اللازمة استمر العمل سنوات، ثم افتتحت ملكة بريطانيا وإيرلندا المكتبة سنة 1998، ويعمل في المكتبة أكثر من 1600 موظف، وفيها أكثر من ستة ملايين كتاب بين مخطوط ومطبوع، وملايين الوثائق والصحف والمجلات، وتتوافر فيها أفضل الخدمات للباحثين في مجالات العلوم والفنون الإنسانية كافة. تتفاوت أوضاع مخطوطات المكتبة الوطنية البريطانية، فمنها ما هو معروف ومتداول، ومنها ما هو محفوظ لم يفهرس، ولم تُتح فرص الاطلاع عليه بعد، ومنها مقتنيات جديدة تحت الصيانة والفهرسة، ولذلك لا يمكننا إعطاء رقم دقيق حصري بما تقتنيه من مخطوطات عربية وغير عربية، ولكن المعلومات المنشورة المتوافرة تفيد أن عدد المخطوطات الشرقية يقارب 23500 مخطوط. وتتنوع مخطوطات المكتبة البريطانية. فمنها ما هو عربي الخط أعجمي اللغة، ومنها ما هو عربي اللغة أعجمي الخط، وتأتي المخطوطات العربية الخط واللغة في مقدمة مقتنيات المكتبة البريطانية، إذ يُقدَّر عددها بعشرة آلاف وستمئة مخطوطة، وتليها المخطوطات الفارسية ثم العثمانية التركية ثم الأوردية والسريانية والعبرية والبرديات المصرية، وهناك عشرات المخطوطات ببعض اللغات الشرقية مثل لغة الملايو والسند والبنجاب والبشتون والسواحلية وغيرها، وتوجد في المتحف البريطاني عشرات آلاف الرّقم الفخارية والطينية باللغات المسمارية بعضها معروض، وأكثرها في المخازن. تتعدد مصادر المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية البريطانية، فبعضها كتب في البلاد العربية، وبعضها كتب في البلدان الإسلامية من الأندلس غرباً حتى إندونيسيا شرقاً، والجامع المشترك بين تلك المخطوطات هو العلوم الإسلامية، واللغة العربية، أو الخط العربي، وتتنوع موضوعات المخطوطات لتغطي العلوم والفنون الإنسانية الدينية والدنيوية كافة. لقد اهتم الإنكليز بفهرسة مخطوطات مكتبة المتحف البريطانية، وقد أعد ريتش فهرس المخطوطات التي اقتنتها المكتبة لغاية سنة 1825، وطبع الفهرس ما بين سنتي 1846 و 1871، وتتابع الاهتمام الإنكليزي بفهرسة مخطوطات مكتبة المتحف وغيره، وتتابع صدور الفهارس - في أربعة مجلدات وكشاف - من سنة 1877 حتى سنة 1991، وتعتني - في شكل مستمر - مجلة المتحف البريطاني بنشر معلومات حول المخطوطات التي لم تُفهرَس، والتي يَتِمُّ اقتناؤها، وتوجد في المكتبة فهارس لم تتم طباعتها، وإنما هي مسودات أو نسخ فريدة مكتوبة على الآلة الكاتبة، إضافة إلى بطاقات الأرشيف الورقية والإلكترونية التي أصبحت متوافرة على شبكة الإنترنت، وتصدر المكتبة البريطانية تقريراً سنوياً يتضمن معلومات عن جديد المكتبة. وعلى صعيد اهتمام العرب بالمخطوطات المهاجرة يعتبر الراحل أحمد تيمور من الرواد العرب الذين اهتموا بالمخطوطات العربية حيث كتب سنة 1919 مجموعة مقالات حول نوادر المخطوطات في مكتبات لندن وأُكسفورد، وقد كتب عبدالله يوسف الغنيم كتاباً عن المخطوطات الجغرافية في المتحف البريطاني، ونشره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت سنة 1974، وبعد ذلك بسنة أعدَّ سامي حمارنة فهرس المخطوطات العربية في الطب والصيدلة المحفوظة في المكتبة البريطانية، وعددها380 مخطوطة، ونشرته دار النشر للجامعات في القاهرة 1975، وفي سنة 1980 نشرت دار المختار في دمشق مصادر التراث اليمني في المتحف البريطاني من إعداد حسين عبدالله العمري. تضم المكتبة الوطنية البريطانية عدداً وافراً من المخطوطات النادرة تشمل الكتب الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية، وعلى رأسها مخطوطات التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، ثم كتب الآداب والعلوم الدينية، وتوجد من القرآن الكريم مخطوطات بالخط الكوفي أحدها منسوب إلى الإمام علي رضي الله عنه، وبعض مخطوطات القرآن الكريم مكتوب على رُقوق جلد الغزال، وأكثرها مكتوب على الورق بكل أنواعه. وإلى جانب مخطوطات الكتب الدينية توجد مخطوطات التاريخ والطبقات مثل العقود اللؤلؤية في أخبار الدولة الرسولية لعلي الخزرجي، ورقم هذه المخطوطة 710 في محفوظات المكتب الهندي، وكتاب تحفة المجاهدين، ورقمه 714 - المكتب الهندي، وهو يؤرخ لظهور الإسلام في مليبار، وما تبع ذلك، ومخطوطة عجائب المقدور في نوائب تيمور لابن عربشاه 854 ه/1450، ورقم المخطوط 711، ويقع في 99 ورقة، وتوجد مخطوطات في الفلسفة والمنطق ومنها الترغيب في كشف رموز التهذيب تأليف محيي الدين الكافيجي الحنفي 879 ه/ 1474 والإشارات والتنبيهات لفخر الدين الرازي توجد منه نسخ عدة، كما توجد مخطوطة شرح الإشارات لقطب الدين الرازي التحتاني، وتوجد مجموعة من مخطوطات التصوف للغزالي وعبدالقادر الجيلاني والنفري وغيرهم. وتوجد مخطوطات أدبية منها ديوان أبي تمام ويقع في 212 ورقة، وديوان المتنبي ويقع في 155ورقة، وكتاب الدرة المكللة في فتوح مكة المبجلة لأبي الحسن البكري، ويقع في 98 ورقة، وتوجد نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة، وتقع في 128 ورقة، وتوجد مخطوطات في علم العروض والبلاغة والنحو العربي والمعاجم، وإلى جانب المخطوطات المفردة لعنوان خاصّ مُعين توجد المجاميع التي تضم عشرات العناوين للكتب الصغيرة والرسائل.