في السابع من آيار مايو عام 1927م وضع "الملك فؤاد الاول" النواة الأولى لمكتبة جامعة القاهرة حينما أهداها مكتبة الأمير ابراهيم حلمي التي جمعها في قصر "شيرين" في مدينة "نيس". وتمت الموافقة على الهدية وقبولها رسمياً في العشرين من شباط فبراير العام 1928م، وكانت عبارة عن مجموعة من المخطوطات التي ما تزال موجودة فيها حتى اليوم مع قليل من المطبوعات، كما اشتملت الهدية على بعض العملات والمصكوكات واوراق البردي والقطع الرخامية التي تضم نقوشاً أثرية، ولكن الجامعة رأت أنها آثاراً متحفية اكثر من كونها مصادر للمعلومات، فقامت بنقلها الى متحفها. ورغم مرور نحو سبعين عاماً على دخول هذه المخطوطات المكتبة، إلا أن عددها لم يتزايد كما قد يتوقع البعض بل انه تناقص نسبياً بفعل عاملي الفقد والتلف. تضم المجموعة 8691 مخطوطة اصلية ألفت بلغات عدة هي: العربية في 5103 مخطوطات، التركية في 2935 مخطوطة، الفارسية في 624 مخطوطة، إضافة الى مخطوطات بلغات اخرى كالسريانية والحبشية والعبرية والاردية في 29 مخطوطة. وتجري عمليات حفظ وصيانة المخطوطات داخلياً في المكتبة برشها بالمبيدات المضادة للحشرات، وترميمها بوضعها على الألواح الخشبية والورق المقوى ولصق الممزق منها. ويلاحظ انها جميعا نسخ اصلية، القليل منها بخطوط مؤلفيها، والباقي بخطوط ناسخيها، وذلك باستثناء مجموعة مصورة بطريقة "الفوتوستات" والتي توجد اصولها في مكتبات اخرى كالاسكوريال، ليدن، جون رايلز، باريس الأهلية، ودار الكتب المصرية، ويبلغ عددها نحو 505 نسخ مصورة لها فهارسها المستقلة وترتيبها الهجائي الخاص بها. وباستقراء المجموعة نلاحظ ان اقدم مخطوطة "مؤرخة" ترجع الى العام 826 ه وهي تحت عنوان "الاذكار" لمحيي الدين النووي 631- 677 ه نسَخَها عبدالله خليل بخط النسخ بالمدادين الاسود والاحمر في 161 ورقة بحجم 23 X 15 سم، وهي في الحديث النبوي الشريف. أما أحدث مخطوطة مؤرحة لمجموعة فعنوانها "كتاب مادة الحياة وحفظ النفس من الآفات" لمحمد بن ابي بكر الفارسي، نسخها "محمود صدقي" العام 1340 ه في 25 صفحة بخط المعتاد عن نسخة خطية أصلية للمؤلف محفوظة في "دار كتب السادات الوقائية" في درب الجماميز القاهرة. يذكر أن المجموعة تضم مخطوطات أقدم من المخطوطة المؤرخة بتاريخ 826 ه، والدليل على ذلك وجود بعض المخطوطات غير المنقوطة أو مشكوكة الحروف، والمعروف أن علامات التشكيل لم تظهر إلا في عصر عمر بن الخطاب، على يد ابي الاسود الدؤلي، اي ان في المكتبة مخطوطات ترجع الى اوائل القرن الاول الهجري تأليفاً ونسخاً. وعن المعالجة الفنية للمخطوطات، قامت المكتبة بالوصف المادي البسيط لها منذ اقتنائها لها 1927م، وعمل الفهارس المحزومة لها، والتي يذكر بها عن كل مخطوطة: العنوان- المؤلف- رقم القيد الذي يطلب به.. والقليل جدا من البطاقات تذكر معلومات اخرى حسبما يتاح في المخطوط مثل: تاريخ التأليف- المسخ- الناسخ- ملاحظات عن المداد والورق والخط.. ثم يكتب اول وآخر سطر به. وبذلك يلاحظ عدم كفاية بيانات الفهرس مما يرهق الباحث ويهدر وقته. وعن هذه الملاحظة قالت السيدة فاطمة ابراهيم مدير عام المكتبات الجامعية: "لأن المجموعة فهرست منذ ما يقرب من سبعين عاماً،- حيث لم يكن لعلم المكتبات وجود في مصر والعالم العربي كله- فإننا نجد الفهارس عقيمة فعلاً. لذلك قامت المكتبة بعمل فهرس بطاقي للمجموعة العربية تبعاً لقواعد الفهرسة العلمية والدولية، وذلك اوائل التسعينيات، وكلفت الجامعة "مركز الدراسات الشرقية" التابع لكلية الآداب- بفهرسة المجموعة الشرقية الفارسية والتركية، وكان من المفروض ان يتم تصوير نصوص المخطوطات كلها بعد فهرستها على الميكروفيلم، وذلك للحد من الاستعمال المباشر لأصولها بغرض الحفاظ عليها. الا ان المشروع كله متوقف الآن بسبب التعقيدات الروتينية من جهة، وكسل وإهمال العاملين فيه من جهة اخرى، ثم التعطيل والبطء الشديد من قِبَل مركز الدراسات الشرقية". اما السيدة هند العطافي اخصائية فهرسة المخطوطات الشرقية في المركز- فقالت إنها تقوم بمفردها بفهرسة المجموعة التي قوامها 3559 مخطوطة، علاوة على ان المكتبة تغلق ابوابها لفترات ممتدة بسبب عمليات الجرد والصيانة السنوية. وباستمرار البحث في فهارس المخطوطات نقع على عناوين لمؤلفات تعد كنوزاً علمية وتراثية، لكنها ومع الاسف لا وجود فعليا لها في المكتبة، علما بأن المخطوط من مواد المكتبة التي لا تعار خارجيا، بمعنى انها للاطلاع والتصوير الداخلي فقط. تقول السيدة "سامية الكافوري" رئيسة قسم التوثيق في المكتبة والقائمة على فهرسة المخطوطات العربية بها: "لقد مرت المكتبة منذ نشأتها بالكثير من نوبات الترميم والصيانة والغرق بمياه الشرب والصرف الصحي، فكانت تنقل محتوياتها الى أماكن أخرى بما كان يعرضها للفقد والتلف بسبب سوء حال المخطوطات وتقاومها من جهة، وعدم وعي وسوء معاملة العاملين في مخازن الكتب من جهة اخرى، حيث انهم غير مؤهلين، وربما حتى لا يعرفون القراءة والكتابة، فمن المفروض أن يكون موظف المخازن مؤهلاً مكتبياً يعي قيمة المصادر التي بين يديه، إذ أنه الأكثر احتكاكاً بها، إلا انهم يتعالون على العمل المخزني فيبقى لأنصاف المتعلمين ومنعدميه". ورغبة في المزيد من التعرف على مجموعة المخطوطات الشرقية في المكتبة، كان لابد من وقفة مع الدكتور نصرالله مبشر الطرازي، خبير فهرسة المخطوطات الإسلامية، وعضو مجمع "اتاتورك" للعلوم والفنون والتاريخ في انقرة، والقائم على مشروع فهرسة المخطوطات الفارسية والتركية في المكتبة والذي بدأ حديثه قائلا: "كنت أظن أنني سأقع على تل من المخطوطات الشرقية، ولكن فوجئت بقلة المجموعة كماً، إلا أنها كنز ثمين كيفاً، إذ توجد بها مخطوطات فارسية نادرة بحق، تعد النسخ الأولى التي كتبت بخطوط مؤلفيها أو في حياتهم، وأقول بثقة إن منها ما لايوجد في ايران نفسها، وضمن مجموعة مخطوطات تنتمي الى أرقى المعارض المحلية والدولية، إلا أن ما يؤخذ عليها هو ان معظمها مُجلد تجليداً عادياً، فهي لا تنتمي الى مدارس التجليد الراقية المعروفة. ومنها على سبيل المثال مخطوطة في التصوف عنوانها "رسالة في وصف الطريقة النقشبندية" اقتبسها ناظمها مجهول من كلام علي بن ابي طالب، نسخت العام 1219 ه في 14 ورقة كتب نصها نظماً وخاتمتها نثراً بخط "النسا تعليق" الفارسي، وبها زخارف نباتية بالألوان الأحمر والأزرق والاسود، وحليات وأطر للنص بماء الذهب. واختتم الدكتور الطرازي حديثه بأنه الى الآن لم يعثر على مخطوطة واحدة محققة بين 800 مخطوطة تمت فهرستها في المجموعة الشرقية، ربما للجهل بها أو بلغاتها فارسي وتريحي. وهناك فئتان من أندر وأغرب مخطوطات المجموعة الشرقية في المكتبة: الأولى في فنون السحر والتي تفهرس تحت عنوان "علم الحروف" وهي فئة محظور الاطلاع عليها، إذ أنها تحوي فنون السحر الأسود المرفوض دينياً وقيمياً. والثانية مجموعة الأمير ابراهيم حلمي والتي تبيح المكتبة الاطلاع على بعض منها ضمته في فهرس مطبوع باسم الأمير، وهي كتب ومخطوطات في اللغات والآداب والعلوم والفنون والديانات. اما بقية المجموعة فحظرت المكتبة الاطلاع عليها وحبستها في خزاناتها السوداء، اذ تتحدث نصوصها عن الجنس، بل وتصفه صورها الملونة. ويذكر ان هذه الخزانات لم تفتح منذ الستينات تقريبا، حتى ان موظفي المكتبة يسمعون عن ما بها سماعاً، إلا أن الجامعة أصدرت لخيراً قراراً أخيراً بتشكيل لجنة من المكتبيين لفتحها وفرز محتوياتها وإعادة النظر في امرها. وتفهرس هذه المخطوطات تحت عنوان "لذة النساء" وهو عنوان اول مخطوطة في المجموعة كتبت خصيصا للسلطان سليم الاول ويوجد اصلها في دار الكتب المصرية التي تحظر ايضا الاطلاع عليها، ولكنها تدرجها في فهرسها المطبوع لمجرد الاعلام بوجودها. ولأن "أهل مكة ادرى بشعابها" كان لابد من الرجوع الى الدكتور عبد الستار الحلوجي استاذ علوم المكتبات والمعلومات في كلية الاداب في جامعة القاهرة والذي بدأنا بقوله: "إن قيمة الكتاب هي في ان يستخدم، ولكي يحدث ذلك بكفاءة ينبغي التعريف به في فهارس فعالة، والإعلان عنه، ووجود قائم بالخدمة عليه يكون على دراية بقيمته، ولكن العكس هو ما يحدث فيما يتعلق بالمخطوطات فالكل الآن- بخاصة الشباب- يفضلون التعامل مع مستحدثات العصر، لا سيما المارد المسمى "انترنت" والنظر الى المخطوطات على انها "متحفيات" وليست مصادر للمعرفة، فلا تتبع اساليب علمية في حفظها وصيانتها وفهرستها، أو عمل ببليوغرافيات تحصرها وتعرف بالنادر منها والاشتراك به في المعارض الكبرى، والتعريف بما تم تحقيقه منعاً لتكرار الجهود العلمية أو تغييب كيانات حققت فعلاً- فعادة يكون الكتاب المحقق أفضل من نسخته الأصلية المخطوطة لجهة القيمة العلمية التي تتقادم بمرور الزمن، ولكن تبقى القيمة التاريخية والتراثية التي لاتنعدم ابدا. ويرى الدكتور الحلوجي ان دار الكتب المصرية هي احق الجهات بالقيام بهذه المهام باعتبارها المكتبة الوطنية، وهذا امر متعارف عليه دولياً، مشيراً الى ان الدار لا ينقصها شيء، فلديها الميزانيات والكوادر المؤهلة والمجموعات الممتازة، بينما لا يوجد ربط وتنسيق بينها، فنحن امام حالات من العزف المنفرد، في حين يتطلب الأمر سيمفونية متكاملة". ويلاحظ ان إصلاح مكتبة جامعة القاهرة "لن يكون بالمبنى الجديد المزمع الانتهاء منه بحلول القرن المقبل. وإنما المبنى الجديد لابد ان يصاحبه فكر جديد ونوعية جديدة من الموظفين المؤهلين ذوي الكفاءة والحماسة تحت قيادة مؤهلة واعية قادرة على اتخاذ القرار"