المكتبة البريطانية، هي المكتبة الوطنية في المملكة المتحدة، ودورها أنها تجمع في خزانتها كتباً ودوريات في لغات مختلفة من لغات العالم. ومن بينها اللغة العربية. ولكن هناك الكثير من الناس، حتى بين الباحثين البريطانيين، لا يعرفون شيئاً عن وجود مجموعة كبيرة من الكتب العربية. فأنا شخصياً ما كنت أعرف عن هذه الذخيرة، من كتب ودوريات عربية، يوم كنت أحضر الدكتوراه في الأدب العربي الجزائري، قبل عملي في المكتبة. لذلك وجدت من المفيد ان اعرّف العرب بذخيرة المكتبة البريطانية من الكتب العربية المطبوعة. تأسست المكتبة البريطانية عام 1971، بعد انفصالها عن المتحف البريطاني، الذي تأسس في القرن السابع عشر، ونقلت إليها المصنفات العربية من مكتبة المتحف ومكتبة وزارة الهند سابقاً. والمنقولات هي: الكتب العربية المطبوعة والمخطوطات المتنوعة والنادرة. وتعتبر مجموعة المخطوطات من أكبر المجموعات من نوعها في أوروبا واميركا الشمالية، فهي تضم حوالى 15 ألف مخطوطة، في مختلف الموضوعات، من نسخ القرآن الكريم إلى أعمال في الفقه، وعلم الحديث، وعم الكلام، والفلسفة، والأدب، والتاريخ. وبالمقارنة، أن الكتب العربية المطبوعة لا يمكنها منافسة مجموعة المخطوطات، من ناحية الشهرة. تحتوي المكتبة على حوالى 60 ألف كتاب، و450 دورية، ويضاف إليها سنوياً حوالى 2000 كتاب. وبين هذا العدد كتب قديمة، تعد من أقدم المطبوعات العربية، ومنها مطبوعات زوروب المبكرة، مثل ما أصدرته الكنيسة الكاثوليكية. منها على سبيل المثال لا الحصر، كتاب "الصلاة المسيحية" ويعرف باسم "كتاب الصلاة السواعي"، طبع في مدينة فانو بايطاليا سنة 1514، ويعتبر أول كتاب مطبوع باللغة العربية. ومن كتب المكتبة القديمة أيضاً أعمال في الفلسفة والطب، طبعت في اسبانيا وايطاليا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وتوجد نسخة قديمة من القرآن الكريم طبعت في هامبورغ في ألمانيا، سنة 1694. كما تضم المكتبة إصدارات المطابع التي أسسها المبشرون المسيحيون في الشام، وعدداً من الكتب التي طبعت في المطبعة التي جلبها ناوليون إلى مصر سنة 1798. غير أن طباعة الكتب باللغتين العربية والتركية في البلدان العربية، لم تبدأ إلا بعد تأسيس مطبعة بولاق التي أسسها محمد علي في سنة 1822، والمكتبة البريطانية غنية بالكتب المطبوعة في هذه المطبعة. وبعد تطور الطباعة العربية في البلدان العربية وخارجها اغتنت خزانة المكتبة بالكتب العربية في مختلف المجالات. ومن رواد الطباعة العربية، كان أحمد فارس الشدياق، وفي المكتبة نماذج عديدة من أعماله مثل: كتاب "لفيف في كل معنى طريف"، المطبوع في جزيرة مالطة في السنة 1839، وكان بخط واضح وجميل. كما في المكتبة العديد من الكتب المطبوعة في الهند بين سنتي 1867 - 1947، وفي ذلك استفادت المكتبة من قانون تسجيل الكتب، أي قانون الإيداع الهندي، الصادر في سنة 1867. وتعكس مقتنيات المكتبة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين اهتمام المستشرقين في التراث العربي، كما تعكس مقتنياتها تطور الطباعة في البلدان العربية. وفي البداية أكدت المكتبة على إغناء خزانتها بكتب التراث العربي الكلاسيكي. ولكن مصادر المكتبة ليست غنية نسبياً في مصنفات المؤلفين المعاصرين لهذه الفترة، مثلاً، يُنقص المكتبة الكثير من كتب النساء العربيات، اللواتي لعبن دوراً فاعلاً في الحركة النسوية المصرية وغيرها. ظلت المكتبة، في تلك الفترة، لا تنظر بأهمية كبيرة إلى المصنفات الأدبية الحديثة، ومع ذلك أن مجموعة القسم العربي غنية في مجال الدوريات العربية المبكرة، مجلات وصحف. وبعد الحرب العالمية الثانية، تطورت دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأوروبية والاميركية، لكي تواكب التغيير الثقافي والاجتماعي الحديث في المنطقة. وممتلكات المكتبة في هذه الفترة تعكس هذا التغيير بدرجة ملحوظة. فعبر القرن العشرين جمعت المكتبة أعمالاً في الثقافة المعاصرة والعلوم الاجتماعية، ومنها الأعمال المختصة في تحقيق النصوص التراثية. وبعد منتصف القرن المذكور حصل تغيير كبير في تكنولوجيا الطباعة والنشر، فازداد إصدار الكتب والدوريات. وبطبيعة الحال، لم تستطع المكتبة مواكبة هذه الحركة، لذلك لم يتجمع لديها غير القليل من المطبوعات في كل عام. وعموماً، يمكن القول أن خزانة المكتبة البريطانية غنية نسبياً بالكتب والمطبوعات المصرية، وبعدها اللبنانية ثم السورية فالعراقية، كان ذلك حتى السبعينات من القرن الماضي. لكن المكتبة فقيرة نسبياً بمطبوعات المغرب العربي ومنطقة الخليج، وغنية بمطبوعات اليمن نسبة إلى مكتبات انكلترا الأخرى. وفي الثمانينات تزودت المكتبة بعدد كبير من الكتب المصرية واللبنانية، وبعدد أقل من البلدان العربية الأخرى. وفي العامين الماضيين تزودت المكتبة بكتب عديدة من السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة والأردن، إضافة إلى استمرار تزودها بمطبوعات من مصر ولبنان، نظراً لكثرة دور النشر والتوزيع هناك. وصارت المكتبة تستلم المطبوعات الخاصة بالخليج العربي من مكتبات القاهرة وبيروت، كما تزودنا بعدد أقل من المطبوعات الليبية والسودانية والمغربية والتونسية، ويتم ذلك عبر معارض الكتب مباشرة. أما عن نوع الكتب التي تحرص المكتبة توافرها في خزانتها فهي في الدرجة الأولى الكتب الخاصة بالدراسات والبحوث الجامعية، في الثقافة والعلوم الاجتماعية، او تهتم بالعالم العربي، أو التي تعالج قضايا دولية يهتم العرب فيها، مثل الكتب الخاصة ببوسنيا والهرسك، أو الكتب الخاصة بالعولمة. وبالإضافة إلى ما تشتريه المكتبة من المعارض والمكتبات العربية تستلم جزءاً كبيراً من الكتب والمجلات الصادرة بالمملكة المتحدة، وفقاً لقانون الإيداع البريطاني الذي يفرض على الناشرين إيداع نسخة من مطبوعاتهم في المكتبة البريطانية، وتنشر عناوينها في البيبليوغرافية الوطنية البريطانية، التي تصدرها المكتبة. كما تدخل القسم العربي مصنفات عربية على سبيل التبرعات من الأفراد والمنظمات. وعبر سنوات عديدة شاركت مدخولات المكتبة من التبرعات في بناء مجموعة كتب ومنشورات أخرى، ليس بالإمكان شراؤها. غير أن المكتبة، لا يسعها مواكبة المجلات والصحف في كل البلدان العربية، إلا عبر اشتراكها في القليل منها في مصر وبيروت والكويت والقدس. وهذا أقل كثيراً مما كانت تشترك فيه سابقاً، لذلك تجمعت فيها أعداد من الدوريات القديمة، التي تمثل اليوم مصادر بحثية مفيدة جداً. كتب المكتبة محفوظة في المخازن ذات الطوابق تحت الأرض، وفي مبنى آخر في لندن، وذلك لكثرتها، فتعدادها الكلي يفوق 12 مليون كتاب ووثيقة، ولهذا من غير الممكن التعرف عليها إلا عبر الفهارس وأجهزة الكومبيوتر. فالكتب العربية الصادرة في سنة 1980 وما بعدها يمكن التعرف عليها عبر الكومبيوتر OPAC، والمتوافرة في كل قاعات المكتبة، إضافة إلى وجودها في الأنترنت على العنوان الآتي: http://opac97.61.uk أما الكتب العربية الصادرة قبل التاريخ المذكور فلها فهارس خاصة، وهي مقسمة حسب تاريخ صدور الكتاب، وهي متوافرة بقسم المجموعات الشرقيةوالهندية. فنظام المكتبة لا يسمح بالاستعارة خارج صالات المطالعة، لكن هناك تسهيلات تقدم إلى الباحثين عبر المكتبات الجامعية والعامة، وذلك باستعارتها للكتاب من المكتبة الوطنية البريطانية. كما يمكن الاستفادة من قسم التصوير في النسخ من الكتاب أو المايكروفيلم بالنسبة للمخطوطات القديمة. إن القسم العربي جزء من المجموعة الشرقيةوالهندية، وحتى العام 1998 كان مقر هذه المجموعة في شارع بلاك فايرز، وتم نقله إلى مقر المكتبة الجديد والضخم قريباً من محطتي كنكزكروس ويوستن، حيث تجمعت المكتبة بكل أقسامها بعد انفصالها عن مبنى المتحف البريطاني. الدخول إلى صالات المكتبة يتم باستخدام بطاقة خاصة، يمكن الحصول عليها مجاناً، مع بعض الاجراءات، وبناية المكتبة، مفتوحة للجمهور على مدى سبعة أيام. * مسؤولة الكتب العربية في المكتبة البريطانية.