ينقسم المحلّلون في الرأي في شأن تصميم الكرملين على ما يبدو على تدمير شركة"يوكوس"، عملاق النفط الروسي، بين من يرونه متسقاً مع قواعد الاقتصاد المعمول بها في روسيا وآخرين يخشون سيطرة الدولة على الاقتصاد. وبعد مرور تسعة أشهر على القاء ميخائيل خودوركوفسكي، قطب النفط الروسي، في السجن، وتعرض شركته لضغوط قانونية شديدة، لا يعرف المحلّلون ما إذا كانت الحكومة تريد فقط القضاء على واحد من"أباطرة"المال كانت تخشاه، أم ان ما تفعله بداية لهجوم واسع على عدد من أقطاب الاقتصاد. ويقول كريستوفر غرانفيل، الخبير الاستراتيجي في مكتب"يو اف جي"في لندن:"الناس تريد أن تعرف أساساً ما إذا كانت قواعد اللعبة بالنسبة إلى الاقتصاد كما هي، أم أن القواعد تغيرت". وقد أدت الشكوك في دوافع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في حملته على خودوركوفسكي وشركته إلى تقلب شديد في سعر سهم"يوكوس"، وساعدت على ارتفاع أسعار النفط الخام في العقود الآجلة إلى مستويات قياسية الأسبوع الماضي. ويضيف غرانفيل:"الشيء المهم للأسواق في الوقت الراهن هو الغموض، بغض النظر عن صحة أي من التفسيرين". ويتوزع المستثمرون والمحلّلون على معسكرين. فمن ناحية، هناك الذين يعتقدون ان الكرملين يريد مصادرة ثروة خودوركوفسكي وحسب، ويشدّدون في هذا الشأن على قاعدة غير مكتوبة تقضي بأن ينأى"أباطرة المال"بأنفسهم عن السياسة. فيما يرى آخرون انها بداية حملة للدولة لإعادة السيطرة على أصول باعتها بأسعار رخيصة في التسعينات لحفنة من رجال الاعمال الذين أثروا ثراء فاحشاً بين عشية وضحاها. لكن الكل متفق على شيء واحد، وهو أن بوتين أنهى"رأسمالية اللصوص"المنفلتة في التسعينات، وأعاد فرض سلطة الدولة"بروح ثأرية".ويُشير المحلّلون إلى انه إذا تبين ان الكرملين يتبع كذلك استراتيجية لتوسيع ملكية الدولة خطوة خطوة، فان ثقة المستثمر قد تنهار. وأوضح غرانفيل:"إذا حدث ذلك ورأينا شكلاً نشطاً من رأسمالية الدولة، فإن ذلك سيبدو قبيحاً للغاية من وجهة نظر المستثمرين". وقد انهالت مطالبات السلطات على شركة"يوكوس"لسداد الضرائب التي لم تدفعها، والتي قالت إنها قد تدمرها، وذلك بحلول منتصف آب اغسطس الجاري، في الوقت الذي يسعى المسؤولون إلى تحصيل متأخرات ضريبية عن عام 2000 تبلغ 3.4 بليون دولار. ومعلوم ان خودوركوفسكي، الذي اعتقل في تشرين الأول اكتوبر الماضي، يُحاكم بتهم التزوير والتهرب من الضرائب مع شريكه المقرب، بلاتون ليبيديف. ومن المحتمل أن يُحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات في حال إدانته. وحتى الآن، ليست هناك أدلة تؤيد أياً من التفسيرين للأحداث. ويلفت المتفائلون إلى ان التحقيق لم يشمل أحداً من رجال الأعمال من خارج دائرة خودوركوفسكي، معتبرين ان القضية لن تتجاوز حدود شركة"يوكوس". ويقول ديفيد جيوفانيس، المدير الاداري لشركة"بيسيك ايليمنت"، وهي شركة استثمارية تملك"روسال"، أكبر منتج روسي للألومنيوم:"لا نرى هذا تعبيراً عن اتجاه للتراجع عن التخصيص. نظن أنها حالة منفردة". وحسبما يشير المتفائلون، فإن السلطات ضربت الشركة، وتضر الأقلية من مالكي الأسهم بدفع سعر السهم إلى الانهيار، لأن خودوركوفسكي رفض التنحي. وقد أمر المسؤولون عن تحصيل الضرائب ببيع"يوغانسكنيفتي غاز"، وحدة الانتاج الرئيسية في"يوكوس"لسداد الضرائب، وهي خطوة قد تمزّق عملياً قلب"يوكوس".ويعتبر اناتول لايفن، وهو باحث في مؤسسة"كارنيغي"للسلام الدولي، ان تحدي خودوركوفسكي وهزيمته خطوة رئيسية في تحويل روسيا إلى اقتصاد حديث. وكتب في مقال في صحيفة"فاينانشال تايمز":"لا خطأ من حيث المبدأ في محاكمة خودوركوفسكي أو في تفكيك يوكوس، التي مثّلت في يد السيد خودوركوفسكي تهديداً حقيقياً من قِبل قوة احتكارية اقتصادية متجددة وخطرة". ويقول الذين يرون بداية حملة للكرملين للسيطرة على مواقع متحكمة في الاقتصاد، انه يجري إعداد شركة"روس نفط"المملوكة للدولة لشراء"يوغانسكنيفتي غاز". ويُنظر إلى تعيين ايغور سيشن، وهو مقرب من بوتين ليدير"روسنفت"، كإشارة إلى ان الشركة تستعد لأن تصبح أكبر شركة للنفط في روسيا. ويؤكدون أن هناك"المزيد في الطريق". ولم يكن خودوركوفسكي أول ثري يصطدم مع بوتين. فقد صودرت أصول كل من فلاديمير غوسينسكي القطب الاعلامي، وبوريس بريزوفسكي وسيط السلطة السابق في الكرملين، وفرا من روسيا في بداية تولي بوتين الرئاسة. وقال مسؤول كبير في بنك استثماري مقره موسكو رفض كشف اسمه:"أظن أن هناك أصولاً أخرى ستقع في يد الدولة... الحكومة لا تهتم بما يقول الناس عنها".