يعيش سوق الصاغة في دمشق أياماً صعبة بسبب الجمود المطبق نتيجة استمرار ارتفاع اسعار الذهب مع التراجع الحاد في الطلب، على عكس المتوقع في موسم الصيف الذي يشهد عادة ذروة الطلب مع بداية موسم الأعراس والسياحة. ويعزو خبراء اقتصاديون ومتعاملون بالذهب الجمود الى تدني الفوائد الدولية على الدولار، وبالتالي لجوء عدد من مواطني الدول الى اقتناء الذهب على اعتبار انه الضمان والأمان خصوصاً في زمن الحروب والأزمات السياسية الدولية التي يخشى فيها المواطنون من تدني قيمة العملات. واشار رئيس"الجمعية الحرفية للصياغة"جورجي صارجي الى ان المضاربات بالذهب لعبت دوراً كبيراً في رفع سعره دولياً، اضافة الى توجه المستثمرين نحو المعدن الثمين، خصوصاً في الدول المتقدمة واعتباره وسيلة ادخار لا سيما في الدول العربية. ودعا جورجي"مصرف سورية المركزي"الى شراء الذهب من التجار في فترات ارتفاع سعره وبيعه لهم مع انخفاضه منعاً للتهريب وأسوة بباقي بلدان العالم. وعلى رغم ان موسم الصيف يمثل ذروة عمليات البيع والشراء في سوق الذهب لأنه موسم الخطبة والأعراس وعودة المغتربين وانتعاش السياحة، شهدت حركة السوق هذه السنة جموداً كبيراً. وتمر بعض الايام"لا بيعة ولا شروة"، كما يقول الصايغ موسى خوري، ويرى"ان أزمة ارتفاع الاسعار تركت أثرها في الشارع السوري، فمن غير المعقول ان تكون هناك حركة شراء كبيرة وسعر الذهب يتجاوز 590 ليرة للغرام عيار 21". وفي سوق الصاغة الأثري قرب الجامع الأموي، حيث التجمع الكبير للصياغ، ينتظر كثيرون مايسمونه"غصة المنجل"التي تستمر حتى موسم جني محاصيل الحبوب وتسلم الفلاحين ثمن محاصيلهم الزراعية املاً في ان تشهد السوق تحركاً نسبياً، خصوصاً وأن الفلاحين يشترون الذهب بكميات كبيرة. وتُعتبر صناعة الذهب من الصناعات العريقة في سورية وتمتد الى أكثر من أربعة آلاف عام، ويشير أحد التجار الى ان أكثر من 90 في المئة من تجار سوق مدينة الذهب في دبي هم صياغ سوريون. وتعمل في سورية نحو 500 ورشة لصناعة الذهب تؤمن حاجة السوق المحلية، ويتعامل بها نحو خمسة آلاف محل صياغة بين مصنع وبائع. ويؤكد صارجي ان عدد الحرفيين في دمشق وريفها يصل الى حوالى 2800 صائغ مسجل لدى الجمعية، وحوالى 1000 غير مسجل و2000 حرفي في مدينة حلب التي تملك اكبر عدد من محلات الصاغة في سورية. وقدّر صارجي كمية الذهب الموجودة في دمشق وريفها بنحو ثلاثة آلاف كيلوغرام، عدا ما لدى المواطنين كمدخرات. ويتميز الصياغ السوريون بمهارة تصنيعية عالية وبزخرفات ونقوش استطاعت ان تحتل مكانة مرموقة، ما جعل سياح كثيرون يؤمون سورية سعياً الى اقتناء هذه الموديلات المتنوعة الاشكال. ويتميز العمل في صناعة الحلي بالتخصص، فلكل صائغ موديلات محددة يعمل بها ويُصنّعها أساور وخواتم ومحابس، اضافة الى عدد كبير من المرصعات التي تزركش بها المشغولات الذهبية كالاحجار الكريمة. ولكل قطعة ثمن مختلف حسب الابداع فيها والوقت الذي تستغرقه في صنعها. وتعود لجمعية الصاغة مهمة تعيير الذهب والاشراف على عمليات البيع والشراء ومراقبة المواصفات ومنع التهريب. كما تقوم الجمعية كل صباح بتسعير الذهب المصنّع وتعميمه مباشرة على جميع التجار وفق اسعار الذهب في الاسواق الدولية وسعر الدولار بالنسبة لليرة السورية في الدول المجاورة. وتعتبر ضريبة الرفاهية المفروضة على عمليات البيع والشراء بشكل عام احدى أكبر العقبات التي يطالب الصاغة بازالتها للتخلص من التلاعب. كما يطالبون بخفض الجمارك على استيراد الذهب الخام، اسوة بباقي دول العالم. ويصل جمرك الكيلوغرام الواحد في سورية الى 18 ألف ليرة، وتحصل وزارة المال ضريبة ارباح تبلغ 20 ألف ليرة، علماً ان الذهب الخام معفى من الجمارك والضريبة في أنحاء العالم.