تفتتح مساء اليوم مهرجانات بيت الدين الدولية لموسم صيف 2004. وإذا كانت الدورة الجديدة تحمل أمسيات مضمونة النجاح مثل سهرة كاظم الساهر وجديد منصور الرحباني "حكم الرعيان"، فإنها تتميز أيضاً بعروض عالمية شيقة أبرزها أوبرا جياكومو بوتشيني الشهيرة "توراندوت" التي تعرض مساء اليوم كما قدّمت في "رويال ألبرت هول" في لندن. يعد بوتشيني من أبرز مناصري الواقعية في عروض الأوبرا، وأهم من وضع تاريخ الأوبرا الإيطالية في صورة متكاملة. تحكي اعمال بوتشيني الذي يختار مواضيعه بعناية ويمضي وقتاً طويلاً في الإعداد لها، قصص حب تركز على البطلة المرأة. وتتميز أعماله بأنها حية درامياً، فبوتشيني يتعاطف مع الجمهور ويكتب ليحركه. وبعد سلسلة من نجاحات استثنائية سجلت للمؤلف الموسيقي علامة فارقة في عالم الأوبرا "لا فيللي" و"توسكا" و"مدام بترفلاي" و"فتاة الغرب الذهبي" وقام بوتشيني بكتابة توراندوت القائمة على أسطورة الأميرة اليابانية. وتوراندوت أميرة ابتكرت ثلاثة ألغاز لكل من كان يتقدم للزواج منها ومن لم يعرف الإجابة عنها كان مصيره الموت، بغية الهروب من الوقوع في الحب. فجأة يظهر كالاف، وهو ابن الملك التتري المنفي تيمور. ويقع في حب الأميرة ويجيب عن أحجيتها في شكل صحيح، فتصاب تلك الأخيرة بالإحباط إذ لم يعد بوسعها التهرب من هذا الحب. فما كان من كالاف إلا أن قلب المعادلة فطرح عليها أحجية جديدة : إن عرفت اسمه قبل بزوغ الفجر فسيموت لا محالة تاركاً إياها بسلام... إلا أن الوحيدة التي تعرف اسمه هي خادمة أبيه ليو. ابرز ما يميز "توراندوت"، وهي قدمت بواسطة كاتب الدراما الإيطالي في القرن الثامن عشر، إنها الأوبرا الإيطالية الوحيدة ذات الطابع الانطباعي. لكن بوتشيني لم يكمل "توراندوت" فهو لم يتمكن من كتابة الدويتو الذي يدور حول انتصار الحب بين توراندوت وكالاف، إذ كان يعاني من سرطان في الحلق. وذهب إلى بروكسيل من اجل إجراء عملية إلا انه توفي بعد أيام قليلة من دون أن يكمل عمله الأخير. تم عرض "توراندوت" بعد وفاة بوتشيني بسنتين توفي عام 1926 على مسرح لاسكالا وأنتجها ارتورو توسكاني في الشكل الذي كان يريده المؤلف قبل وفاته إذ اكمل تلميذه فرنكو الفانو المشهدين المتبقيين وفقاً للاسكتشكات التي تركها بوتشين. ستقدم أوبرا "توراندوت" بأزياء زاهية وديكور سيحول قصر بيت الدين إلى ما يشبه بلاط إمبراطور صيني. تجسد دور الأميرة لودميلا ماغوميدوفا التي تخرجت في "ستايت سياتر أكاديمي" في موسكو وهي مغنية صولو في "برلين ستايت أوبرا" ومسرح البولشوي. ويقوم بدور كالاف أحمد أغادي الذي لعب أدواراً أساسية في اشهر أعمال الأوبرا أمثال "كارمن" و"عايدة" و"لا بوهيم". وتقوم بدور الخادمة ليو السوبرانو روزا لي توماس التي أدت العديد من شخصيات بوتشيني وخصوصاً في "توراندوت لابويم". كما يتميز العمل بمشاركة قائد الأوركسترا الكسندرو صامويلا الذي قاد العديد من الفرق في العالم وكان أستاذاً في جامعة سان بطرسبرغ. جمهور بيت الدين على موعد هذا المساء مع عمل يؤكد أن "من عاش للحب يموت من أجله"، ويسلط الضوء على خط قوي يجمع بين العاطفة والشفقة على نساء معاقبات بمحنة الألم. جمهور بيت الدين سيعرف الكثير عن مؤلف أكد أن الأوبرا ليست مجرد فعل وحركة وصراع بل تحتوي أيضاً على لحظات من السكينة والتأمل والغنائية. فلا عجب أن يعتبر خالد ترمانني في أن بوتشيني واحد من أعظم الموسيقيين في القرن التاسع عشر ومطلع العشرين، "فعلى يديه تطور فن الأوبرا والتأليف الموسيقي كثيراً، خصوصاً ان الفعل في أعماله ليس معقداً وواضحاً، لدرجة أن المشاهد حتى ولو لم يفهم الكلمات سيفهم ويتابع ما الذي يحدث فوق خشبة المسرح".