عندما قابلت المترجمة الألمانية دوريس كيلياس قبل أسابيع، سألتها عما تتوقعه من وراء استضافة العالم العربي في معرض فرانكفورت للكتاب هذا العام، فقالت إنها متشائمة. ثم أضافت المترجمة التي نقلت إلى الألمانية حوالى عشرين عملاً أدبياً، معظمهم لنجيب محفوظ: "إذا نجحت المشاركة العربية فستكون بفضل الألمان لا العرب". ولما أبديت امتعاضي من هذا الحكم المسبق بالفشل والاجهاض لكل الجهود المبذولة، شرحت قائلة: لأن المؤسسات الألمانية هي التي تقوم منذ شهور بإعداد برنامج للندوات والقراءات، وتدعو الكتاب "المغضوب عليهم". ثم استغرقت دوريس كيلياس في التأمل، وقالت محبطةً: الكتاب العرب دائمو الشكوى من اختيارات الترجمة، ومن ترجمة هذا العمل وإهمال ذاك. ولكن أين دور المؤسسات العربية في دعم ما تراه جديراً بالترجمة؟ هل تعلم أن بلغاريا، هذا البلد الصغير الفقير، يخصص جائزة سنوية لأفضل عمل مترجم إلى اللغة الألمانية؟ هل فكر أحد في العالم العربي في تكريم هارتموت فيندريش مثلاً تواضعاً لم تذكر نفسها، هذا الرجل الذي ترجم وحده حتى الآن نحو أربعين عملاً أدبياً من العربية إلى الألمانية؟ هارتموت فيندريش كان أحد المدعوين إلى مؤتمر الترجمة الذي عقد اخيراً بالقاهرة. هناك سألته عن تقويمه للاستعدادات العربية للمشاركة في فرانكفورت، باعتباره المسؤول الأول عن ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية. توقعت أن يكون مسؤولو منظمة الأليسكو التي تتولى الإشراف على ملف المشاركة في تنسيق مستمر معه. إلا أن نبرة الرجل لم تقل يأساً وتشاؤماً عن زميلته. بعد أن هز رأسه، قال: حتى اليوم لا أعرف شيئاً، ولم يتصل بي أحد. بل لقد حاولت أنا الاتصال بمكتب الجامعة العربية في برلين، لأن لدي اقتراحات محددة لطبع أعمال أدبية مترجمة بالفعل وجاهزة للنشر، ولا تحتاج سوى إلى التمويل، لكنني لم أجد أحداً يعيرني آذاناً صاغية. كانت هذه رؤية اثنين من كبار "بناة الجسور" بين الثقافتين العربية والألمانية. ولم تكن رؤية عدد كبير من المثقفين العرب تقل تشاؤماً. أذكر أن جمال الغيطاني نصح في مطلع هذا العام بتأجيل المشاركة العربية "تجنباً للفضيحة". الناشر رياض الريس قال إنه يتخوف "من الكارثة" لأن العرب غير جاهزين للمشاركة في فرانكفورت، "لا على مستوى الناشرين، ولا على المستوى الرسمي"، وذلك بسبب التأخر في الإعداد، وضعف الموازنة المرصودة. مخاوف أخرى عبر عنها عدد من الكتاب "المعارضين" الذين يعيشون في الخارج. من سيوجه إليهم الدعوة؟ هذا التخوف ينسحب أيضاً على الكتاب "المشاغبين" في الداخل. كثيرون توقعوا أن تختار الأنظمة كتّاباً يجيدون العلاقات العامة وتحسين الصورة في الخارج، لا الذين يضعون أيديهم على مواطن الخلل والفساد. أما عن التوقعات الألمانية غير الرسمية، فلعلنا نوجزها بهذا التساؤل الذي افتتحت به إحدى كبريات الصحف الألمانية كلامها عن البرنامج العربي في فرانكفورت،: "ماذا في جعبة الشرق غير الدماء والإرهاب والدموع؟". هل كل هذه التخوفات محض تشاؤم ويأس؟ كنا ننتظر إعلان البرنامج التفصيلي للمشاركة العربية حتى نستطيع أن نكوّن صورة أولية عن مدى جدية الإعداد. والآن باستطاعتنا أن نطالع البرنامج الذي أعلن عنه في مؤتمر صحافي عقد يوم الجمعة الفائت 25/6 في مكتبة مدينة فرانكفورت. وبعد تصفحنا البرنامج، قد يتولد لدينا الشعور بأننا أغرقنا في التشاؤم. البرنامج - على الورق - جيد جداً، شامل، يُعرِّف فعلاً بكل أوجه الثقافة العربية، من كتب وأفلام وعروض مسرحية ومعارض فنية. تفاصيل البرنامج قدمها المنجي بوسنينة، المنسق العام ومدير منظمة الأليسكو، ومعه محمد غنيم المدير التنفيذي، وإبراهيم المعلم رئيس اتحاد الناشرين العرب. كما كان الأدباء ممثلين من المشرق ومن المغرب، وذلك بحضور المصري إدوار الخراط الموجود حالياً في ألمانيا في إطار مشروع "ديوان الشرق والغرب"، والجزائرية آسيا جبار المعروفة جيداً لدى المثقفين الألمان بعد حصولها عام 2000 على جائزة السلام التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان. يلفت النظر في كلمة بو سنينة أنه تحدث عن "نجاح المشروع" الذي ساهم فيه إلى جانب الجامعة العربية مسؤولون ألمان من هيئة معرض فرانكفورت، ومنظمة فريدريش إيبرت. أفهم أن يتوجه بالشكر إلى كل من أسهم في الإعداد، ولكن عن أي نجاح يتحدث قبل إقامة المعرض بثلاثة أشهر؟ أم أن إعلان البرنامج هو في حد ذاته نجاح جدير بالتسجيل؟ قراءات وندوات وترجمات من دون إبداء أسباب تم تخفيض مساحة العرض المخصصة للعالم العربي من تسعة آلاف متر مربع إلى أربعة آلاف، والأرجح أن الجانب العربي طلب ذلك. ومع ذلك، ستكون هذه المساحة هي الأكبر التي يشغلها ضيف شرف في فرانكفورت منذ عام 1976. سبع عشرة دولة عربية أي كل الدول ما عدا المغرب والجزائر والكويت والعراق وليبيا ستكون ممثلة رسمياً في المعرض الذي سيفتح أبوابه يوم السادس حتى العاشر من تشرين الأول اكتوبر. ومن المقرر دعوة أكثر من 150 كاتباً من مختلف أنحاء العالم العربي، حتى من بين الدول غير الممثلة رسمياً. ومن أبرز المدعوين أدونيس ومحمود درويش وأحمد عبدالمعطي حجازي وسعدي يوسف وعباس بيضون وعبدالعزيز المقالح وشوقي بزيع ونزيه أبو عفش ومحمد بنيس من الشعراء، ومن الروائيين جمال الغيطاني وإبراهيم اصلان وبهاء طاهر وخيري شلبي وفؤاد التكرلي وإلياس خوري وحسن داوود وغادة السمان وعالية ممدوح وحنا مينه وسحر خليفة ومحمد برادة، ومن المقيمين خارج الدول العربية الطاهر بن جلون وآسيا جبار وأمين معلوف وأهداف سويف وإبراهيم الكوني ورفيق شامي. هذا إضافة إلى عدد كبير من النقاد والمفكرين والأكاديميين، نذكر منهم جابر عصفور وفيصل دراج وبطرس غالي وعبدالغفار مكاوي وسلامة أحمد سلامة وإبراهيم العريس والطيب تيزيني، ومن الفنانين يوسف شاهين ومفيدة التلاتلي وسميحة أيوب ونضال الأشقر ورتيبة الحفني. البرنامج حافل بالمحاضرات والندوات والقراءات والعروض المسرحية والراقصة. بطرس بطرس غالي سيفتتح الأنشطة بمحاضرة عن موضوع الساعة، أي عن "الإصلاحات وحقوق الإنسان في العالم العربي"، تليه محاضرات وندوات تتناول مواضيع أدبية متخصصة، مثل: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، والأدب النسائي، والحوار الثقافي العربي - الألماني، والإسلام وتحديات العصر، وتحولات المجتمع العربي، والمجتمعات المدنية العربية. القراءات في الجناح العربي الجناح الرئيسي سوف تفتتحها آسيا جبار يوم الخميس 7/10، يليها يوم السبت جمال الغيطاني، ويختتمها يوم الأحد الشاعر سعدي يوسف. ومن الندوات اللافتة ندوة ستنظم صباح يوم الأحد 10/10 بعنوان "دور الفرد في عملية الإبداع" وسيشارك فيها حامل نوبل غونتر غراس مع إدوار الخراط ومحمود درويش وأمين معلوف والطاهر بن جلون. جناح الناشرين لن يكون أقل حظاً في استضافة الندوات والقراءات، ومنها ندوة عن إشكاليات ترجمة الأدب العربي إلى الألمانية، وقراءة "لشباب الشعراء" مثل إيمان مرسال ونبيلة الزبير ورولا حسن. جناح مكتبة الإسكندرية سيستضيف قراءة للطاهر بن جلون يوم السبت 9/10 وندوة عن التيارات المختلفة في الرواية العربية المعاصرة. الجزء الأكبر من القراءات سيشهده المقهى الأدبي، وذلك في حلقات تستمر ساعتين، يقرأ خلالها خمسة كتاب. أما في قاعة المسرح خيمة رقم 2 فسوف تقام قراءات الشعراء "النجوم"، وسيفتتحها أحمد عبد المعطي حجازي مساء الخميس 7/10، يليه أدونيس 8/10 محمود درويش 9/10، ويختتمها يوم الأحد شاعر العامية المصرية عبدالرحمن الأبنودي 10/10. وستصدر بمناسبة المعرض نحو 50 ترجمة جديدة بالألمانية، منها عدة ترجمات عن دار "لسان" التي تم تأسيسها حديثاً في سويسرا لترجمة أدب الكتاب الشباب إلى الألمانية. المأمول أن يكون معرض هذا العام فرصة لفتح أسواق جديدة للكتاب العربي شبه المجهول في الغرب. معارض وأفلام وإلى جانب القراءات والندوات ستشهد أجنحة معرض الكتاب عدة معارض فنية، مثلاً عن الفنون التشكيلية في العالم العربي، والآثار العربية والإسلامية، والمخطوطات والكتب النادرة، والحرف والصناعات التقليدية، وكذلك معرض عن الكاريكاتير السياسي. كما تستضيف متاحف عدة في فرانكفورت معارض متخصصة عن الثقافة العربية، مثل المعرض الذي سينظمه متحف العمارة عن المهندس المصري حسن فتحي، كما ينظم متحف الأيقونات معرضاً عن الأيقونات المسيحية في العالم العربي. وسيكون باستطاعة زوار فرانكفورت في الفترة من الثامن من تشرين الأول 2004 وحتى آخر شباط فبراير 2005 مشاهدة "نصف قرن من السينما العربية" في احتفالية خاصية ينظمها متحف الفيلم الألماني بالاشتراك مع معهد العالم العربي في باريس. وتنقسم هذه الاحتفالية إلى ثلاثة أجزاء، الأول يقدم بانوراما للسينما المصرية، ويضم خمسة وعشرين فيلماً، ابتداء من فيلم "حياة أو موت" إنتاج 1954 للمخرج كمال الشيخ، ومروراً ب"درب المهابيل" لتوفيق صالح، و"باب الحديد"، و"الأرض" ليوسف شاهين، و"الزوجة الثانية" لصلاح أبو سيف، و"الطوق والاسوارة" لخيري بشارة... المحور الثاني في الاحتفالية الاستعادية تعنى بسينما المغرب العربي وموريتانيا، وتضم اثنين وعشرين فيلماً. محور "سينما الشرق" هو المحور الثالث، ويضم أفلام من لبنان وسورية والعراقوفلسطين والبحرين، تبلغ مجموعها ستة وعشرين فيلماً، منها "لما حكت مريم" لأسد فولادكار، و"طائرة من ورق" لرندة شهال صباغ من لبنان، و"أحلام مدينة" لمحمد ملص من سورية، و"العطاشى" لمحمد شكري "جميل والنهر" لفيصل الياسري من العراق، و"عرس الجليل" لميشيل خليفي و"مهمة إلهية" لإيليا سليمان من فلسطين. البرنامج متنوع وشامل وحافل، وهو بلا شك ينعش الآمال في تمثيل مشرف لكل أوجه الثقافة العربية الثرية. فكيف سيكون التنفيذ؟