رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    دفعة قوية للمشاريع التنموية: نائب أمير الشرقية يفتتح مبنى بلدية القطيف    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    افتتاح إسعاف «مربة» في تهامة عسير    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    الطفلة اعتزاز حفظها الله    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاتبة مصرية شبهت المشاركة بمعرض القاهرة وناشر لبناني يطالب بتقرير شامل . الحضور المصري يطغى على معرض فرانكفورت والعرب عجزوا عن "غزو" الثقافة الألمانية
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2004

يخرج المشارك في "التظاهرة" الثقافية العربية التي استضافها معرض فرانكفورت أخيراً بانطباع ملتبس، سائلاً نفسه: هل كانت تستحق هذه "المشاركة"العربية كل تلك الضجة التي قامت حولها قبل المعرض؟
قد لا يكون هذا السؤال ناجماً عن شعور بخيبة ما حيال الأيام الخمسة التي شكلت "عمر" المعرض، لكنه يضمر حتماً حالاً من التململ الذي أثارته المشاركة العربية والذي عبّر عنه الكثيرون من الأدباء والمفكرين الذين شاركوا في الندوات واللقاءات. طبعاً لم "تغزُ" الثقافة العربية معرض فرانكفورت كما توهّم البعض ولا الثقافة الألمانية احتضنت نظيرتها العربية أو احتوتها كما يجب، والحوار بين هاتين الثقافتين - وهو أنموذج عن الحوار الخرافي بين الشرق والغرب - لم يكن سوى لقاء ضئيل وجزئي وقد انحصر إعلامياً وعبر بعض الندوات التي نظمها الألمان نفسهم وطغى فيها الجمهور الألماني حضوراً ونقاشاً. أما الندوات والأمسيات التي أحياها العرب فكان الحضور الألماني فيها خجولاً عدا بضع أمسيات ومنها التي أحياها محمود درويش وأدونيس وبضع ندوات قليلة ومنها الندوات السياسية والفكرية. حتى الجمهور العربي كان قليلاً بدوره وقد اختلف من ندوة الى أخرى ومن أمسية الى أخرى. وألغيت بضع أمسيات لأنها خلت من الجمهور تماماً.
شاعر في حجم أحمد عبدالمعطي حجازي لم تعرف أمسيته الأولى سوى عشرة أشخاص على رغم الحشد المصري الكبير في التظاهرة. وكذلك الشاعر عبدالرحمن الأبنودي... لكن امسيتيهما التاليتين شهدتا عدداً أكبر ومعظمه ومصري وعربي. وإن كانت هذه حال هذين الشاعرين فما تراها تكون حال شاعر مثل فاروق جويدة وقد خصّ بأمسية منفردة فيما شعراء أهم منه أدرجت أسماؤهم ضمن القراءات الجماعية؟
انتهى معرض فرانكفورت وعاد العرب الى ديارهم مدركين تماماً أنهم لم يستطيعوا أن "يفتحوا" أبواب الثقافة الألمانية ولا أن يحملوا الى الألمان أدبهم وأعمالهم كما كانوا يتوقعون. الروائي المصري ابراهيم عبدالمجيد أشار مراراً الى ضرورة عقد لقاء بين أدباء ألمان والأدباء العرب يتمّ من خلاله تبادل الآراء والاطلاع على الحركة الأدبية في العالمين ومناقشة القضايا التي تعني الجهتين... آخرون غير ابراهيم عبدالمجيد طالبوا بهذا اللقاء بغية الخروج من "العزلة" العربية التي شعر بها الجميع. فاللقاء في فرانكفورت وفي الفندق كان عربياً - عربياً ولم يكن عربياً - ألمانياً كما كان مقدراً له. لم يبصر أحد كاتباً ألمانياً يزور الكتّاب العرب في مقرهم، ولم يُشاهَدْ شاعر ألماني يبحث عن شعراء عرب ليتعرّف إليهم. وحده غونتر غراس الروائي الكبير شارك الشاعرة العراقية أمل الجبوري في قراءة متوازية بالعربية والألمانية ونظمتها مؤسسة "آرتي" الإعلايمة في زاويتها في الجناح الألماني. قرأ غراس شعر الجبوري بالألمانية وقرأت هي شعره بالعربية وأدّت المطربة جاهدة وهبي بضع قصائد غنائياً. هذا اللقاء الشعري أثار حفيظة الشعراء العرب والصحافيين والمثقفين: ما سرّ هذه العلاقة بين غراس والجبوري؟ ماذا يحب غراس في شعرها ولماذا يصرّ دوماً على أن يطلّ معها؟ إنها الصداقة - ربما - وكانت توطدت في اليمن عندما نظمت أمل المهرجان اليمني - الألماني. واللافت ان غراس دعي مرة للمشاركة في لقاء مع أدونيس ومحمود درويش وإدوار الخراط واعتذر. لكنه لا يعتذر أبداً إذا دعته أمل الجبوري. فقد غراس بعضاً من رصانته عبر هذا الخيار الذي جعل من أمل شاعرة مهمة في نظر الألمان.
يجري الكلام دوماً عن الشعر دوماً فيما الرواية تحتل الواجهة. وإن كان الشعراء والروائيون المدعوون متساويين عدداً فإن الرواية هي التي تجذب، القراء والإعلام والناشرين. الروائي الياس خوري الذي لم يحظ بقراءة منفردة كان احدى ظواهر المشاركة العربية. روايته "باب الشمس" التي صدرت ترجمتها الألمانية عشية انطلاق المعرض بدت هي الحدث الكبير اعلامياً. احتلت الرواية صفحات كثيرة من الصحف والمجلات الألمانية وطاردت الكاميرات التلفزيونية صاحبها محاورة إياه. واستطاعت الرواية خلال أيام أن تحصد رقماً كبيراً في المبيع. فهي صدرت في مرحلة فلسطينية حرجة يشعر القارئ الألماني والغربي حيالها بحاجة الى أن يقرأ عن تاريخ الهجرة الفلسطينية. ناهيك بأهمية هذه الرواية نفسها وبنائها السردي ولغتها وشخصياتها وطابعها الوثائقي. رواية عربية اخرى ترجمت الى الألمانية وحظيت بنجاح لافت: انها رواية نجم والي "تل اللحم" التي صار عنوانها بالألمانية "رحلة الى تل اللحم" وصدرت لدى دار مهمة هي "هانزر" المعروفة بنشرها لأسماء عالمية كبيرة من أمثال أومبرتو إيكو وايتالو كالفينو وبورخيس وكونديرا وأورهان باموك وسواهم. وعندما زرت جناح هذه الدار وتعرفت الى الناشر برفقة نجم والي قال لي ممازحاً: "رواية والي هي الأكثر سرقة في المعرض". والسرقة معهودة في معرض فرانكفورت وسعى المسؤولون عن الأمن الى تشديد الرقابة ولكن من غير جدوى. وكانت مجلة "دير شبيغل" الشهيرة عهدت الى والي مهمة كتابة مادة الغلاف في العدد الخاص الذي أصدرته في المناسبة. وتناول والي في مقالته هموم الثقافة العربية الراهنة. ويختصر نجم مقاله قائلاً: "انه يتطرق الى لحظات التقارب والتباعد أو الفهم وسوء الفهم بين الثقافتين، الألمانية والعربية، تاريخياً". ويشير الى أن "أجمل اللحظات كانت عندما حصل التبادل الثقافي في شكل حقيقي عن طريق الترجمة"، معتبراً الترجمة "مفتاحاً لفهم الآخر" وأن التخلي عنها يقود الى الانغلاق... هذه بعض نقاط المقالة في المجلة التي أفردت صفحات للروائي إلياس خوري أيضاً. المجلات الألمانية المخصصة للمعرض لم تخلُ من مقالات عربية: محمود درويش، ادوار الخراط، حسن داوود، عباس بيضون وسواهم كتبوا عن الثقافة العربية وعن تجاربهم. وحظي بعض الكتاب بمقالات ومنهم جمال الغيطاني، أدونيس، رشيد الضعيف...
ظاهرتان
تجلت المشاركة العربية في فرانكفورت من خلال ظاهرتين: معرض الكتاب العربي والبرنامج الأدبي والفكري والفني وقد ضمّ ندوات وقراءات ومحاضرات وأمسيات شعرية... وقد شهد البرنامج الكثير من "الخربطة" فألغيت ندوات وأجّلت أمسيات واستبدلت اسماء... وهذا طبيعي، فالحضور العربي ضخم جداً والمدعوون كثر والجهاز المسؤول بدا وقفاً على المصريين ما خلا بعض البلدان التي انتدبت مسؤولين من طرفها مثل لبنان والسعودية والإمارات... والحضور المصري بدا طاغياً على المعرض مثلما طغى إدارياً. فالجامعة العربية الآن ذات طابع مصري ويكفي أن يكون على رأسها عمرو موسى. وليلة الافتتاح حضرت السيدة المصرية الأولى سوزان مبارك وكأنها راعية المهرجان وقد توجه المستشار الألماني شرودر اليها مباشرة، ناهيك بكلمة نجيب محفوظ التي تلاها نيابة عنه الكاتب المصري محمد سلماوي. قد يكون من حق المصريين أن يعتبروا المشاركة مشاركتهم أولاً، طالما لم يزاحمهم أي بلد على إحياء التظاهرة.
لبنان كان بدوره متحمّساً للمعرض وهو الوحيد الذي نشر برنامجاً بالأعمال اللبنانية والمشاركات في إشراف مدير عام وزارة الثقافة عمر حلبلب. وارتأى عرضاً لفرقة كركلا قدّم في الليلة الثانية من المهرجان وحفلاً غنائياً لمارسيل خليفة وحفلاً موسيقياً للعازف اللبناني العالمي عبدالرحمن الباشا. لكن عرض الافتتاح في صالة الأوبرا الجديدة وعنوانه "شهرزاد" كان في الطليعة. وهو من انتاج دار الأوبرا المصرية ومن تصميم وليد عوني اللبناني المهاجر الى مصر، وشاركت فيه الأوركسترا المصرية ومجموعة "عيون" التي يديرها الموسيقي العراقي نصير شمّة...
بدا الحضور المصري طاغياً إذاً ولا سيما في معرض الكتاب العربي. سمعت سلوى بكر تقول: "هل نحن في فرانكفورت أم في معرض القاهرة للكتاب؟". وكانت تطرح مثل هذا السؤال محتجّة على الفوضى واللامبالاة والخفة التي هيمنت على المعرض العربي والبرنامج. ومعرض الكتاب العربي لم يحتل المساحة التي كان يتخيلها الزائر، وبدا جناح دار غاليمار الفرنسية الذي يجاور الجناح العربي في حجمه أو أقل قليلاً. ولا أحد يدري لماذا احتلت الدور المصرية واجهة المعرض وقد وضعت على المدخل نسخ كثيرة من كتيب السيدة سوزان مبارك وعنوانه "الحق في القراءة" وهو عن مشروع "القراءة للجميع". وعلّقت أيضاً ملصقات للكتاب حاملة صورة السيدة المصرية الأولى. قد يكون مشروع "القراءة للجميع" بادرة مهمة مصرياً ولكنها ماذا تعني للقارئ العربي أولاً ثم للقارئ الألماني ما دامت محصورة داخل السوق المصري؟ الجناح المصري نمّ عن ذوق رفيع في الهندسة الداخلية وغدا ذا تصميم جميل، مثله مثل جناح الإمارات والسعودية والمغرب وعمان... السعوديون والإماراتيون كانوا الأكثر كرماً وفي اليوم الأخير شهد الجناح السعودي زحمة إذ وزّعت الكتب المعروضة مجاناً. أما الدور الأخرى فكانت متلاصقة في مساحات ضيقة. الجناح السوري كان رسمياً في معظمه ما خلا بضعة أجنحة تهتم بالكتاب الديني. وقرب هذا الجناح أقيمت محاضرات دينية عدة. وكانت تكفي جولة هادئة على العناوين العربية في كل الأجنحة ليتيقن الزائر ان ما من جديد فيها وأن الكتب الإسلامية حاضرة بشدة وأن "كتاب الطبخ" الذي وضعه الشيف رمزي يحتل زاوية بكاملها وكان الشيف حاضراً بمريوله الأبيض... كتب لا تشفي القارئ العربي الحقيق ولا القارئ الألماني الذي لن يلمّ بالعناوين وخصوصاً انها لم تترجم الى الألمانية. وقد يساور الزائر بعض من الشك في الأرقام التي أوردها تقرير "اتحاد الناشرين العرب" عن عدد الدور المشاركة وهو 987 ناشراً إلا إذا اعتبر التقرير أن عرض كتاب أو كتابين لناشر ما هو حضور له. والطامة الكبرى تمثلت في طبع "اتحاد الناشرين العرب" دليلاً ضخماً بالعربية في عنوان "الكتب المعروضة" وهو لا يعني الا القلة القليلة من العرب الزائرين والمهاجرين. وربما كان وضعه بالألمانية أجدى كثيراً. فالنسخ تراكمت وكلفتها حتماً عالية وكان من الممكن تفادي نشره. وتكفي الفوضى التي شهدتها الصالة العربية الرئيسة حيث اختلطت العناوين عشوائياً حتى بات من المستحيل البحث عن كتاب، ونجا من هذه الفوضى نجيب محفوظ التي عرضت كتبه على حدة. وبدا واضحاً أن معظم الناشرين العرب لم يوقعوا عقوداً مع ناشرين أجانب ولم يُبدوا حماسة لمثل هذه العقود، فمعظمهم ينشرون الكتب المترجمة من غير عقود وهم لا يعنيهم كثيراً أن يترجم "كتّابهم" الى لغات أخرى. وإن أصرّ ناشرون على أن المعرض حقق نجاحاً فإن ناشرين آخرين كانوا محبطين ويائسين وقد اعتبروا ان المعرض كان مضيعة للوقت والمال. الناشرون الألمان والعالميون يختلفون كثيراً عن نظرائهم العرب. هولاء يروّجون لكتبهم وكتّابهم بذكاء وخبرة ومعرفة. وهم الذين يسعون الى ترجمتهم سواء بمبادرة منهم أم عبر "الوسطاء". وفيما لم ينتبه الناشرون العرب الى فوز الفريدة يلينك بجائزة نوبل خلال المعرض ولا إلى فوز الكاتب المجري بيتر ايسترازي بجائزة السلام التي يمنحها معرض فرانكفورت، أقبل الناشرون العالميون على الدور الألمانية والنمسوية ناشرة يلينك والدار المجرية ناشرة ايسترازي من أجل الحصول على عقود للترجمة.
لم يعِ الكثيرون من الناشرين العرب على ما يبدو، أن معرض فرانكفورت هو سوق لبيع الحقوق وشرائها ولتبادل أعمال النشر والترجمة، قبل أن يكون معرضاً مفتوحاً أمام الجمهور. من هنا تبدو مشاركتهم غريبة في هذا العالم الذي يحترم الكتاب والكاتب من غير أن يخفي همّه التسويقي والتجاري. شاهدت كيف يعامل الناشر الألماني الياس خوري وكيف يحترمه وكيف يضرب له المواعيد ويوفر له الجو كي يلتقي الصحافة والإعلام متحدثاً عن كتابه. وشاهدت أيضاً كيف يكرّم الناشر "هانزر" الروائي نجم والي مع أن روايته هي الأولى مترجمة الى الألمانية. يشعر الزائر العربي بخيبة عندما يدرك أي علاقة تجمع بين الناشرين العالميين والكتاب وبينهم وبين المؤلفين! يشعر الزائر أيضاً كم أن العلاقة واهية وغير سليمة بين معظم الناشرين العرب والكتاب ومؤلفيه.
بدت المشاركة العربية في فرانكفورت مناسبة للقاء بين الكتاب العرب روائيين وشعراء ومفكرين اضافة الى الفنانين... شعراء كثر حضروا وغاب كثر أيضاً كان يجب ألا يغيبوا: أنسي الحاج، سعدي يوسف، قاسم حداد، بول شاوول، عبدالمنعم رمضان، حلمي سالم، محمد علي شمس الدين، سركون بولص، بسام حجار وسواهم وسواهم... وحضر شعراء من الطبقة الثالثة والرابعة... ورفض الشاعر عقل العويط قراءة قصائده احتجاجاً على سوء التنظيم ودمج الأصوات بعضهاببعض من دو منهج... ولا أحد يدري لماذا تصرّ وزارات الثقافة على إرسال شعراء دون المستوى وكأن التمثيل هنا ضروري كما لو كان ديبلوماسياً. لكن عدداً من الشعراء المشاركين استطاعوا أن يعوّضوا "فداحة" التمثيل "القطري" ويكفي ذكر بضعة أسماء من مثل: أدونيس ومحمود درويش وأحمد عبدالمعطي حجازي وعبدالرحمن الأبنودي ومحمد بنيس وغسان زقطان ونزيه أبو عفش وعباس بيضون ومريد البرغوثي وسيف الرحبي وشوقي بزيع وابراهيم نصرالله وعبدالله الصيخان وعقل العويط وسواهم... حتى تتشكل "خريطة" للأجيال الشعرية المتعاقبة التي تمثل معظم التيارات التي تشغل الحركة الشعرية الجديدة.
أما الروائيون فيختلف أمرهم، فمعظم الأسماء المشاركة كانت في مستوى الإطلالة الروائية والكثيرون من هؤلاء الروائيين ترجمت كتبهم الى الألمانية لكنها لم تعرض في الجناح العربي. وكان من الصعب التفتيش عنها في الأجنحة الألمانية أو النمسوية. وهؤلاء الروائيون يستأثرون بحصة هائلة من الترجمة على خلاف الأنواع الأخرى كالشعر والنقد... الطيب صالح، ابراهيم الكوني، سحر خليفة، أمين معلوف، إيتيل عدنان، رشيد بو جدرة، جمال الغيطاني، حنا مينه، حسن داود، حنان الشيخ، الياس خوري، اميلي نصرالله، ادوار الخراط، الحبيب السالمي، ابراهيم أصلان، صنع الله ابراهيم، أحمد أبو دهمان، آسيا جبار، فؤاد التكرلي... وقد انضم اليهم أخيراً عبدالرحمن منيف وفؤاد كنعان وربيع جار... كل هؤلاء موجودون بالألمانية ويستطيع القارئ الألماني أن يشكل من خلال قراءتهم صورة بانورامية عن الرواية العربية المعاصرة والجديدة. واللافت ان روائياً وقاصاً في حجم فؤاد كنعان لم يحظ بأي مقال في الصحف الألمانية علماً أن روايته المترجمة الى الألمانية "على أنهار بابل" هي من الأعمال البديعة حقاً. حتى عبدالرحمن منيف لم تلتفت اليه الصحافة الألمانية ولا أحد يعلم لماذا. أما الشعر العربي فقد يتمكن القارئ الألماني من قراءة نماذج منه عبر الأنطولوجيا الشعرية التي أنجزها الشاعر السوري - الألماني سليمان توفيق وقد صدرت في صيغة "كتاب الجيب" ونفدت طبعتها الأولى بحسب ما قيل في المعرض. وتضم هذه الأنطولوجيا مختارات من الشعر الحديث والجديد أيضاً وتمثل خريطة سليمة للتجارب المختلفة والحقيقية. وكان من الضروري إفراد جناح للكتب العربية المترجمة الى الألمانية وللكتب الألمانية المترجمة الى العربية فيتمكن الزائرون من الأطلاع على هذا الجهد المشترك بين العرب والألمان. فالمكتبة العربية باتت تضمّ أعمالاً كثيرة منقولة عن الألمانية ويجب التركيز عليها مثل الكتب العربية المنقولة الى الألمانية كخلفية أساسية للحوار الثقافي والأدبي بين العرب والألمان. فالندوات وحدها لا تكفي لأنها تنتهي في لحظتها ما لم تبادر الجهة المنظمة الى جمع أوراقها ونشرها، وهذا أمر مستبعد عربياً. فالترجمة تمثل حيّزاً أسياسياً في التبادل الثقافي والفكري لأنها تضع الطرفين على علاقة مباشرة بأدبهما وفكرهما.
كانت الندوات والأمسيات واللقاءات كثيرة وتبعاً للفوضى في البرمجة لم يتمكن الزوار من متابعة البرنامج ولم يدروا مَن غاب ومَن حضر، خصوصاً أن لا مرجع إعلامياً عربياً في المعرض ولا مكتب للاعلام، وهذا خطأ فادح أيضاً ارتكبه المنظمون. هل يمكن صرف الأموال في أمور جانبية وغير مهمة وعدم إيجاد مركز للاعلام العربي مثلما يفعل الألمان عبر المركز الإعلامي الضخم والمفتوح أمام كل الاعلاميين والصحافيين؟ ولم يدر أحد ان كانت الجزائر أو ليبيا عادتا عن قرارهما بالمقاطعة وإن كانت حضرت مثلاً: جيبوتي والصومال وجزر القمر وسواها من الدول الفقيرة التي قيل ان قطر سددت أجور مشاركتها؟
وفيما رابض بعض المتعصبين الصهاينة والاسرائيليين المقيمين في ألمانيا في خيمة نصبوها قبالة البوابة الرئيسة للمعرض، محتجين ومعترضين على المشاركة العربية، كانت الناشرة الاسرائليية ياعيل ليرر صاحبة "دار الأندلس" التي نشرت الكثير من الأعمال العربية مترجمة الى العبرية، تنشط في المعرض موزعة كتيباً بالانكليزية عن الدار والمطبوعات. وبدت هذه الناشرة متحمسة للأدب العربي وسعت الى الاطلاع على العناوين الجديدة بغية ترجمتها. وكانت "الحياة" خصّت قضية "الترجمة الى العبرية" بملف حوى شهادات عدة لكتّاب ترجمت أعمالهم الى تلك اللغة. ومن الكتّاب الذين نشرت أعمالهم في "دار الأندلس": محمود درويش، محمد شكري، الطيب صالح، الياس خوري، هدى بركات، حنان الشيخ، جبرا ابراهيم جبرا، محمد برادة وسواهم... وحاول الاسرائيليون المحتجون رفع قضية ضد سبعة كتب حصلوا عليها من المعرض الى محكمة فرانكفورت مدّعين أنها ضد اليهود وذات نزعة لاسامية. لكن المحكمة اسقطت الدعوى مبرّئة الكتب من التهمة. وتبيّن أن أحد الكتب مترجم عن العبرية. والموقف الحاقد والسلبي الذي عبّر عنه الاسرائيليون انعكس سلباً عليهم وأكد مدى حقدهم على الثقافة العربية. أما الجناح الاسرائيلي من المعرض العام فبدا صغيراً جداً ولم يضمّ سوى كتب جامعية وأكاديمية اضافة الى الكتب الدينية. وعرض أحد الناشرين شعائر يهودية وشمعدانات ومجسّمات لمخطوطات البحر الميت.
انتهى المعرض لكنّ بعض الأدباء سيقومون بجولة ألمانية يقرأون خلالها نصوصاً وقصائد أو يشاركون في لقاءات مع الجمهور الألماني. الأيام الخمسة بدت طويلة ولم تخلُ من الملل و"النميمة" العربية التي دلّت على خلافات بين المثقفين العرب أنفسهم. ولم تكن بعض الشاعرات والكاتبات في منجى من هذه "النميمة". والأسئلة التي طرحت قبل المعرض ستظل مطروحة بعد انتهائه. الناشر والكاتب لقمان سليم دار الجديد الذي لم يشارك في التظاهرة الرسمية مثله مثل دار الجمل ودار ميريت القاهرة قال ل"الحياة": "إنني أطالب الجامعة العربية ومنظمة "الألكسو" بتقويم المشاركة العربية التي حلّت ضيفاً على معرض فرانكفورت على غرار ما تفعل ادارة المعرض الألماني، وكذلك بنشر هذا التقويم في تقرير شامل، وهكذا يكون لدى المؤسستين العربيتين شجاعة في ممارسة النقد الذاتي في مواجهة نقد الآخرين". وأشار سليم الى أنه يتوقع أن يكون التقرير سلبياً نظراً الى ما حصل خلال المعرض".
ترى هل سترفع الجامعة العربية ومنظمة "الألكسو" تقريراً بالأرقام والتفاصيل عن المشاركة العربية في فرانكفورت؟
هذا ما ينبغي انتظاره في الأيام القليلة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.