بعد مرور اكثر من ثلاثة شهور على بدء عمل المصارف الخاصة في سورية، لا تزال هذه المصارف في انتظار تعديل كثير من التشريعات القديمة لتفعيل عملها ولزيادة مساحة تعاطيها مع الزبائن. وكانت سورية بدأت منح التراخيص لتأسيس مصارف خاصة في بداية السنة الجارية في إطار إصلاحات ترمي إلى توسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي الذي تهيمن عليه الدولة. ووافقت الحكومة على منح ثلاثة تراخيص لمصارف خاصة وسمحت ل"بنك لبنان والمهجر"و"مؤسسة التمويل الدولية"بتأسيس"بنك سورية والمهجر"ول"البنك الأوروبي للشرق الأوسط"بتأسيس مصرف باسم"بيمو السعودي - الفرنسي"ول"بنك الإسكان الأردني"بتأسيس"المصرف الدولي للتجارة والتمويل". على رغم أهمية الخطوة السورية في السماح للمصارف الخاصة بالعمل في البلاد بعد اكثر من أربعين عاماً على تأميم العمليات المصرفية فيها لا يزال عددها قليلاً ورأس مالها متواضعا لا يتجاوز ثلاثين مليون دولار أميركي لكل منها، إضافة إلى ان عملها لا يغطي إلا مساحة صغيرة جداً من البلاد جغرافياً واقتصادياً وفعالية ونوعية، وهذا ما جعلها غير قادرة على تغطية طلبات ورغبات الزبائن كونها محصورة في فرع واحد. تفاؤل زائد وقال التاجر محمد الأغاني ل"الحياة":"إلى الآن يوجد بطء في العمل. وبعد افتتاح المصارف أصيب التجار بخيبة أمل ولم يتصوروا ان الروتين والقوانين القديمة لا تزال شبه مطبقة. يبدو اننا تفاءلنا اكثر من اللازم". وأضاف:"يشعر الشخص بانه غير حر في التصرف بحسابه لان القوانين المطبقة على المصارف الحكومية هي نفسها المطبقة على الخاصة وأنا عندما أريد ان أغير حسابي من اليورو إلى الدولار لا يسمحوا لي بذلك... وحتى في تسعير العملة السورية نجدها في الدول المجاورة أغلى من الأسعار الموجودة داخل سورية". وأعرب عدد كبير من المصرفيين عن الأمل في ان تعطي السلطات المالية في البلاد دوراً اكبر للمصارف في عملية الاستثمار وتمويل المشاريع الاستثمارية عبر مساعدة المصارف على تخصيص نسبة معينة من تسليفاتها لمشاريع إنتاجية تكون قادرة على ايجاد فرص عمل جديدة وبناء قاعدة إنتاجية جديدة لا ان تكتفي في تمويل المصاريف الاستهلاكية. ويرى هؤلاء بان السوق السورية في حاجة إلى"تمويل رخيص ومبسط وميسر وهذا لا يتحقق إلا بتأسيس سوق الأوراق المالية واعطاء المصارف الفرصة للمساهمة في عملية الاستثمار". وقال احدهم"لا يزال يوجد فراغ من الناحية القانونية والإجرائية والعملية". وطالب بضرورة وضع خطة عامة لجميع المصارف خصوصاً العامة من خلال"إعادة النظر بمراسيم إحداثها وإلغاء التخصصية وإعطاء حرية الصرف ليس بشكل غوغائي لكن بشكل تجاري يتبع العرض والطلب، وان تقرر السوق موضوع الفائدة". وتتركز معظم تسليفات المصارف الجديدة على تمويل التجارة الخارجية بنسبة ضئيلة، لكن بشكل اكبر على تمويل المشتريات الاستهلاكية مثل السيارات والبرادات والهواتف وهذا"لا يحقق الغاية الرئيسية التي أنشئت من اجلها المصارف". وقال رئيس مجلس إدارة"بنك سورية والمهجر"راتب الشلاح ل"الحياة":"أعطيت المصارف الخاصة مساحة واسعة للتحرك لكن هناك نقطتين بانتظار التوضيح، الأولى تبييض الأموال وهو قانون دولي والثانية كيفية تحويل القطع الأجنبي، حيث ان القوانين حالياً لا تسمح بتحويل هذه الأموال، وبرهنت قوانين تنظيم النقد الأجنبي على انها غير قادرة على منع تهريب الأموال"، لافتاً الى ان التحويلات الأجنبية والتعامل في العملات الأجنبية الذي اصبح الآن مفتوحاً بالنسبة الى الأموال التي ترد الى سورية من شركات التحويلات الخارجية ستغطي ايضا الأموال النقدية الموجودة، التي بإمكان المصرف ان يأخذها ويستعملها لتغطية قيمة اعتماداته واستيراد بضائع أو ان يتركها للآخرين كي يحولوها إلى خارج سورية ويعيدوها مرة ثانية بحوالة. الودائع السورية في الخارج ومع افتتاح المصارف الخاصة في سورية، ازداد التفاؤل بان عملها ربما يؤدي إلى اجتذاب الودائع السورية في الخارج، التي تقدر بين 80 و120 بليون دولار أميركي، والى تحريك عجلة الاقتصاد وانتشاله من حال الركود التي يعاني منها منذ ما يزيد على عشرين عاماً. غير ان الشلاح بدد هذا التفاؤل، مشيراً إلى ان المصارف"لا تركض وراء الودائع لمجرد الودائع بل ترغب في توظيفها وفي حال لم تستطع توظيفها ستكون هذه الودائع عبئاً اكثر مما هي مصدر لذلك لم تكن المصارف متسرعة في الحصول على ودائع". لا تشجيع على العودة وقال:"اعطني مجالاً جديداً في التوظيف أسعى إلى جلب الأموال من خارج سورية وأستطيع في الوقت نفسه ان أزيد وانمي الودائع السورية التي تأتي من الخارج ولكن الآن لا يوجد تشجيع على العودة". وبعدما خفض مجلس النقد والتسليف الفائدة حاولت المصارف ان تتماشى وتواكب هذه النسب كي لا تخلق شرخاً في السوق المصرفية كونها لا تزال"ضيقة"على حد تعبير أحد المصرفيين. وتصل نسبة الفائدة على العملات الأجنبية المجمدة حالياً بين 5 و 6 في المئة وتبلغ بالنسبة إلى العملات الأجنبية للحسابات الجارية بين واحد واثنين في المئة. وهذه النسب إجبارية للمصارف العامة. وهي تتبدل في المصارف الخاصة ويمكن للمصرف في حالات استثنائية ان يبدل في هذه النسب على حسب الزبون وقوته وحاجة المصرف إلى حسابه.