عمان - رويترز - أدت القلاقل التي تشهدها سورية إلى اضطرابات لدى مصارف البلاد التي سجلت أرباحاً ضخمة العام الماضي، بعدما أدى تهاوي قيمة العملة إلى زيادة قيمة أرباح عمليات الصرف الأجنبي، لكن المصارف السورية ستكافح خلال العام الجاري في مواجهة الانخفاض المتسارع للودائع وتزايد القروض المتعثرة. وتمكنت المصارف الخاصة العاملة في سورية وعددها 14 مصرفاً ومعظمها فروع لمصارف عربية، من الصمود خلال 11 شهراً هي عمر الانتفاضة على حكم الرئيس بشار الأسد، على رغم الاضطرابات المدنية والعقوبات الدولية التي صاحبتها، وهو صمود يعزى في درجة كبيرة إلى الأرباح الطائلة التي جنتها المصارف من أرصدتها من العملات الأجنبية بعد تراجع قيمة الليرة بنسبة 39 في المئة. وشجع المصرف المركزي السوري المصارف على الاحتفاظ بكميات كبيرة من العملات الأجنبية بعد تراجع احتياط النقد الأجنبي للبلاد منذ بدء الأزمة السياسية. وحقق «بنك الشام»، وهو واحد من ثلاثة مصارف إسلامية خاصة في البلاد ومملوك بنسبة 32 في المئة ل «البنك لتجاري الكويتي»، ارتفاعاً في صافي أرباحه نسبته 553 في المئة العام الماضي ما ضمن له وضعاً بارزاً بين مصارف كثيرة سجلت أرباحاً قوية. وقال طلال السمهوري، وهو خبير مالي ومدير للأصول يقيم في الأردن: «احتفظ كثير من المصارف الخاصة السورية بكثير من الدولارات وأتاح لها هذا تحقيق أرباح غير متوقعة. واستفادت (هذه المصارف) وحققت أرباحاً استثنائية». طفرة وغطى ارتفاع الأرباح على تدني المداخيل التشغيلية وتراجع قيم أصول المصارف والذي سيتجلى في شكل أكبر هذا العام، فاضطر «بنك الشام» مثلاً، إلى تخصيص ما يوازي قيمة أرباحه الصافية تقريباً لتغطية قروض مشكوك في تحصيلها العام الماضي. وحتى بدء الانتفاضة قبل عام، كانت المصارف تعيش طفرة ائتمانية تواصلت على مدار عقد كامل بعدما تخلت الدولة عن احتكارها للقطاع المصرفي وجعلت منه عنواناً للتحرير الاقتصادي. واستفادت المصارف من تدني نسب تشبع السوق بالخدمات المصرفية في بلد عدد سكانه 20 مليون نسمة. ويتساءل محللون الآن كم مصرف يستطيع الصمود تحت وطأة الانتفاضة والعقوبات الغربية التي كبلت الاقتصاد وحفزت هجرة رؤوس الأموال ما أدى إلى انخفاض حجم ودائع القطاع بنسبة الثلث تقريباً منذ بداية الاضطرابات؟ ويقول مصرفيون إن الزبائن يتحولون إلى الدولار ويخفون مدخراتهم أو يهربونها إلى أسواق مجاورة تتمتع بأمان نسبي، مثل لبنان والأردن وتركيا. وقال مصرفي في أحد المصارف اللبنانية البارزة ان البنوك «تواجه ضغوطاً كبيرة قد تهدد بقاء بعض المصارف الصغيرة إن واصلت العائدات التشغيلية تراجعها الدرامي. وقد نرى أيضاً اندماجات أو إفلاسات لاحقاً إن انزلقت سورية إلى حرب أهلية». وقبل اندلاع الانتفاضة بلغ إجمالي أصول المصارف السورية العامة والخاصة تريليوني ليرة (43 بليون دولار) وهو مبلغ صغير مقارنة بدول الجوار. ولا تزال المصارف الأربعة المملوكة للدولة تحتفظ بحصة مسيطرة من السوق المحلية على رغم أن معظم المؤسسات غير الحكومية تتعامل مع المصارف الخاصة. ويقول مصرفيون إن فروع المصارف اللبنانية في سورية والتي كانت أول المؤسسات الأجنبية الوافدة على القطاع واستفادت كثيراً من عملياتها السورية في زيادة أرباحها تبدو أكثر مرونة من الوافدين اللاحقين مثل وحدات المصارف الخليجية والأردنية. التجار القدامى وتمثل طبقة التجار السوريين القدامى قاعدة زبائن قوية لمصارف لبنان، وهي طبقة تباشر على نحو تقليدي أعمالها التجارية عبر الجهاز المصرفي اللبناني وتحتفظ بحصص ملكية كبيرة في بعض الفروع اللبنانية في سورية. ويرى مصرفيون أن توسع المصارف الوافدة حديثاً في الإقراض في السنوات الأخيرة يعني أن مَحافظ قروضها قد تضعها تحت طائلة مزيد من القروض المعدومة. وذكر مصرفيون أن «بنك سورية الدولي الإسلامي» المملوك بنسبة 30 في المئة ل «بنك قطر الدولي الإسلامي» سجل ارتفاعاً في أرباحه قبل حسم الضرائب بنسبة 12 في المئة العام الماضي بعدما حقق توسعات كبيرة في الأعوام الماضية، لكنه يظل واحداً من المصارف التي حيدت مخصصات كبيرة للتحوط من خسائر محتملة من القروض. وقال مدير مصرف في دمشق مملوك بنسبة كبيرة لمستثمرين أردنيين، طلب عدم ذكر اسمه: «تخطت المصارف اللبنانية بالفعل مراحل نحن ما زلنا نمر بها. وفي حالتنا نحن في مرحلة الإطلاق. وفي ظل تكاليف الفروع التي يجب تأسيسها، سيكون الضرر أكبر». وتراجعت مثلاً ودائع «بنك عودة» اللبناني في سورية بنسبة تقترب من النصف العام الماضي، لكن عمليات المصرف في سورية حققت أرباحاً على رغم تراجع دخله الصافي بنسبة 83 في المئة بعدما حصن موازنته بمخصصات باهظة توقياً من مزيد من الديون المعدومة. الضمانات العقارية وبعد وصول الاضطرابات إلى مناطق جديدة من دمشق وحلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، يخشى مصرفيون من أن يؤدي تراجع قيم الضمانات العقارية إلى زيادة انكشاف محافظ القروض المتعثرة أصلاً. ويقول مصرفيون إن نسبة القروض المتعثرة ارتفعت إلى ما لا يقل عن 10 في المئة من إجمالي قروض المصارف الخاصة في البلاد، وهو ما يقدره مصرفيون عند 254 بليون ليرة تقريباً، بينما طالب مزيد من الشركات المقترضة إبرام صفقات إعادة هيكلة طويلة الأمد للديون لخمسة أعوام بعدما دفعت الاضطرابات عدداً أكبر من الزبائن إلى التعثر. ورفع «المركزي» السوري أيضاً أسعار الفائدة منذ مطلع العام الجاري إلى ما بين تسعة و11 في المئة على الودائع من أصل ستة إلى سبعة في المئة لوقف الإقبال على السحب من المصارف ما زاد التكاليف على المصارف. وزادت العقوبات المشددة من مؤسسة «سويفت» العالمية التي تتخذ من بلجيكا مقراً وتتيح للمصارف استعمال نظام تحويل الأموال حول العالم، من صعوبة المهمة على مصارف سورية في تحويل العملات الأجنبية. وأصبح عدد أكبر من الزبائن يتجهون إلى لبنان والأردن لفتح خطابات اعتماد بالدولار وإنجاز التحويلات التجارية العادية مع أطراف خارجية بعدما عجزت المصارف السورية عن ذلك.