تباشر القوات الاميركية اليوم انسحابا تدريجيا من داخل مدينة الفلوجة العراقية ومحيطها بعد حصار استمر قرابة شهر، بموجب اتفاق مع وجهاء المدينة تلى تصاعد الضغوط الدولية على الولاياتالمتحدة لايجاد حل سلمي فيها، على ان تتولى قوة من الجيش والشرطة العراقيين بقيادة أحد كبار ضباط الجيش العراقي المنحل، فرض الامن واستكمال جمع الاسلحة الثقيلة. اعلن الناطق باسم مشاة البحرية الاميركية المارينز اللفتنانت كولونيل برناني بايرن ان قوات المارينز التي تحاصر الفلوجة ستبدأ في الانسحاب اليوم الجمعة الى خارج المدينة وستحل بدلا منها قوات عراقية بقيادة ضابط كبير من عهد الرئيس السابق صدام حسين. وأضاف بايرن انه بموجب اتفاق تم التوصل اليه ليل الاربعاء مع ممثلين عن الفلوجة بينهم اربعة ضباط كبار من الجيش العراقي السابق، فان قوة من الجيش العراقي الجديد تقدر بنحو الف ومئة عنصر بقيادة قائد فرقة سابق ستتوجه الى الفلوجة اليوم لتولي الامن، في حين ستنسحب قوات المارينز من مواقعها داخل المدينة وفي محيطها المباشر لكنها ستبقى في المنطقة. واكتفى بايرن بتعريف قائد القوة العراقية بانه "الجنرال صلاح"، لكن مصادر اشارت الى ان اللواء الركن صلاح عبود الجبوري، من منطقة الفلوجة، كان حاكما لمحافظة الانبار في عهد صدام حسين وقائدا لاحدى فرق الجيش العراقي المنحل. وأوضح ان القوة العراقية ستنتشر أولا في محيط المدينة قبل ان تدخلها لاحقا، مشيرا الى ان الاتفاق ينص على ان تكون الفلوجة كلها خاضعة لاشراف القوات العراقية. وتابع "ان الفلوجة مشكلة عراقية وسينقل الاشراف عليها الى قوة عراقية باسم جيش حماية الفلوجة". ومضى يقول ان "القوة العراقية تتمتع بمميزات لا نحظى بها، فهي اولاً عراقية وثانيا محلية، اي انها تعرف المنطقة والسكان". وقال ضابط في المارينز طلب عدم ذكر اسمه انه "يحتمل ان يصبح بعض المتمردين، من غير المتطرفين او المجرمين، جزءا من قوة حفظ الامن". وقال قائد شرطة الفلوجة صابر الجنابي ان مشاة البحرية الاميركية وافقوا على بدء الانسحاب من مناطق رئيسية في المدينة. واضاف ان المفاوضات بين القوات الاميركية وضباط سابقين في الجيش العراقي في المدينة توصلت الى اتفاق يبدأ بموجبه مشاة البحرية بالانسحاب في ساعة متأخرة من مساء الخميس على ان يستكمل الانسحاب اليوم الجمعة. وأوضح رئيس الوفد المفاوض عن أهالي الفلوجة الدكتور أحمد الحردان انه تم الاتفاق مع الجانب الاميركي على بدء انسحاب قواته من جنوبالمدينة خلال 36 ساعة. وقال لقناة "الجزيرة" عبر الهاتف من الفلوجة إنه بعد انتهاء انسحاب القوات الاميركية ستتسلم قوات الدفاع المدني والشرطة العراقية السيطرة في تلك المناطق، مشيرا الى انه تم الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة من الجيش العراقي والمارينز في العاشر من ايار مايو. وقال الحردان ان "ثمن" الانسحاب الاميركي هو ان المدينة "حوصرت واعتدي عليها وسفكت دماء أبنائها وسقط الشهداء في شوارعها". وردا على سؤال عن ضمانات تنفيذ الاتفاق، قال الحردان إن "الضمانة الاكيدة بالنسبة لنا أن يحل أبناؤنا .. الشرطة والدفاع المدني وضباط القيادات التي اختيرت من أهالي الفلوجة" محل القوات الاميركية في حفظ الامن. واكد ان تسليم أسلحة المقاتلين سيستمر. وكان الحصار الاميركي بدأ في الخامس من نيسان ابريل بعد اقل من اسبوع على مقتل اربعة اميركيين والتمثيل بجثتي اثنين منهم. وشهدت المدينة معارك عنيفة تدخل فيها الطيران والدبابات. وقطع الاميركيون التيار الكهربائي والمياه عن الفلوجة التي نزح قسم كبير من اهاليها الى القرى المجاورة. وتركز اعنف المعارك في احياء الجولان والعسكري والضباط التي لحق بها دمار كبير. وخسر الاميركيون العديد من الجنود في هذه المعركة بينما قدرت اوساط المستشفيات عدد القتلى العراقيين بنحو 800 معظمهم من المدنيين وبينهم عدد كبير من الاطفال والنساء. واثار حصار الفلوجة استياء وغضب العراقيين وردود فعل شاجبة في العالم العربي، خصوصا مع انتشار صور القناصة الاميركيين الذين كانوا يطلقون النار على كل ما يتحرك. وكان الجنود الاميركيون في المنطقة الصناعية بجنوبالمدينة يوضبون متاعهم امس بعدما تلقوا امرا بالانسحاب، فيما تسوي جرافات السواتر الترابية بالارض وجاء نبأ الاتفاق مفاجئا الى حد ما، بعد ثلاثة ايام من الاشتباكات العنيفة بين الطرفين التي هددت الهدنة الهشة القائمة. وأفرجت القوات الاميركية أمس عن الشيخ جمال النزال وأخيه الشيخ كمال اللذين اعتقلا في تشرين الثاني نوفمبر الماضي بتهمة التحريض على العنف في خطب الجمعة. ورأى مراقبون في ذلك بادرة حسن نية من الجانب الاميركي. في هذا الوقت، اتهم رئيس هيئة علماء المسلمين حارث الضاري القوات الاميركية بالمماطلة في مفاوضات تطبيق هدنة في الفلوجة بهدف كسب الوقت واجتياح المدينة. وقال الضاري للصحافيين بعد اجتماع وفد من علماء الدين العراقيين مع الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في القاهرة ان الوضع في الفلوجة وغيرها من المدن العراقية المحاصرة "مأساوي" مطالبا باتخاذ موقف سياسي عربي حازم من ممارسات القوات الاميركية.